الكتاب: الآثار الكاملة مع تفسيراتها. الجزء الأول: الحكم، الوقاد، الانمساخ، رسالة الى الوالد. الكاتب: فرانز كافكا ترجمة ابراهيم وطفي الناشر: ابراهيم وطفي. دمشق: 2000 قبل عشر سنوات بدأ السوري ابراهيم وطفي مشروعه لترجمة الآثار الكاملة لفرانز كافكا الى العربية. وهو العمل الذي يشكل مشروع عمر لهذا المترجم، والذي أثمر الى الآن ترجمة ونشر الجزء الأول من هذه الآثار ويضم أربعة أعمال تحت عنوان "الأسرة" وهي: الحكم، الوقاد، الانمساخ، رسالة الى الوالد، إضافة الى دراسات ومقالات عن هذه الأعمال. تشكل قصة "الحكم" جزءاً من مذكرات كافكا. كتبها ليلة 22 - 23 أيلول سبتمبر عام 1912 في منزل أهله في براغ. بطلها جيورج بندمان، تاجر شاب تقوده مشادة كلامية مع والده الى تنفيذ الحكم الذي اصدره هذا الوالد بحقه، وهو الموت غرقاً! والقصة لا تكمن عبرتها في الشخوص او الحدث، وانما في العلاقات التي يقدمها النص للنقاش. وهي العلاقات القائمة داخل الأسرة البورجوازية وعالمها الضيق، والتي تتجسد هنا في علاقة الأب بابنه. في رسالة الى صديقته فيليس باور يكتب كافكا عن هذه القصة قائلاً: "هل تجدين في "الحكم" أي مغزى، مغزى سوي مترابط يمكن تتبعه؟ أنا لا أعثر عليه ولا أستطيع أن أفسر شيئاً في القصة. لكن هناك غرائب كثيرة". ص 51. ينقل المترجم مجموعة من التفسيرات والتحليلات لهذه القصة، منها ما يستند الى الحياة الشخصية لمؤلفها، فبطلها جيورج هو كافكا، والأب بندمان العجوز هو والده هرمان، وكذلك الوالدة والصديق والصديقة. كما ان هناك قراءة للقصة على ضوء "أسطورة أوديب"، وحكاية "الابن الضائع"، وقراءة أخرى تعتبرها "نموذجاً اجتماعياً تاريخياً". بعد ذلك يعرض المترجم مقاطع مما كتب عنها في عام 1916 عندنا نشرت في كتاب مستقل، واتجاهات استخدمت في تفسيرها. فنجد الناقد فالتر بنيامين يشير في عام 1934 الى مدى ارتباط عالم "آباء" كافكا بالأسس الاقتصادية لمجتمعه وبظواهر تشوه أفراد ذلك المجتمع. وفي عام 1953 كتب "ادورنو"، الفيلسوف الماني دراسة قصيرة عن كافكا اصبحت أساساً للأبحاث المقبلة عنه. أما الكاتب الألماني الياس كايتي، حائز جائزة نوبل، فيرى ان "أحد مواضيع كافكا الرئيسة هو اذلال الإنسان للإنسان. كما ان هذا الموضوع يعرض نفسه للتأمل بأسهل ما يمكن. ففي "الحكم"، أول قطعة يعتبرها كافكا شعراً، نقع على هذا الموضوع من دون صعوبة، وفي هذه القصة نجد اذلالين يتعلقان ببعضهما بعضاً، ان الأب يشعر انه مهدد من جراء نشاطات ابنه المفترضة، في خطاب الاتهام ضد الابن يقدم الأب نفسه أكبر مما كان في الأصل، ويحاول أن يحول اذلاله الى اذلال للابن: انه يحكم عليه بالموت غرقاً، والابن لا يعترف بشرعية الحكم، لكنه ينفذه على نفسه، وبهذا التنفيذ يعترف بمقدار الإذلال الذي يكلفه حياته. هذا الاذلال يقف معزولاً بشدة وحده ومهما كان عديم الجدوى ولا حكمة له، ففي تأثيره تكمن قوة القصة" ص 118 - 119. عام 1911 ولدت لدى كافكا فكرة كتابة رواية يحلل فيها "وضعه في الأسرة وتجريب