نادراً ما تخرج المجموعات الشعرية التي يصدرها الشعراء اليمنيون الجدد في صنعاء وعدن الى العالم العربي، ما يجعلهم في حال من العزلة. علماً أن أعمالهم تنتمي الى الحركة الجديدة التي يشهدها الشعر العربي المعاصر. هنا قراءة في 6 مجموعات صدرت في اليمن. في بعض الكتب الشعرية الصادرة حديثاً في اليمن، وهي تطرح اختبار الشكل وزمنيته، وتحديداً من الشعر اليمني الجديد، نقرأ النسيان الذي تحاول فيه أصوات شابة أن تكتشف فيه أسماءها، بحيث لا يعود النص الى وراثة نفسه، بل تعود الكتابة الى لحظة التشكل، غير آبهة إلا بالنسيان، النسيان الشعري، الذي هو علامة لا يضيع الشعر من بعدها. اكتشاف النسيان، هذا، هو الذي يضع الخط الفاصل بين الأب والابن الضال، وما لم يكن مكتوباً في الوصية يصبح اختياراً ذاتياً يستعيد به الابن موجوديته. بعض من الأصوات الشعرية، في الشعر اليمني الجديد، وإن كانت لا تختصر المشهد، وهذا ما لا تريده، في الأساس، فهي تختزن إمكاناً على الاشارة والتسمية، وبأن ما أعتقد بأنه أُقفل عليه باب الاجتهاد، ولِد للتو محمَّلاً بالأسئلة. هذه هي جدلية النسيان الشعري. يتحدد النسيان الشعري، للمفارقة، بالشعرية ذاتها. فهي التحويل الخاص الذي يجعل الموضوع ذاتاً، والصورة اكتشافاً، والمعرفة حدساً. البلاغة، مثلاً، نسيانٌ للمعطى الخارجي، تستدين منه ثم لا تعود إليه. كتب شعرية ستة، أو لنقل أصواتاً، لما تحمله من أسلوبية ونسيان، تحويل ومبادلة، صدرت في أوقات متقاربة تعطي صورة عن الحدث الشعري اليمني الجديد وإن كانت لا تختصره بالكامل: "الصيرورة /شجرة تحمل فؤوساً" لعمار النجار، صدر عن مركز عبادي للدراسات والنشر - صنعاء 2002. و"حياة بلا باب" لأحمد السلامي، صدر عن الدار السابقة أيضاً 2002، و"الشباك تهتزالعنكبوت يبتهج" لمحمد محمد اللوزي، إصدار خاص، صنعاء، 2002. و"الألم أناقتي" لمحمد القعود، صدر عن الهيئة العامة للكتاب، صنعاء 2001. و"على شفاه الوقت" لجميل مفرّح، صدر عن الهيئة العامة للكتاب، صنعاء 2001. و"ترميمات" لعلي المقري، الصادر عن الهيئة العامة للكتاب، صنعاء، 1999. وان كانت هناك مدة ما تفصل بين هذه التجارب، لجهة الجيل الأدبي، ألا أن ما يؤخذ في الاعتبار هو المزاج الشعري الذي وحَّد تلك التجارب في سعيها الى النسيان، الإضافة والوجود. فكيف إذا كانت التجارب تلك متقاربة، الى حد كبير، في الجيل الأدبي؟ والجدير ذكره أن مفهوم الجيل، في الأدب، لا يمتلك دلالته الكاملة إلا عندما يمرّ بالتحول الجذري القاطع. عدا ذلك يكون "الجيل" إشارة مرور مجازية موقتة، الى مناخ كامل. منذ البداية، يشير محمد اللوزي إلى حال "العصيان" أو "التأفف" من مشهدية الاعترافات الرسمية بالشعر، فيقول عن نفسه: "لم يشارك في أي مهرجان محلي أو عربي أو دولي"، وأن الشاعر لم "يحصل على أي جائزة أدبية". أي أنه يبدأ من نقطة صفر متمردة، غير عابئة بقبول الآخر لها، وهذا يعكس موقفاً شعرياً، أيضاً، في الوقت الذي يعكس موقفاً