يبدو ان تداول مفردات انكليزية بين الشباب السوري والجامعي تحديداً اصبح الآن موضة كالثرثرة في الجوالات او حلاقة "الزيرو"، حتى ان البعض قد لا يعرف اكثر من خمس كلمات انكليزية لكنه يرددها خمسين مرة يومياً، فهل ذلك يشير الى اهتمام هؤلاء الشباب باتقان لغة العلم الحديث والتكنولوجيا والانترنت والبنوك؟ ام انهم يعانون بالفعل من شبه أمّية في اتقانهم للغات الاجنبية؟ يشير د. سمير حسن عميد كلية الآداب والعلوم الانسانية الى قرار صدر بداية العام الدراسي الحالي يقضي بترجمة احد المقررات في السنوات ما بعد الاولى الى الانكليزية وتدريسه فيها، ويتابع: "تشهد الجامعة الآن عملية تجديد كبيرة في تدريس اللغات الاجنبية، وخصوصاً الانكليزية لناحية تجديد المناهج ومسايرة تطور اللغة والاعتماد على اساتذة متخصصين، وفي الآونة الاخيرة وقعت اتفاقات لتبادل الطلاب والمهارات مع جامعات ومعاهد بريطانية وفرنسية". ويضيف: "الجميع مسؤولون عن ذلك بدءاً من الاستاذ مروراً بمتطلبات العملية التعليمية وانتهاء بالطالب". أمين غنوم طالب هندسة كهربائية يؤكد ذلك ويعتبر ان اتقانه لقواعد الانكليزية يتراجع كلما تقدم في الجامعة، يقول: "قبل امتحان اللغة بيوم او يومين نجمع النصوص القليلة المطلوبة وندرسها وبعد الامتحان بقليل ننساها، بينما يحتاج تعلم اللغة الى متابعة دائمة". ويضيف: "قرار تدريس مادة من مواد السنة الدراسية بالانكليزية كان مجحفاً بحق الطالب متوسط المستوى الذي فقد امكان المتابعة كما تعذر عليه فهم المادة ذاتها". ويرى أمين "ان هذا القرار ولد ميتاً، وإكرام الميت دفنه". ويبدو ان ريما علواني طب بشري تشاركه الرأي: "عندما كنا نتعلم الانكليزية بطريقة التلقين وعبر بضع محاضرات في السنة كنا على حافة الهاوية، وبصدور مثل هذا القرار خطونا الى الأمام خطوة...". ويتهم الدكتور نافذ شماس رئىس قسم اللغة الانكليزية الطلاب بأنهم "لا يرون سوى نصف الكأس الفارغة، فمستوى اتقان خريجي القسم الانكليزية فوق الممتاز وخلال الاشهر الاربعة الماضية فقط ارسلنا عشرة معيدين للتخصص في الجامعات البريطانية، كما خصص حوالى خمسة ملايين دولار لتوسيع القسم واستيعاب الاعداد المتزايدة من الطلاب وليكون لكل استاذ مكتب وحاسب". ويصر د. شماس على ان "الساعات الاربع المخصصة لحلقات البحث اسبوعياً كفيلة بتقوية مهارات المحادثة لجميع طلاب القسم". وتشبه ندى دعبول دبلوم أدب معاصر ما يتخذ من قرارات واجراءات تطوير في القسم بهمزة الوصل التي تكتب ولا تلفظ وتقول: "الى الآن لم تحل مشكلة الاعداد الكبيرة المتوافدة الى القسم، فهناك اكثر من ألفي طالب في السنة الاولى وحدها حيث لا يتسع اكبر مدرجات الجامعة لأكثر من ربعهم، ومعظم المحاضرات تعطى في "الهنغارات" مع غياب ابسط وسائل الشرح كالميكروفون، والورقة الامتحانية هي صلة الوصل الوحيدة واليتيمة بين الطالب والأستاذ طوال العام، كما ان عدم المطالبة بالحضور يدفع بالكثيرين لشراء المحاضرات