في وقت تشير كل الاحتمالات الى أن الضربة الأميركية ضد العراق آتية لا ريب فيها يزداد اليقين بأن تركيا ستشارك في هذه الحرب على رغم التذبذب الذي يبديه المسؤولون الأتراك في شأن هذه المشاركة. لكن الثابت ان أنقرة تسعى الى الاستفادة من تجربة حرب الخليج الثانية. وثمة من يرى أن مشاركة تركيا في الحرب لن تقف عند حد تقديم الدعم اللوجستي للقوات الأميركية، بل تطمح الى المشاركة على الأرض في غزو العراق، ويستدلون على ذلك بإعلان وزير الخارجية التركي يشار ياكيش الشهر الماضي ان "الروابط العرقية تمنح تركيا حقاً في العراق". وعلى رغم ان القاعدة الشعبية لحزب "العدالة والتنمية" ترفض الحرب والمشاركة فيها، الا أن القرار في تركيا أولاً وأخيراً يبقى للمؤسسة العسكرية، وينطلق من المصالح "القومية" التركية التي تقتضي ألا تكون لأكراد العراق دولة أو نفوذ في عراق ما بعد صدام حسين، كما في انتزاع اعتراف أميركي بالوصاية التركية على مدينتي الموصل وكركوك وبدور ونفوذ للأقلية التركمانية في العراق. كما تبدي أنقرة حرصاً على ضمان الدعم المالي الأميركي لتلافي تكرار انعكاسات حرب الخليج الثانية عندما خسرت الاقتصاد التركي 38 بليون دولار بسبب الحرب والحظر الدولي المفروض على العراق. لكن التدخل التركي في كردستان ربما يجلب عواقب وخيمة مع تأكيد القيادات التركية "التصدي لأي قوة تحاول العمل ضد الحل الفيديرالي" مسعود بارزاني. وقد يفتح أي غزو تركي لشمال العراق أبواباً يصعب اغلاقها ويأتي بانعكاسات سلبية على التوازن الاجتماعي في كردستان خصوصاً على الأقلية التركمانية. وتبدي أنقرة تخوفاً من تقسيم العراق ونشوء كيان شيعي خاضع لنفوذ إيران وآخر كردي يكون "القوة الداعمة" للحركة الكردية في تركيا. لذلك يعتقد مراقبون أن أنقرة قد تسعى الى استباق ذلك بالعمل على انشاء كيان تركماني في إعادة لتجربة احتلالها الشطر الشمالي من جزيرة قبرص عام 1974، وهي تجربة لا تزال تركيا حائرة في طريقة حلها. والسؤال الذي يطرح نفسه هو حول دور اسرائيل في دفع تركيا الى غزو العراق. اذ لا يفوت المراقب دور الدولة العبرية في ذلك، ولعل ضغط يهود أميركا على الادارة الأميركية لدعم تركيا اقتصادياً خير دليل على ذلك، إذ ناشدت المنظمات اليهودية الاميركية الرئيس جورج بوش "بذل المزيد من المساعي لمساعدة تركيا اقتصادياً ومالياً وسياسياً" في رسالة بعثت بها تسع منظمات يهودية رئيسة منها اللجنة اليهودية الاميركية والمؤتمر اليهودي الاميركي، وتطرقت الى "أهمية تركيا كدولة إسلامية علمانية وقفت دائماً الى جانب اميركا منذ أكثر من 50 عاماً". ولا يقتصر دور اسرائيل في الوقوف الى جانب تركيا على المنظمات اليهودية الأميركية، بل تجسد في سعي رئيس الأركان الاسرائيلي موشي يعالون لدى زيارته لأنقرة "الى إقناع نظيره التركي الجنرال حلمي أوزكوك ووزير الدفاع وجدي غونول بتسهيل التنسيق العسكري والاستخباراتي الاسرائيلي - الأميركي في حال بدء العمليات البرية في شمال العراق". كما طرح الجانب الاسرائيلي "موضوع مكافحة الارهاب والتعاون ضد الجماعات الاسلامية الارهابية في شمال العراق والانفصاليين الاكراد"، مشيراً الى "خبرة" الدولة العبرية في هذا المجال، ومذكراً بالتعاون السابق بين انقرة وتل أبيب ضد حزب العمال الكردستاني "الحياة" - 25/12/2002. * كاتب كردي.