شخصياً. كذلك الإهداء الذي لم يكن سوى مجموعة نقاط، ومثلها المقدمة التي جاءت مجموعة لا متناهية من النقاط وحروف الترقيم. هذا الممر المشاكس، العاصي والرافض، يترك أثره في القراءة، لأنه ذو طابع استباقي، يهيىء لقبول نسيان، بل لتدمير وتجاوز، ويجعل من حال الاستعداد قبولاً لهذا الوافد، وإمراراً له، من دون كثير من التناقض الطبيعي الذي يحصل، عادة، في التواصل، بين الكتابة والقراءة، أو بين شعرية الشاعر وشروط القارئ التي لا تنتهي. هذا العصيان ليس مجرد موقف من علاقات الشعر، بل يتخذ شكلاً أخلاقياً ساخطاً: "في الحفلة التنكرية التي ستقام غداً/ لم يعد ثمة أقنعة نلبسها/ وسيلبس كل منا وجهه". ان تكون البديهية قائمة على تدمير معنى الهوية، التي صار معناها العكس، أي القناع كما حدّده، فهذا ممر لخلق انطباع بتوتر العلاقة الحاد بين الشاعر وقطاع الآخر، هذا التوتر من شأنه أن يعيد ترتيب مشهدية العالم المحيط، كما أنه يتكتم على إحساس ما بالفقدان: "انني مهمل من كل الكائنات/ مهمل كمفتاح على طاولة". على رغم جماليات التشبيه الذي أجراه لتوضيح حال الإهمال، المجازي ربما، في صورة المفتاح المهمل على الطاولة، فإن عنصر الشبه ليس هو المقصود، لأن كل الأشياء يمكن أن تتعرض للتجاهل والإهمال. لهذا فإن قوة المدلول تكمن في المشبّه به، ألا وهو المفتاح، هذا الذي يحمل مغزى الفاعلية، المقدرة والولوج، الافتتاح والمباشرة. مهمل كمفتاح تساوي نداء عاجلاً الى من يهمه الأمر بأن هناك إمكانات فاتحة قادرة، وكذلك إمكانات ذات طابع فرويدي، لما يدل اليه فيزياء المفتاح، لم ينتبه اليها أحد. وهي وإن كانت تعب المتمرد من تمرده، فهي ذات إطار نفسي، تشبه طقوس التعبير عن الذات والنوع، في المجتمعات الجماعية، حيث يغدو الرقص والركض فعلا جذب. النسيان الفجيعة النسيان، هنا، لم يأت محمّلاً بقوة الأنا كما درج في الأنا الستينية المتعالية، الراغبة بالتغيير، والحالمة بمقدرة هائلة على الفعل وتوزيع الأدوار، بل جاءت في الاطار المسالم الهادئ، الذي ورث الفجيعة التي لحقت بقوة الأنا السالفة، فلم يقع في ما جرَّبته، ولم يمد ريشته الى محبرتها، وها هو يقرأ العالم الخارجي ضمن نظام حسابي مختلف، يحول البديهية الى سؤال، والمسمى الى مجهول: "يحسب الأعمى/ أن كل ما حوله جدران/ ويحسب المبصر/ أن كل ما حوله فراغ/ وحين يمشيان/ يصطدم المبصر بالجدران/ ويتعثر الأعمى بالفراغ". إذا عدنا الى مسألة القناع الوجه الذي سيرتديه الجميع في الحفلة التنكرية، نعثر على منشأ نظري الى هذه الاشارة، إضافة الى دلالتها الاجتماعية الساخطة، حيث نسبية المعايير وجزئيتها، وهذا أحد أسباب نسيان الأنا المتعالية التي تكونت في إطار لا تاريخي، يعتمد الفرضية بمركزية الأنا في الكون، ويرث هذه المقولة التي تعرضت للاهتزاز منذ القرن السادس عشر الميلادي. ولكن هذا التعالي في الأنا عاود الظهور مع نهاية الحرب العالمية الثانية وسقوط الرهان على النموذج الصناعي، أو