من خارج الجامعة، ومنهم من لا يدخل الجامعة إلا لتقديم الامتحان". وتضيف: "حتى القسم العملي الضئيل من الدراسة والمتمثل بحلقات البحث والاسبوع الثقافي اصبح تحت طائلة الإلغاء". ويبدو ان لملك عاتكة خريجة الأدب الانكليزي والموظفة حديثاً في قسم خدمة الزبائن في المركز الثقافي البريطاني رأياً مماثلاً تقول: "الآن فقط عرفت لماذا يطلبون في مثل هذه المراكز كل هذه الدولارات، ذلك انهم يعتمدون صفوفاً منهجية ومختبرات لغوية وأساتذة بريطانيين او اميركيين. وهذا كله لم اكن اجده في الجامعة التي تصبح "كتّاباً" اذا قورنت بمثل هذه المراكز". لكن لماذا يُقبِل الشباب السوري الآن بتزايد مطرد على تعلم الانكليزية؟ أصبحت الانكليزية مسألة حياة أو موت في رأي مندوب المبيعات محمد السقال الذي يضيف: "ولعي بالانترنت والأفلام الاميركية دفعاني لاتقان الانكليزية ومن ثم استطعت الحصول على وظيفة جيدة بفضل ذلك". ويؤيد محمد رأيه بأن 90 في المئة من الوظائف المحترمة المطلوبة في نشرة "الدليل" تشترط اتقان الانكليزية. ويبدو ان بعض الشباب ما زال يرى في الغرب فردوسه المفقود كشادي الخوري الذي يحلم بالسفر لاكمال دراسته الجامعية هناك، "فمعظم دراسات ما بعد المرحلة الجامعية في الخارج بالانكليزية"، ويضيف: "حتى السفر للعمل في الخليج العربي الآن يتطلب اتقان الانكليزية التي اصبحت مفتاح الصناعة والاقتصاد والتقنية المتقدمة هناك". بينما لا يرى ماهر عيد طب بيطري ان مهنته تتطلب منه اتقان الانكليزية التي يعتبرها ترفاً فكرياً او مسايرة للموضة. لا شك في ان هناك اسباباً اخرى تدفع بهؤلاء الشباب الى تعلم الانكليزية لكن ما هي طرقهم على اختلاف فئاتهم في ذلك؟ د. وائل بركات مدير معهد تعليم اللغات في جامعة دمشق يعتقد ان غالبية الشباب السوري المهتم بتعلم الانكليزية تلجأ الى اتباع دورات تقوية في معاهد حكومية او اهلية مرخصة ورخيصة وذات طرق وامكانات تعليمية مقبولة. أما فادي المصري فيرى ان "بعض الشباب الأغرار يعتقدون ان تعلم الانكليزية بسيط بساطة اقتناء كتيب عنوانه "تعلم الانكليزية في خمسة ايام" وثمنه اقل من دولار، فيما يحتاج اتقان الانكليزية في بعض المدارس كالأميركية او المجلس الثقافي البريطاني الى اكثر من خمسة شهور ببرنامج مكثف وأكثر من ألف وخمسمئة دولار، ويبدو ان فادي وجد طريقته الخاصة في اتقان الانكليزية: "بما ان الجامعة لا تعير تعليم الانكليزية الاهتمام المطلوب وبما ان اقساط المعاهد تكسر ظهر الفقراء امثالي فقد بدأت منذ فترة بمتابعة الاغاني والأفلام المترجمة، إضافة الى بعض البرامج التعليمية ذات الصلة والنزول الى اماكن ازدحام السياح ومبادلتهم الحديث". بينما تعتقد جيهان علي انه من الصعب جداً تعلم الانكليزية بطرق التلقين التقليدية المتبعة في الجامعات والمعاهد وتقول: "لذا سافرت العام الماضي الى بريطانيا وعشت مع عائلة هناك ستة شهور ما مكنني من التحدث بالانكليزية تماماً كالناطقين بها".