انطلقت زحمة الزوار في لبنان، مع بدء شهر التسوق والسياحة الذي يمتد، كما في كل عام، طوال شهر شباط فبراير الجاري، حاملاً للسياح الذين يأتون من مختلف أنحاء العالم العربي، ومن دول أوروبية وآسيوية كثيرة، فرص التمتع بدفء البحر الأبيض المتوسط. ويتميز لبنان، ومهرجانه السنوي، عن بقية الربوع العربية التي تطرح فكرة مهرجانات التسوق، بجمال ربوعه الجبلية الشاهقة المكللة بالثلوج حيث يستطيع عشاق السياحة الشتوية ممارسة رياضات التزلج والانزلاق على الثلج. وفوق كل ذلك يقدم لبنان أيضاً مزايا عدة للتسوق تضاهي أرقى الوجهات الأوروبية والغربية، وبأسعار منافسة لا تُقاوم. الشعار الذي اختاره المنظمون لمهرجان السنة الجارية يحكي كل شيء. "لبنان منوّر" هو عنوان هذا الحدث السنوي الكبير، الذي يختصر فكرة البرامج المعدة للزوار، ويعكس أجواء الاسترخاء والبهجة لليالي الترفيه والسهر المستمرة حتى الفجر طوال شهر التسوق، والذي يتميز مرة أخرى هذه السنة بكثرة المناسبات والفاعليات المنظمة خلاله. "السهر والترفيه والثقافة والتسوق هي فن لبناني بامتياز"، تقول تانيا العاملة في شركة سياحية تستقبل مجموعات سياحية حجزت برامج زيارة خلال شهر التسوق. تضيف: "شهر شباط تحول إلى موعد سنوي للفرحة وبات تقليداً وطنياً يُنظّم كل عام ويحظى بجمهوره الوفي من الزوار العرب والأجانب، بالاضافة طبعاً إلى اللبنانيين الذين يحبون العودة إلى ربوع لبنان خلال هذا الشهر للاستفادة من الحسومات والأسعار المتهاودة التي تميز شباط عن بقية شهور السنة". ويتفاءل المنظمون بأن شهر التسوق سيكون ناجحاً، ويقولون إن لبنان استعاد تألقه السياحي، وبات إحدى أبرز الوجهات السياحية التي استطاعت تحقيق نمو سياحي العام الماضي، في وقت كانت وجهات سياحية أكثر عراقة، تشكو من الكساد ومن التراجع الذي عرفته حركة السفر الوافدة اليها. ويستندون في تفاؤلهم إلى الاحصاءات التي تظهر أن حركة السياحة ارتفعت في شهر التسوق، السنة الماضية إلى ضعفي مثيلها عام 2000. ويشكل الرعايا العرب عادة أكثر من نصف عدد الزوار، يليهم الاوروبيون. وتشير الأيام الأولى إلى أن العرب سيشكلون الغالبية هذه السنة ايضاً، وفق ما تظهره أرقام الحجوزات في الفنادق. وقال أحد المنظمين: "تسجل بعض المهرجانات العربية أرقاماً كبيرة تتجاوز المليونين أحياناً. وهذه كلها أرقام تأخذ في الاعتبار المواطنين والمقيمين، ولا يشكل الزوار الأجانب أو غير المواطنين إلا نسبة محدودة منها". وأضاف: "لبنان وجهة ناجحة سياحياً، لا سيما على صعيد مهرجانات التسوق. وهو يستقطب الزوار من وجهات عدة إقليمية ودولية مثبتاً، مرة تلو المرة، أنه وجهة سياحية ناضجة قادرة على المنافسة إقليمياً ودولياً. والمهرجان الحالي مناسبة لإقامة البرهان على ذلك، ونحن أيضاً سعينا إلى فتح الباب أمام أفراد الجاليات اللينانية المقيمة في الخارج وقدمنا لهم تسهيلات كثيرة للقدوم والاستفادة من العروض المقدمة خلال شهر التسوق". ويقول المنظمون إنهم يتوقعون اقبالاً كبيراً، سيما وأن عيدي الاضحى وعيد الحب "سان فالنتاين" يصادفان في هذا الشهر. وأكدت صحة هذه التوقعات معدلات الحجوزات المرتفعة المسجّلة في الفنادق وعلى متن رحلات شركة الطيران الوطنية "ميدل ايست"، وبقية شركات الطيران التي تطير إلى العاصمة اللبنانية. حركة متصاعدة وكانت جمعية التجار في بيروت تسلمت "دفة" تنظيم المهرجان هذه السنة، بدلاً من وزارة الاقتصاد والتجارة. وأتت هذه الخطوة بمبادرة من الوزير المختص، ليتولى التجار بذلك سد الثغرات والمآخذ التي كانوا يعددونها سنوياً بعد كل "موسم تسوق". واحتفظت وزارة الاقتصاد والتجارة، مع وزارات اخرى، باشرافها في الوقت ذاته على انجاح فاعليات هذا المهرجان الذي صار أحد المعالم السياحية السنوية البارزة في منطقة الشرق الأوسط. ويتميز لبنان بمناخه المعتدل وتنوعه الجغرافي ضمن مسافات تنقل تقع في متناول اليد...