النموذج الغربي، في إطار من ولادة الدولة، الذي عزز بدوره، في الثقافة العربية المعاصرة، الشعرية تحديداً، مركزية الأنا. في بعض التجارب الأدبية التي ظهرت مع بداية الثمانينات، شككت الأنا بذلك المحور الذي أُطّرت فيه، وتجربة اللوزي من إحداها، الآن، في نثر معمول على أساس من المنطوق الذي يفرد للسطر الواحد مساحة روي تمكن، الى حد كبير، من انتهاء المعنى والتدفق اللاشعوري، مع نهاية النطق. وهذا شكل ما من المعيارية التي تساهم في "انضباط تكتيكي" موقت، ريثما يكتشف الصوت الشعري نسيانه الكامل، المعرّف والمسمّى. التشديد على الدور الذي لعبه التصوف الاسلامي في الرؤى الشعرية الجديدة، مجلة شعر وما تلاها، ساهم في النسيان الشعري المعاصر الذي ابتدأ مع نهايات الخمسينات، من القرن الماضي، ولما كانت الكتابة تتحدد طبقاً لموازاتها الكاملة مع النموذج الخليلي، أو "نِصْف الخليلي"، لئلا ننسى العلاقة بين الشعر الحر والعمودي، جاء النسيان الشعري الجديد على خلفية تغيير العلاقة مع الأشياء، وأن ما أُخِذ في البداهة، يُرَدّ في السؤال، هذا إضافة الى موضوعة النثر وماحمله شكلها من صدمة، وحده. كانت الإفادة من التصوف لمصلحة الايمان بتعالي الأنا، إذ افادت من نظامه المعرفي اللاتاريخي، فضمنت به تفوقاً سيكولوجياً يسّر كل أحلام التغيير في الشعر. هذه الانتقائية في التعامل مع التصوف لها أسبابها وسياقاتها، التي ما من ضرورة لذكرها الآن، إلا ان هذه الانتقائية أدّت الى ظهور آلية الاخفاء والاظهار: إخفاء المأسوية التي يتكتم عليها الوعي الصوفي، وإظهار تمجيده أحادي الجانب، للمستوى الذاتي. وفي كتاب "الصيرورة/ شجرة تثمر فؤوساً" لعمار النجار، نقرأ شيئاً من تجاوز التمجيد الأحادي الجانب، واستدارة الوعي الصوفي الى المكان المغفل: مأسوية الاحساس الشعري، حيث يتأصل النسيان هنا كبادرة لإهمال الانتقائية، وليصبح تغيير العلاقة بين الأشياء ذا مرجعية شعورية حادة: "ما زالوا يركضون/ في كل اتجاه/ يركضون في الاتجاه الذي جاؤوا منه/ من دون أن يغيروا مجراهم/ انهم يركضون وحسب". أو في قلب الأدوار الذي يجعل من ذات المتكلم بديلاً من الموضوع لتأمين الصورة المغفلة التي ذهبت في الانتقائية: "شجرة سرخسية/ تشمخ عالياً/ كأنما لا شيء/ يستحق/ بالأسفل". وهنا كيف يبدو وعي الوحدة مفتاحاً لإمرار العبث؟ "كان الانسان صخراً/ وسيعود صخراً/ ثم يدركه السرمد/ ثم لا يدركه شيء". حتى ان انعدام الامكان في العثور على معنى ما للآنا يتحول حواراً بين الذات والذات. بين الطبيعي والانساني التداخل بين الطبيعي والانساني ينعكس في تبنٍ أجراه الشاعر للموضوع، فما عادت الصخرة مجرد إشارة الى الانغلاق، القسوة والصمت، بل هي المعنى غير المجازي عن الافتقاد والعزلة: "مرة تدحرجت صخرة كبيرة وسحقت المدينة/ لعلهم حزنوا على الأجساد المسحوقة/ لكن أحداً لا يدري أن الدم الذي يلطخ الصخرة/ من نزيف جراحها الدفينة". ومن قوة الاحساس بفاعلية الغائب، على