الحرب المرتقبة على العراق، هي حرب أميركية بحتة أوصى بها وأعد لها الصقور المسيطرون على إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش، استناداً للمنطق نفسه الذي حكم أداءهم في عهد الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان، على حد قول الصحافي الفرنسي الاختصاصي في الشؤون الاستراتيجية جان غينيل، وخدمة لأهداف تكاد تكون عائلية خاصة بأسرة بوش وفقاً لفرضية الصحافي الاختصاصي في السياسة الدولية أريك لوران. ففي كتاب يحمل عنوان "بوش ضد صدام" يؤكد غينيل أن إدارة بوش المكونة بغالبيتها من صقور على غرار وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد ونائبه بول ولفوفيتز ونائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، إضافة إلى المستشار لدى البنتاغون ريتشارد بيرل، ومن "حمائم ذات أنياب" على غرار كولن باول، هم الذين أملوا منطق الحرب ضد العراق على بوش الذي وافق عليه، كونه يلقي على العالم نظرة مبسطة "تقتصر على لونين أسود وأبيض". ويعتمد لوران في كتابه الذي يحمل عنوان "حرب آل بوش" تحليلاً مماثلاً، فيؤكد أن فكرة الحرب على العراق طرحت بعد مضي أربعة أيام على 11 أيلول سبتمبر من جانب ولفوفيتز، الذي اقترح عدم حصر المواجهة مع الإرهاب الدولي بأفغانستان وحدها، وإنما توسيعها لتشمل الشرق الأوسط، حيث تنشط حركة "حماس" و"حزب الله" وأيضاً العراقوإيران. ويعزى تبني بوش لهذا الطرح، في رأي لوران، إلى أمرين: الأول، هو اقتناعه بأن ضرب العراق والتخلص من رئيسه صدام حسين يزيل عقبة رئيسية أمام إحلال الديموقراطية في الدول التي تشكل منبعاً للإرهابيين. والثاني، أن مثل هذه الضربة تمكنه من استكمال ما كان بدأ في عهد والده الرئيس السابق جورج بوش. وبخلاف غينيل الذي يركز في كتابه على الطبيعة الايديولوجية للصقور، التي حملتهم على إعادة انتاج المنطق نفسه الذي كان سائداً في عهد ريغان بمجرد استبدال مفهوم "امبراطورية الشر" ب"محور الشر"، يعتبر لوران أن للحرب المقبلة أيضاً صلة بسيرة آل بوش. فيتعرض لوران للعلاقات السياسية والتجارية والعسكرية المتشعبة التي ربطت بوش الأب بالرئيس صدام حسين، ويروي أن الاستخبارات الأميركية زوّدت النظام العراقي تكراراً بصور ملتقطة بالأقمار الاصطناعية لمواقع القوات الإيرانية، وقدمت للعراقيين معلومات أتاحت لهم صنع "غاز الخردل" الذي استخدموه في حربهم على إيران، وان الرئيس الأميركي السابق تدخل شخصياً لمساعدة العراق في الحصول على تمويل لبناء انبوب يسمح له بايصال نفطه إلى الأسواق الدولية. العلاقات المتشعبة والمكثفة ذاتها نجدها بين بوش الأب وأسرة بن لادن ولاحقاً بين بوش الابن والأسرة نفسها. فالرئيس الأميركي، يروي لوران، كان رجل أعمال فاشل، لكنه عند كل سقطة تجارية كان يجد من ينقذه، ومن ضمن هؤلاء المنقذين رجل الأعمال الأميركي جيم باث الذي وقف باستمرار إلى جانب بوش الابن والذي يعد من بين الأشخاص الذين تستخدم أسرة بن لادن اسماءهم في بعض الأحيان. ويؤكد أن الشراكات المتعددة بين أسرتي بوش وبن لادن كانت مستمرة حتى 11 أيلول، حين تحول اسامة بن لادن إلى العدو الرقم واحد للولايات المتحدة والمطلوب إلقاء القبض عليه حياً أو ميتاً، ولكن بما أن ذلك بدا متعذراً حتى الآن، عمل الرئيس الأميركي على تركيز طاقة إدارته على النظام العراقي، مستعيناً بذلك بشعار "حرب الخير على الشر" الفضفاض. من جانبه، يتوقف غينيل عند التحول الذي طرأ على استراتيجية الولاياتالمتحدة من جراء النزعة العسكرية المسلطة على بوش وإدارته، فيعتبر أن من أبرزها الأخذ بمبدأ "الضربات الوقائية" بعد أن كان الأميركيون يعتبرون ان مثل هذه الضربات "تعبر عن جبن وخبث"، ويؤكدون أن أسوأ مثال عليها هو ضرب اليابان لبيرل هاربر سنة 1941. كما أن إدارة بوش ابتدعت تدريجاً، على حد قوله، نظام الرقابة على التسلح، ولم تعد تستبعد فكرة انتاج المزيد من الأسلحة النووية. ويقر غينيل ولوران أن الثروة العراقية النفطية تشكل عنصراً أساسياً ضمن حسابات الحرب المقبلة، لكنها ليست هدفاً لها. ويتفقان على القول إن هذا الهدف هو إعادة تركيب الشرق الأوسط جغرافياً وسياسياً، باعتبار أن أمن إسرائيل لن يتحقق على المدى الطويل إلا بهذا الثمن. وفيما يعتبر لوران أن الحرب على العراق لن تكون على الاطلاق بمثابة نزهة للقوات المشاركة فيها، يتساءل غينيل عن كيفية تصرف الجيش العراقي خلالها، وكيفية تصرف الرئيس العراقي، وما إذا كانت لديه أسلحة خفية سيلجأ إلى استخدامها، وما إذا كان سيشعل النار في آبار النفط العراقية. ويورد لوران أيضاً مجموعة من التساؤلات عما سيكون عليه العراق بعد الحرب، وما إذا كانت الولاياتالمتحدة ستتمكن من فرض الاستقرار فيه، وما سيحكم تعامل الشيعة والأكراد مع الوضع الجديد. وفي الإطار نفسه، يبدي غينيل تخوفه لغياب التصور الواضح المعالم لدى الولاياتالمتحدة، لما سيكون عليه العراق بعد الحرب الذي يضاف إلى غياب التصور المحدد لما سيكون عليه مستقبل المنطقة، لكنه يخلص للقول ان هذه الاعتبارات ليست من النوع الذي يثني بوش وصقوره عن خوض المغامرة.