شهدت أسواق الأسهم الرئيسية في العالم تقلبات شديدة في الأسعار خلال فترة ال12 شهراً الماضية، وتراجع كل من مؤشر "ناسداك" و"ستاندرد آند بورز" لسوق الأسهم الأميركية إلى المستويات التي كانا عليها عام 1997، بخسارة في القيمة السوقية تُقدر بنحو 7000 بليون دولار. وتراجع مؤشر "داو جونز" للشركات الصناعية الأميركية منذ بداية السنة حتى الآن في حدود 17 في المئة، وانخفض مؤشر "ستاندرد آند بورز" بنسبة 22 في المئة خلال هذه الفترة ومؤشر "ناسداك" لشركات التكنولوجيا بنسبة 34 في المئة. أما أسواق الأسهم الأوروبية فكان أداؤها منذ أول السنة حتى الآن أسوأ. وإذا ما أغلقت سوق الأسهم الأميركية عام 2002 عند مستويات أدنى مما كانت عليه في بداية السنة ستكون هذه المرة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية التي تهبط فيها هذه السوق لثلاثة اعوام متعاقبة. إن التراجع الكبير الذي سجل في أسعار الأسهم الأميركية يعود إلى أسباب اقتصادية وسياسية عدة أهمها تأثير أحداث 11 ايلول سبتمبر، والفضائح المحاسبية للشركات الأميركية المدرجة وضعف النمو الاقتصادي، إذ سجل اجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة نمواً ضعيفاً في الربع الثاني من السنة في حدود 1.1 في المئة مقارنة مع الربع الأول الذي كان في حدود 5 في المئة، ويعود معظم هذا النمو إلى تنامي انفاق الحكومة الفيديرالية على الدفاع. وأدت الفضائح المحاسبية وعمليات الاحتيال في شركات كبرى مثل "وورلدكوم" و"إنرون" و"تايكو" و"إندرسون" وغيرها من الشركات إلى تعاظم المخاوف من تراجع الأرباح السنة الجارية. وجاء في مجلة "بيزنس ويك" عدد 29 تموز ايلول 2002، أنه لو قامت الشركات الأميركية الكبرى التي يشملها مؤشر "ستاندرد آند بورز" بإدخال قيمة الأسهم، التي منحتها لموظفيها كخيارات شراء Stock Options، في مصاريفها لكان معدل عائداتها لعام 2001 أدنى بنسبة 24 في المئة، كما ستتراجع عائداتها المقدرة لهذه السنة بحدود 17 في المئة. إن معدل نسبة السعر إلى العائد حالياً لمؤشر "ستاندرد آند بورز" هي في حدود 21 بالمقارنة مع نسبة 15 تاريخياً، وسجل النصف الأول من السنة إعادة توزيع للمحافظ الاستثمارية الدولية إذ قام المستثمرون الأجانب، الذين وصلت قيمة استثماراتهم في سوق الأسهم الأميركية إلى نحو 1700 بليون دولار في الربع الأول من السنة، بخفض هذه الاستثمارات بنسبة 25 في المئة في الربع الثاني، ويبدو أنه تم الحفاظ على هذا الاتجاه في الربع الثالث من السنة أيضاً. لا أحد يعرف متى ستنتهي دورة تراجع أسعار الأسهم هذه، ومنذ عام 1938 لم يسجل مؤشر "ستاندرد آند بورز" لأكبر 500 شركة أميركية خسارة في أي فترة عشر سنوات متداخلة مثلاً من 1931 - 1941 ومن 1932 - 1942 إلخ، كما أن السوق شهدت خسارة في ثلاث مرات فقط لفترة خمس سنوات متداخلة. لا شك أن السياسات المالية والنقدية التوسعية التي تتبعها حكومة الولاياتالمتحدة ستساعد على الخروج من دورة الهبوط هذه، فأسعار الفائدة قصيرة الأجل هي في أدنى مستوياتها منذ 40 عاماً ولا يتوقع لها أن ترتفع في المستقبل المنظور، كما أن معدلات التضخم لا تتعدى واحد في المئة بسبب الزيادة في مخصصات الدفاع وتقليص في معدلات الضرائب كما أن الشركات الأميركية استطاعت أن ترفع من معدلات الإنتاجية لديها. وتقول مؤسسة Ibbotson