حساب فاعلية الحاضر - الذات، فإن القوة الممنوحة للحي نقلت الى الموتى، في جدلية من الحياة والموت، على إيقاع تبديل الأدوار: "على هذا القلب/ تتفتت كل صخور العالم /أما صخرة القلب فلم تتفتت/ إلا على الخيط الواهي/ للابتسامة الشاحبة/ لميت...". هذا، وكل الرؤى المأسوية المشار اليها في كونها نسياناً للأنا الأعلى الشعرية المتعالية، صممت بدائلها الشعرية على أساس الوعي التوحيدي الصوفي الذي أشار إليه الشاعر أكثر من مرة: "من الصفصافة الكبيرة ورقة/ الورقة التي تأكل طرفها دودة/ الدودة التي يقضم ذيلها طائر/ الطائر الذي تلتصق بريشه الجهات/ الجهات العالقة/ بالأبد". مع نظام يرتب الثنائيات تبعاً لمفهوم مبدأ الازاحة: "ما أكثر القش/ في مخيلة الغريق". إن هذا التقابل بين نوعي الأنا - المتعالي والنسبي - ليس من شأنه، وحسب، أن يحدد أسباب النسيان الذاتي الخاص بالشاعر، بل يظهر مدى تأثير السيرورة التاريخية في تجربة الشعر، فلا يعود مقولة استباق للواقع، أو تأطيراً ميتافيزيقياً له، بل جدلية حية، من داخل، وبلا مقولة، بل بالتجربة وحدها. يبقى طول القصيدة مكاناً صالحاً للتفكير بالتنامي الشعري، أو بقوة الفعل الدرامي، في البناء الشعري. والعلاقات اللغوية عندما تنضبط في سياق الفعل ورد الفعل، يصبح من الجائز توالد النص المفتوح، في أكثر من نهاية غير مدبّرة. كلما تقوّى الدافع الدرامي تكون النهاية المنتظرة الوحيدة عالماً من الصور والأفكار والانخطافات التي لا توحي وكأن الشاعر قادها في القسر والارغام. ولأن الحس الدرامي يرتكز إلى المبدأ الثنائي الشهير، فلهذا يخصب واقع الاحتمالات الممكنة في النص. ففي المنظور الحسابي لعلاقة الثنائي الداخلية تكون الظاهرة الناتجة من ثنائيتهما أكبر بكثير من واقع التوحيد أو الاندغام. وحاولت الفلسفة الانتقال من الثنائية الى الوحدة فلم ينجم عن هذا الانتقال الاّ تعزيز الثنائية أكثر فأكثر، وقد انتهى الأمر مع ميشيل فوكو الى عودة الارتكاز الثنائي من خلال "القوة والمعرفة" كبنية تفكير ذات أساس كلاسيكي. الشاعر أحمد السلامي في "حياة بلا باب"، غامر في طول نسبي للقصيدة، وهو اقتراح قد يفيد زيادة الربط الممكنة بين الشاعر وأسلافه. نسيانه، هنا، نسيان لسياق التغير في الكتابة، ممثلة شيئاً من المعارضة لمثيلاتها، سواء في الجيل الأدبي، أو الشخصية الشعرية. الثورة على الثورة لا تحتكر في الاجتماع السياسي، وحسب، بل في الاجتماع الشعري، إن أراد القائل دمج مفاتيح الاجتماعين، بعضهما بالبعض الآخر. الهدوء الظاهري الذي يسم لغة الكتاب ما هو إلا محاولة لتزيين الابن بصفات الأب، ليس لأن الابن - المجازي - تضجر من إبنيته، بل لأن موقفاً أدبياً ما يختبئ في السطور، فتبدو الجملة هادئة، في الوقت الذي تتضمن جدلاً حاسماً: "يسكرون بالضجيج/ لا يبالون بسمعك الرهيف/ يكسرون عاداتك/ وبلا أسف يضحكون/ لا شيء يستحق الحركة/ ولا أحد كذلك". ضجيج الأبناء السعداء باكتشاف إبنيتهم ليس مصدره الحسم