شهد العقد الأخير في مصر تغيراً في كثير من مفاهيم المجتمع، انعكس على الاغنية. ولم تعد مقاييسُ النجاح، كلماتٍ ولحناً وصوتاً جيدة، انما "تقليعة جديدة" يظهر بها المطرب في اغنيته المصورة. وينطلق شباب كثيرون مقلدين مطربهم المفضل، فتكون التقليعة احياناً قميصاً فضفاضاً او "تي - شيرت" ضيقاً يبرز عضلات المطرب... والتقليعة الأخيرة سادت بين الشباب حتى منتصف التسعينات قبل أن تحل محلها تقليعة قصة الشعر التي كان رائدها المطرب العراقي كاظم الساهر. وفي العام التالي خرج الساهر بتقليعة "كاب" الرأس المقلوب الى الخلف ولكنها لم تصمد كثيراً أمام تقليعة المطرب هشام عباس الخاصة بحلاقة شعر الذقن "دوغلاس" وتبعه وائل كفوري بقصة شعر "المارينز" قبل أن تعود الريادة الى عمرو دياب ثانية عندما ترك جزءاً من لحيته مع حلق شاربه، وأخيراً خرج على جمهوره وقد أطال شعره، أشبه بثوار اميركا اللاتينية. ولم تقتصر حمى التقليعة على المطربين الذكور، بل امتدت الى المطربات الشابات، على غرار نوال الزغبي التي برزت بتشبهها بالمطربة الكولومبية شاكيرا. ومن قبلها كانت سميرة سعيد وأنغام. اضف اليهن كثيرات اتجهن الى استخدام ألوان غريبة من المكياج مثل روج اسود للشفاه، طلاء أزرق للأظافر، رسم بعض الاشكال بالحناء على اجزاء من الاجساد، وانساقت خلفهن كثيرات. "الحياة" سألت شباناً وشابات من مشارب مختلفة حول نظرتهم الى "تقليعات" المطربين. - "أعتقد أنه أمر حسن ان يجدد المطرب في مظهره باستمرار، فالعالم من حولنا يتجدد وكثيرون من ابناء جيلي يكرهون رتابة الحياة"، يقول هشام مصطفى طالب جامعي ويضيف: "يعجبني عمرو دياب كثيراً في ما يملكه من قدرة على تغير مظهره، ولا أجد عيباً في أن أقلده، فهو نجم كبير، أتمنى أن اصبح مثله ولا أظن أنني الوحيد الذي يفعل ذلك. وفي المقابل يرى آخرون، كمحمد عبدالهادي طالب جامعي ان التقاليع "شيء جميل نستمتع بمشاهدته لا لنقلدهم ولكن للإلمام بأحدث صيحات الموضة". ويذكر عبدالهادي انه تعرض للسخرية من افراد أسرته وأهل بلدته قبل عام، عندما شرع في التشبه بعمرو دياب فارتدى "تي - شيرت" ضيقاً وترك جزءاً من لحيته. وقتها قال له والده: "المسخرة دي بلاش منها". اذا كان عبدالهادي مؤمناً بالمثل القائل "كلْ ما يعجبك وارتدِ ما يعجب الناس"، فإن ريهام طالبة ثانوي ترى ان هذا المثل "سطحي وفيه دعوة الى التعدي على حرية الآخرين". وتؤكد ان مطربتها المفضلة هي شاكيرا، "فهي "ستايل روش" أقلدها في حدود ما تسمح به والدتي". وتشير دعاء طالبة جامعية الى انها تجد في تقاليع الفيديو كليب لعدد من المطربات مثل نوال الزغبي وباسكال مشعلاني وانغام وغيرهن "فرصة لمعرفة أحدث خطوط الموضة والتسريحات". وعن اسباب انجذاب الشباب الى تقاليع الفيديو كليب، يقول استاذ علم النفس في جامعة عين شمس الهامي عبدالعزيز: انجذاب الشاب نحو المحاكاة والتقليد ليس حالاً مرضية بقدر ما هو تنبيه للأسرة الى ان الإبن يعاني حال عدم استقرار نفسي في تلك المرحلة المهمة من العمر نتيجة شعوره بالتهميش وعدم الاهتمام بقيمته من أفراد أسرته بخاصة الوالدين اللذين يتعاملان معه كطفل يجب أن يلتزم كل توجيهاتهما من دون إقناع بدعوى أنهما الأعلم بمصلحته، كما أن شعور الشاب بأن ليس له دور مؤثر في الحياة العامة من جراء عدم ممارسة أي من الأنشطة الرياضية أو الاجتماعية يفرغ من خلالها طاقته، هذه العوامل تجعل الشاب يتطرق الى ايجاد بعض الأمثلة التي تريح ذاته كالمطربين لكونهم أقرب النماذج الى قلبه وعقله في تلك المرحلة العمرية فيحاكيهم في كل شيء: طريقة الملبس، قصة الشعر، الاكسسوارات التي يتزينون بها، وغيرها من الاشياء... ويظل الشاب اسيراً لتلك العادات الى أن يعثر لنفسه عن دور في المجتمع سواء بالانخراط في نشاط اجتماعي أو العمل أو الارتباط وتحمل مسؤولية أسرة. أما استاذة العلوم الاجتماعية والجنائية في المركز القومي للبحوث، الدكتورة عزة كريم فتؤكد أن "أعداد المقلدين من الشباب في تزايد مستمر لغياب الأنشطة الاجتماعية التي يشعر الشاب من خلالها بذاته فيلجأ الى تقليد المشاهير في الملابس وتسريحة الشعر وغيرها بدافع لفت الأنظار".