Associates انه خلال الدورات الخمس الماضية التي هبطت فيها أسعار الأسهم الأميركية سجل كل من مؤشري "داو جونز" و"ستاندرد آند بورز" هبوطاً من أعلى مستوى لهما في حدود 20 في المئة و30 في المئة على التوالي. غير أن التراجع الحاصل حتى الآن في دورة هبوط الأسعار الحالية تخطى تلك المستويات إذ خسر "داو جونز" نسبة 25 في المئة ومؤشر "ستاندرد آند بورز" 35 في المئة من أعلى قيمة وصلاها قبل ابتداء دورة الهبوط الأخيرة. كيف يمكن للمستثمرين التعامل مع الاضطراب في أسواق الأسهم الدولية؟ الجواب يمكن تلخيصه في كلمة واحدة هي التنويع. إن اختيار محفظة استثمارية ذات موجودات متنوعة من أهم القرارات التي يتخذها المستثمر في حياته. وباستطاعة مستشار مالي جيد أن يقدم النصح لبناء استراتيجية استثمار مبسطة لتنويع الموجودات تساعد على الحد من الخسائر إذا ما تراجعت الأسواق وتؤمن العائدات المطلوبة للمستثمر. وتظهر الاحصاءات أن الاستثمار في الأسهم يعطي أفضل العائدات، لكن نسبة المخاطر خلال فترة زمنية محددة تكون أعلى بسبب التقلبات التي تتعرض لها أسعار الأسهم. في المقابل فإن الودائع المصرفية وهي أقل منافذ الاستثمار خطورة يكون العائد عليها متدنياً، أما السندات فتقع بين الاثنين. غير أن مخاطر الأسهم على المدى المتوسط والبعيد تتراجع لتتساوى مع مخاطر الودائع المصرفية والسندات في حين تبقى عائدات الأسهم أعلى بكثير. يا حبذا لو استطاع المستثمر اسالة استثماراته في سوق الأسهم قبل أن تبدأ الأسعار بالهبوط والدخول إلى السوق عند بداية دورة ارتفاع جديدة، غير أن مثل هذا التوقيت للدخول والخروج من سوق الأسهم من الصعب جداً تحديده حتى من قبل المستثمر المحترف. إن درجة تقبل المستثمر للمخاطر هي التي تحدد مكونات محفظته الاستثمارية، فإذا كان المستثمر محافظاً في نظرته ولا يستطيع النوم في الليل لشدة تقلبات أسواق الأسهم، فمن الأفضل له أن يبقى خارج سوق الأسهم. كما أن الشخص الذي يوفر ليتمكن من دفع أقساط الجامعات لأولاده، أو ليدفع عربوناً من ثمن منزل سيشتريه بعد سنتين أو ثلاث، فعليه أن يركز استثماراته على السندات. وزاد اهتمام المستثمرين اخيراً بالصناديق ذات رأس المال المضمون باعتبار أن أي مجال للاستثمار يضمن رأس المال بالإضافة إلى تحقيق عائد صغير عليه، فهو بالتالي استثمار جيد خصوصاً عندما تكون الأسواق الدولية متقلبة كما هي عليه الحال الآن. لكن يجب أن نتذكر أنه لا توجد ضمانات في الاستثمار، وأن المخاطر القليلة تعني بالضرورة العائد القليل، كذلك فإن الحماية من تقلبات السوق مكلفة، وغالباً ما ُيطلب من المستثمر أن يربط استثماراته لفترة زمنية قد تمتد من ثلاث إلى عشر سنوات لا ُيسمح له فيها بإسالة هذه الاستثمارات من دون تكبد بعض الخسائر. غير أنه إذا قبل المستثمر ربط أمواله لفترة زمنية طويلة كهذه فمن الأفضل له أن يكون استثماره في محفظة من الأسهم والسندات لأن العائد عليه سيكون بالضرورة أفضل وبنسبة مخاطر مقبولة. وهناك معادلة سهلة لتخصيص الموجودات وهي كما يلي: إذا كنت في العشرينات من العمر احتفظ بمبلغ نقدي للطوارئ يعادل مصروف بضعة شهور، ثم ضع كل ما تبقى في محفظة أسهم متنوعة. وإذا كنت في الثلاثينات فمن الأجدى لك وضع 90 في المئة من استثماراتك في الأسهم و10 في المئة في السندات، وأما في الأربعينات فتصبح النسبة 75 في