النهائي للوراثة وتسيُّد الواقع، بل مصدره ارتباكٌ مفترض، يُجمع عليه الجدد أنفسهم، بأن على المتمرد ألا يخلو بالكامل من مزايا المتمرَّد عليه: "لم أكن أعرف أنني وحيد لهذه الدرجة/ وحيد خيالات أبسطها أن أطير/ وحيد رغبات ألحّها الهدوء/ كل شيء يصرخ في وجهي بصمت/ ينبهني الى العزلة". ضمير المتكلم، هنا، وفي هذا الايقاع السردي، لا يحقق الانطباع بالحميمية وحسب، ولكن فيه نسياناً للنسيان الحالي، حيث كثير من الأنوات الشعرية باتت تتعامل بعنف مع الأنا المتعالية، وتطرح نفسها المتمرد المطلق المناقض، لنراها في كثير من الأحيان في شك من ذاتيتها. الشاعر السلامي يتخذ الموقف المطالب بوراثة المتمرد للمتمرَّد عليه، وإلا ستكون الأنا حقلاً سهل العبور لحركة الآخر: "لا أحد، هنا يشبه نفسه مطالبة علنية بعودة منتصرة للأنا/ كل شيء عاد جديداً /كأن انخداعي بالأشياء يبليها/ السذاجة تصدق الحواس/ وثمة حاسة معطلة استيقظت للتو". مغامرة السلامي في طول القصيدة، جاءت متوازية مع المزج بين أنا التعالي وأنا النسبي، وليس التنامي الذي ينتج من مثل هذه العلاقات إلا الاستجابة العفوية لهذا الصراع. وعندما نتحصل على طول نسبي للقصيدة، لديه، نضمن أن نوعاً من البلاغة تم تجاوزه، في هذه الكتابة. أي أنه يَرِث في مكان، ويثور في مكان. كل شروط الحس الدرامي توافرت، إذاً، وبلا تردد: "الصفر خصمٌ لحياد العبث ونقطة من عرق البداية/ العالم يلعب شوطاً طويل اليأس/ والحجرة ضيقة/ على رغم أنها بلا جدران". لكن نسيان البلاغة لا يلبث أن يستحضر المنسي نفسه، ليأخذ الكل صفات الكل، في مثل صورة أخّاذة كتلك: "منشار الفجر يقترب". كل احتمالات تفعيل دور الصراع، الكامن والظاهر، يوفرها السلامي، ومجرد تعزيز الصراع، كمرجع تقني للمعنى، يؤكد نسيان النسيان الذي يعمل عليه. فثروة الأب تُنفق بلا طائل، والأبناء يضيعون الوقت: "أريد الصمت الذي في نومهم/ ينامون/ وحبال أصواتهم تتلوى خارج الغرف". الحس الدرامي، ذاك، يعبر عنه في أكثر من مصدر، عادة، في الشعر، صراع الخير والشر، البطولة والهزيمة، المرئي واللامرئي، وكل الثنائيات التي تتكفل النقض في ما بينها. ولكن هناك أشكالاً أكثر بساطة وأكثر حميمية تنقل هذا الحس الدرامي الى واجهة الاجتماع، والهدف هو هو، نسيانٌ للعلاقة، منتهياً الى نوع من الحلول والتسويات التي تكفل التوازن الموقت. إذا كان طول القصيدة مكاناً صالحاً للبحث في الحس الدرامي، فإن التكثيف والاختصار ينطويان على أكثر من دلالة. فهما ممكنا الحضور في القصيدة الطويلة، أيضاً، لأن التكثيف، في النهاية، مسألة نوعية أكثر مما هو مسألة كمّية. لكن القصيدة القصيرة تزيد من "خطورة" الأثر الناجم عن تجاهل التكثيف، ففيها ينكشف الصوغ غير المكثف بسرعة وعنف، ما يترك انطباعاً بأن خللاً ما يتوزع هنا وهناك. ويتخذ التكثيف مسافة واحدة من كل الأطراف، فالكل يجب أن يستخدمه وينجح في صوغه. التكثيف، كاللغة، مادة الكتابة. يتبع جزء ثانٍ وأخير