والسيارة. فعلى رغم أن شهر التسوق يجري في منتصف فصل الشتاء، إلا أن الأيام المشمسة تبقى زائراً لطيفاً يحل بأشعته الناعسة في لبنان، خلال هذا الشهر. وتسمح الحرارة المعتدلة للباحثين عن الاسترخاء، خلال النهار، بالانزلاق إلى المياه الدافئة لمسابح فنادقهم الفخمة التي ترصع الشاطئ اللبناني أو تنتشر على سفوح الربوع الجبلية، أو بالسباحة في مياه البحر الأبيض المتوسط الذي يحف لبنان بشواطئ رملية ناعمة، تغطي مساحات كثيرة منها مقاهٍ ومطاعم ومسابح ومظلات واقية من الشمس. والشمس الناعسة في لبنان لا تحمل معها فقط متعة السباحة بل هي مناسبة أيضاً لممارسة التزلج ورياضات الثلوج والانزلاق، وهي ميزة يتفرد بها لبنان عن بقية الدول العربية التي تتنافس في تنظيم مهرجانات السياحة والتسوق. وقال العاملون في القطاع الفندقي والسياحي الذي نتحدثت اليهم "الحياة" إن حركة توافد الزوار ستتكثف بدءاً من السادس من شهر شباط، وإن القادمين حجزوا للبقاء حتى الاسبوع الاخير تقريباً، وبينهم كويتيون كثيرون ممن فضلوا الاستفادة من فترات العطل الطويلة التي فرضها أغلب المدارس، وكذلك من دول عربية أخرى، علاوة على حجوزات لافتة من أسواق أوروبية تقليدية يحب مواطنوها القدوم إلى "بلد الأرز". ولا تقتصر النشاطات في هذا الشهر على عملية التسوق التي تشارك فيها مئات المحال التجارية، على امتداد لبنان، بل تتخلله مهرجانات ثقافية ورياضية وحفلات ومعارض تنظمها الاسواق والفنادق. وأعدت "جمعية التجار" موقعاً الكترونياً عنوانه www.lebanonfestival.com يتميز - "خفة دم معديه" وطرافة طريق عرض المعلومات فيه. وهو يحوي عناوين وأفكاراً كثيرة للاستعلام عن البرامج والمواقع الاثرية والفنادق والمطاعم التي قد يرغب الزوار في التوجه اليها. وجهزت الأسواق لاستقبال المتسوقين، بإعلان تنزيلات تتفاوت بين 50 و80 في المئة. وتشهد االمحلات التجارية التي تعرض بضائع تناسب مختلف الموازنات الفردية اقبالاً كبيراً، تختلط فيه جنسيات الزوار مع اللبنانيين الساعين بدورهم الى الاستفادة من العروض والتنزيلات المتاحة. وكانت هذه الحسومات بدأت بعد الاعياد، ثم ارتفعت وتيرتها بالتدريج لتبلغ ذروتها مع انطلاق "شهر التسوق". واعتاد الزوار القادمون الى لبنان الافادة من "الاوكازيون" حسومات التنزيلات، بعدما سمحت وزارة الاقتصاد والتجارة بإعلان التنزيلات من دون تحديد مواعيدها كما كان يحصل في السابق. وتتبع تقاليد التنزيلات في لبنان العادات التجارية المتبعة في فرنسا، حيث يتعين على المحلات التجارية الابلاغ مسبقاً عن مواعيد التنزيلات وظروفها، قبل أن تعطي وزارة الاقتصاد والتجارة موافقتها، وبشرط أن تكون المدة محددة مسبقاً. أما في بريطانيا، التي تتبع لها عادات دول الخليج في تطبيق التنزيلات في المحلات التجارية، فهي لا تربط تقديم عروض الحسومات والتنزيلات بأي شروط مسبقة، ولا بأي قيود، وهو أمر أدركه المسؤولون اللبنانيون الذين غيروا سياساتهم السابقة لتكون متعة التسوق كاملة للسياح القادمين، والخليجيون منهم خصوصاً، سيما وأنهم يأتون