المئة للأسهم و25 في المئة للسندات، وفي الخمسينات تتحول النسبة إلى 60 في المئة أسهم و40 في المئة سندات. وفي سن التقاعد عن العمل عندما يصبح الإنسان معتمداً أكثر على دخله من الاستثمار عندها يجب أن تكون محفظته الاستثمارية في أغلبها سندات 50 في المئة وودائع مصرفية 40في المئة مع نسبة لا تزيد على 10 في المئة مستثمرة في الأسهم. ويجب تقويم المحافظ الاستثمارية بحسب الأسعار الحالية للسندات والأسهم التي تشملها هذه المحافظ وبغض النظر عن المستويات السابقة التي وصلت إليها الأسعار. ولا بد للمستثمر أن ينسى كم كانت قيمة أسهمه عندما كانت الأسعار مرتفعة. وأظهرت الدراسات المتخصصة في السلوك الاستثماري أن المستثمر غالباً ما يحتفظ بالأسهم الخاسرة ويبيع الرابحة منها، لكي لا يلوم نفسه مستقبلاً بأنه ارتكب خطأً. ويميل المستثمر إلى الاحتفاظ بالأسهم الخاسرة على أمل أن تتحسن أسعارها غير أنه عندما تبدأ الأسعار بالارتفاع يسيل محفظته حتى قبل استعادة المستويات السابقة التي كانت عليها هذه المحفظة عند شراء الأسهم. وحققت أسواق الأسهم العربية أداءً جيداً السنة الجارية بالمقارنة مع أسواق الأسهم الدولية، كما أن ثبات سعر صرف الدينار الأردني وأسعار صرف العملات الخليجية بالنسبة للدولار أقنع المستثمرين بتوجيه جزء أكبر من استثماراتهم الى أسواق رأس المال المحلية والإقليمية. وعلى سبيل المثال ارتفع مؤشر سوق الأسهم الأردنية منذ بداية السنة حتى الآن بنسبة واحد في المئة إضافة إلى زيادة ال30 في المئة التي تحققت عام 2001. كذلك ارتفع مؤشر سوق الأسهم الكويتية 21 في المئة حتى الآن بالإضافة إلى زيادة وصلت إلى 28 في المئة العام الماضي. وسجل مؤشر سوق الأسهم السعودية ارتفاعاً في حدود 9 في المئة منذ بداية السنة حتى الآن بعد ارتفاع 8 في المئة العام الماضي. وكانت سوق قطر الأفضل بين أسواق الأسهم العربية بارتفاع بلغ 38 في المئة منذ مطلع السنة إضافة إلى 37 في المئة العام الماضي. وقد يكون من أحد أسباب تحسن أسواق الأسهم الخليجية عودة جزء من رؤوس الأموال المستثمرة في الخارج بالإضافة إلى ارتفاع اسعار النفط وتراجع أسعار الفائدة المحلية إلى أدنى مستوياتها منذ أعوام. غير أن أسواق الأسهم في دول المنطقة لا يزال ينقصها العمق والتنوع، كما أن محدودية سيولة هذه الأسواق تعرضها لتقلبات شديدة في الأسعار كالذي شهدناه في الأيام العشرة الأخيرة. ولا شك إذاً أن أسواق الأسهم الدولية ستستمر في اجتذاب الجزء الأكبر من فوائض المنطقة المالية. وفي حين أن أسواق الأسهم والسندات المحلية توفر مجالاً للتنويع غير أنه ليست لها القدرة لاستيعاب سوى جزء صغير من الأموال العربية المستثمرة في الخارج والمقدرة في حدود 1300 بليون دولار، في حين أن إجمالي القيمة السوقية لأسواق الأسهم العربية لا يزيد على 170 بليون دولار. وإذا كان المستثمر لا يملك الوقت أو المعرفة أو ليست لديه مصادر معلومات عن الشركات المدرجة في أسواق الأسهم، أو إذا كان استثماره صغيراً نسبياً، فعليه في هذه الحالة أن يستفيد من وجود صناديق استثمار مشتركة توفر للمستثمر اقتصادات الحجم وتنويع المخاطر والإدارة المتخصصة. ويعتمد اختيار صندوق الاستثمار هذا على مدى نجاحه في السابق في تحقيق عائد جيد والمجالات الاستثمارية التي يتخصص في أدائها. * الرئيس التنفيذي جوردانفست.