امكان حياة خارج الأسرة وخارج براغ تجريباً خيالياً، وفحص الى أي حد يستطيع ان يجد اعترافاً من والديه اذا عاش حياة مستقلة في الغربة". ص 278. وكانت تلك الرواية هي روايته الأولى التي عنوانها "المفقود" موضوعها "ابن طرده والداه الى الولاياتالمتحدة، حيث يفشل هناك فشلاً ذريعاً" وقد نشرها ماكس برود عام 1927 بعنوان "أميركا"، ذلك ان مؤلفها كان يسميها "روايته الأميركية". وكان نشر فصلها الأول، بعنوان "الوقاد"، كقصة مستقلة. أما بقية الفصول فيقول عنها المؤلف انه جرى تدوينها "بطريقة خاطفة، متهاونة، آلية تذكّر بشعور عظيم لكنه شعور غائب ولا ريب" لذا ينبغي التخلي عنه، وهذا يعني انه من أصل 400 صفحة من الدفاتر ذات القطع الكبير لا يبقي سوى 56 صفحة كما أظن". ص 280. ما يعني ان كافكا لم يكن يريد نشر "هذه الخمسمئة صفحة الفاشلة كل الفشل" كما يصفها هو. تلخص الجملة الأولى من "الانمساخ" القصة كلها: "حين أفاق غريغور سامسا ذات صباح من أحلام مزعجة، وجد نفسه وقد تحول في فراشه الى حشرة ضخمة" ص 327. ونعتقد انها جملة معروفة في الأوساط الأدبية في العالم كله لما شكلته من انعطاف في تطور الأدب العالمي. تلي هذه القصة سبع دراسات كتبها "كاتبان كبيران وخمسة اختصاصيين في أدب كافكا". الدراسة الأولى هي تلخيص لكتاب وضعه "بيتر بايكن" مخصص لطلبة المدارس الثانوية بعنوان "فرانز كافكا: الانمساخ - ايضاحات ووثائق"، تضم شرحاً لأهم المفردات والتعابير الواردة في القصة، وشهادات من كافكا عنها، وهي الشهادات التي كتبها إما في رسائل موجهة الى صديقته فيليس باور، أو في مذكراته. كما تضم فقرة بعنوان "موضوع الانمساخ في التراث" وشرحاً مفصلاً حول "نشوء القصة" واستقبالها الأول لدى النقاد والدارسين. فمنهم من وضعها في سياق "أدب العجائب"، ومنهم من درسها على ضوء التحليل النفسي. أما فالتر بنيامين فيرى ان بطل القصة غريغور سامسا يمثل "تشوهات عصرنا"، "هذا العصر الذي يتصف فيه الإنسان بالاستلاب أكثر من أي عصر آخر" ص 474. أما فالتر سوكل فيكتب دراسة بعنوان: "من ماركس الى الأسطورة: مشكلة استلاب الذات في قصة الانمساخ لكافكا" يخلص فيها الى القول: "ان انمساخ غريغور يمثل أسطرة استلاب الذات بالمعنى المزدوج لكلمة "اسطورة". فأولاً يعفي غريغور نفسه من المسؤولية التي تطلبها الحياة العملية، بأن يهرب الى مجال الأسطورة، حيث لا يترك القدر والخارق للطبيعة وما لا يسبر، مجالاً حاسماً للتصرف البشري. لكن الانمساخ يمثل - ثانياً - اسطرة استلاب الذات بمعنى شعري وأسطوري، وذلك بأن يحول استلاب الذات كحدث مجسم وواقع مبتدع الى حدث قصصي، أي اسطورة" ص 482. الدراسة الثانية بعنوان "الحيوان الغريب وذات الإنسان"، مأخوذة من كتاب للأستاذ الجامعي فيلهلم امريش عن كافكا، يحلل فيها القصة على ضوء "الاستلاب الحديث وقانونه". يقول امريش: "مغزى هذا الانمساخ" المرعب انما يكمن في ان هذه الذات غير القابلة للإبعاد، هذه الحقيقة للأنا، التي تزود الآخر عنها، انما تقتحم، في شكل