مرت علينا سنون صعبة في الماضي، ولم أفكر يوماً في الهجرة من البلاد العربية. عشت الاجتياح الإسرائيلي، عام 1982، ولم أفكر في الهجرة. رأيت الفارين من مجزرة صبرا وشاتيلا، وتحسست رقبتي، ولم أفكر في الهجرة. حوصرت في أحد مخيمات بيروت، في رمضان 1985، ولم أفكر في الهجرة. فتحت السويد أبوابها للفلسطينيين، عائلات ووحداناً، ومثلها الدنمارك، ولم أفكر في الهجرة. عاصرت الانتفاضة وأوسلو وانتفاضة الأقصى، ولم أفكر في الهجرة. حرم الفلسطينيون في لبنان من 72 مهنة ولم أفكر في الهجرة. فرضت علينا "فيزا" الخروج والعودة، ومنعنا من حق التملك، ولم أفكر في الهجرة. تابعت أخبار المحاكمات في بلجيكا ضد شارون، وسررت كثيراً، ولم أفكر في الهجرة. تحرك العالم كله، في البرد، وانتصر للعلاقة الانسانية على ضرب العراق، ولم يتحرك العرب لدعم أشقائهم، على رغم الدفء، فقررت الهجرة. الى أين؟ الى أي بلد تحركت فيه التظاهرات المليونية تنديداً بضرب العراق. "فلفشت" الصحيفة لأتأكد من الأرقام: ثلاثة ملايين في روما، مليونان في لندن، مليونان في مدريد، مليون ونصف مليون في برشلونة، نصف مليون في نيويورك، وملايين في ألمانيا وفرنسا وأستراليا، وأنحاء أوروبا الأخرى. وقدمت طلباً الى إحدى السفارات الأوروبية. وتذكرت ما كنا نكتبه على الأوراق الثورية في الفاكهاني في ختام الرسائل: "وإنها لثورة حتى النصر". ولم أتمالك أصابعي فكتبت على ورقة أخرى: عاشت أوروبا، حرة عربية مستقلة! ولا نامت أعين غير الأحرار. بيروت - ياسر عزام فلسطيني مقيم [email protected]