من منا لم يفاجئ ولده يوماً وهو يحدث لعبته المفضلة او يخترع قصصاً عن حياة لا تخطر على بال، كأن يدّعي مثلاً ان والده ممثل مشهور ووالدته مطربة معروفة... لمَ يحب اولادنا تغيير الواقع الى هذا الحد؟ يقول المعالجون النفسيون ان الولد يعيش، قبل عامه الخامس او السادس، ضمن هالة "الفكرة السحرية" وتكون عنده مقدرة مميزة على تجميل العالم الذي يحيط به، اذ يرى كل شيء عبر "مصفاة العجائب". كل شيء بالنسبة الىه يملك روحاً فيحمله مشاعر عميقة. اذا ضرب الطاولة خطأ، اتهمها بأنها شريرة! والولد في هذه السن لا يفرق بين العالم الواقعي وعالم الخيال. سولكن عند بلوغه السادسة يصطدم بالواقع، خصوصاً في المدرسة: عليه تعلم القراءة والكتابة والحساب والنظام... وهي امور غير ممتعة حقاً! عندها يحاول ان يحد من سيره لئلا يدخل في سرعة عالم الحقيقة "القاسي". كل مرة يخترع قصصاً يكون كمن يربط الخيط قليلاً مع طفولته ويرجئ موعد مواجهة الضغوط. ويساعده خياله على تحمل هذه المرحلة الانتقالية. عندما يدخل الولد في حوار طويل مع "دبه" فهذا الاخير لن يوقفه او يعارضه! لذا فهو يستفيد للتنفيس عن همومه. وإذا تشاجر مع لعبته وقلل معها التهذيب، فلأنه ربما لا يجرؤ على ان يقول ذلك لشقيقته الصغرى التي يغار منها. وحتى إذا اخترع والدين خياليين فلأن هذين، على الاقل، لا ينهيانه عن كل شيء! اما اذا تبنى والدين مشهورين - حتى في الحلم - فهذا يعني انه يعطي نفسه اهمية في هذا العمر يساعد الشعور بالقوة على النمو. ويؤكد الاختصاصيون ان لجوء الطفل الى الخيال امر طبيعي جداً. وهو يدرك في اعماقه حقيقة ما يفعل، خصوصاً عندما يبلغ الخامسة او السادسة. وينصحون باحترام شعوره اذا شوهد يحدث لعبته بصوت عالٍ وإلا اعتبر الامر تدخلاً في خصوصياته. الافضل عدم الانصات الى ما يقول ومعرفة كل اسراره. اما اذا اخترع والدين غير حقيقيين فيجب عدم الشعور بالانزعاج بل محاولة معرفة ما يضايقه في تصرفات اهله، ولعل ذلك يكون مدخلاً لاكتشاف ما يخيب آماله. متى يجدر القلق؟ اذا رفض غالباً اللعب مع اصدقائه وفضّل رفقة ألعابه وأطال في الحديث معها، او اذا توجه الى مخلوقات خيالية لا يراها احد غيره، او اذا ركز اهتمامه على ألعاب ميكانيكية شاحنة، سيارة... وأعطاها حياة. هذه الامثلة مبالغ فيها. ولكن عند انتفاء الحدود بين الحقيقة والخيال، قد يتحول الوقوع في الاسراف مشكلة حقيقية من الافضل عندها طلب رأي المتخصصين.