يصدم، واقع سامسا اليومي الملموس، ولا تدع نفسها تطرد بصفتها شبحاً أو أضغاث أحلام. ان ما يبدو لا واقعية خيالية لهذه الحشرة هو بالذات منتهى الواقعية الذي لا يستطيع أحد الافلات منها" ص 490. المقالة الثالثة للكاتب الروسي - الأميركي فلاديمير نابوكوف، بعنوان "العبقري والعادي"، يعتبر فيها قصة "الانمساخ" قصة خيالية مثلها مثل قصة "المعطف" لغوغول، ويدرس فيها الخيال والواقع وعلاقتهما المتبادلة. يقول نابوكوف: "لدى غوغول وكافكا نرى ان الشخص الرئيسي في القصة، الذي هو شخص لا معقول، انما هو جزء من محيطه اللامعقول. لكن هذا الشخص يحاول بطريقة مؤثرة ومأساوية، ان يخرج من هذا المحيط كي يصل الى عالم البشر، فيموت بائساً". ص 504. ويخلص نابوكوف الى القول ان غريغور سامسا الذي تحول الى "الحشرة الخيالية" هو العبقري، بينما اسرته التي تحيط به في الناس العاديين. المقالة الرابعة للروائي مارتن فالزر، يرى فيها ان انمساخ غريغور سامسا هو "سخرية خالصة". المقالة الخامسة للكاتب والمترجم فولفغانغ متس بعنوان "حوافز لقراءة الانمساخ" يقول فيها: "في مهانة واذلال غريغور وفي القرف والخجل منه ما من شيء غير مألوف" مهما كان التصوير متطرفاً. ماذا يجوز لنا اذاً ان نفهم من الانمساخ؟ أمثولة على الاستلاب الكامل في العالم المزيف؟ تخيلات قلق جسدية لإنسان لا تعبر رغباته عن نفسها إلا كإذلال للذات؟". ثم يقرأ الكاتب هذه القصة على ضوء السيرة الذاتية لمؤلفها. المقالتان السادسة والسابعة دراستان في قصص كافكا الثلاث الحكم، الوقاد، الانمساخ. الأستاذ الجامعي غيرهارد نيومان، أحد علماء الأدب المشاركين في تحقيق الطبعة التاريخية النقدية لآثار كافكا، يطرح سؤالاً: "من أين ينبع التأثير الآسر والاشعاع الساحر لهذه القصص والآثار الفنية غير المكتملة؟". ويقول ان كتابة كافكا تلخص موضوعين هما: "وصف الاستلاب في العالم من طرف، ورواية قصص الطفولة من طرف آخر". وهذه الكتابة هي "رؤيا عن البنية القسرية للمجتمع الجماهيري الحديث الذي تسود فيه البيروقراطية والآلية ووسائل التوجيه ويميزه كبت الذات. وازاء ذلك محاولات تحويل آلام الطفولة الى حرية الذات". ص 577. في رسالة الى الوالد يتابع كافكا تيمة العلاقة مع الأب. بدأها مع قصة الحكم. وكتب كافكا هذه الرسالة في السادسة والثلاثين، أي بعد كتابة "الحكم" بسبعة أعوام. وتعتبر بمثابة تصفية حساب نهائية لعلاقته مع والده. كتبها بخط يده وبلغ عدد صفحاتها مئة وثلاث صفحات ولكنها لم تصل أبداً الى المرسل اليه الأب تماماً مثل رسالة جيورج في "الحكم" التي كتبها الى صديقه لكنه أبقاها في جيبه. يبدأ كافكا رسالته على النحو الآتي: "الوالد الأعز، سألتني مرة، أخيراً، لماذا أدعي انني أخاف منك، ولم أعرف، كالعادة، أن أجيبك بشيء" ص 609. والرسالة بمجملها هي بمثابة جواب عن هذا السؤال. جواب يسرد السيرة الذاتية لكافكا والتي تمتد من الطفولة الى وقت كتابتها، وهي سيرة معاناته مع هذا الوالد وأثر هذه المعاناة في تكوينه النفسي والاجتماعي.