بصحبة عائلاتهم، وأن السياحة لا تحلو من دون تسوق يرضي رغبات جميع أفراد الأسرة. "ميدل ايست" وتستعد شركة طيران الشرق الاوسط "ميدل إيست" للموسم بكثير من الحيوية والنشاط، معتبرة أنها شريك أساس في إنجاح هذا الحدث السنوي الذي ينتظره التجار والعاملون في قطاع السياحة والسفر في لبنان، بفارغ الصبر من عام إلى عام، معتبرين أنه الفرصة لاظهار قدراتهم الترويجية والتجارية. وقال مسؤولون في "ميدل ايست" انهم متفائلون بموسم الحجوزات الحالية التي تبدأ اعتباراً من اليوم بلوغ ذروتها. وأشاروا الى أن الشركة زادت معدل الرحلات المنتظمة التي تسيّرها الى الدول العربية لمواجهة الارتفاع الكبير في الطلب، ولا سيما إلى المملكة العربية السعودية والكويت. ولفتوا الى ان الناقلة الوطنية اللبنانية التي تملك تراثاً عريقاً في تقديم خدمات جوية راقية بين الناقلات الجوية في العالم العربي أسهمت، كما في كل سنة، في عملية التسويق في الخارج. وقدمت "ميدل ايست" للسياح والمسافرين القادمين الى لبنان حسومات بنسبة 50 في المئة، فضلاً عن ابراز شعار المهرجان "لبنان منوّر" على كل طائرات أسطولها الذي بات يتميز بأدائه المتقدم وخدمته الراقية، بعد جملة التحسينات والتحديث الذي شمل أغلب مرافق الشركة وخدماتها. أما وزارة السياحة فزادت جهودها لتحسين خدمات استقبال المسافرين، في حين استعدت سلطات الجوازات والهجرة بتسهيل اجراءاتها لتسريع دخول المسافرين، من عشرات الجنسيات التي يمكن لأبنائها الحصول على تأشيراتهم عند وصولهم الى المرافئ الحدودية. ويبدي أصحاب الفنادق، بدورهم، سرورهم بدرجة الاقبال الكثيف التي أخذت تعيشها الربوع اللبنانية منذ أيام، وبدرجة تفوق حركة الاقبال الموسمية المعتادة. ويجمع العاملون في القطاع الفندقي على ان ذروة الحركة ستسجل في الأيام المقبلة مع حلول موعد عيد الاضحى المبارك، وستستمر الى نهاية الشهر. ويأخذ الناشطون في القطاع السياحي اللبناني على القائمين على المهرجان أنه يحتاج إلى قدر أكبر من الترويج، وعدم الاكتفاء بالمكانة التي بات يحتلها لبنان في قلوب زواره، وفي الأسواق السياحية الخارجية. وبين مطالبهم "ضرورة اطلاق حملات التسويق قبل اربعة اشهر في اقل تقدير، وليس قبل اسابيع قليلة"، كما قالت مديرة المبيعات والتسويق في فندق "بريستول" فيفيان سركيس، معتبرة ان "التأخير في عملية التسويق يمنع استفادة قطاع السياحة والسفر في لبنان بشكل كامل من الديناميكية التي يخلقها المهرجان في السوق الاقليمية"، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن "نسبة الحجوزات وصلت الى مئة في المئة، لا سيما في ظل تصادف مناسبة عيد الاضحى التي تنشط حركة السياحة في كل المنطقة". وقالت مديرة العلاقات العامة في فندق "متروبوليتان بالاس"، ريتا مسعد، ان "الحجوزات بلغت مئة في المئة، للفترة بين السابع من هذا الشهر والعشرين منه، ومعظمها من الرعايا السعوديين". وأضافت ان "الحجوزات المقبلة مرتفعة وهي تدورفي محيط 90 في المئة"، مشيرة إلى أن الخدمات الفندقية ومستوى الرقي الذي باتت تعرفه في لبنان، وحس الضيافة التقليدي الذي اشتهر به لبنان بات يضمن للزوار الذين يفدون اليه مجموعات متعددة من الأنشطة التي تتواصل طيلة السنة. وذكر مدير العمليات في فندق "اوبرج دي سادر"، فادي معوض، ان الربوع الجبلية تحظى باقبال كبير أيضاً، وأشار بدوره إلى أن "الحجوزات بلغت مئة في المئة، 75 في المئة منها عائدة للبنانيين والبقية تخص السياح العرب"، وقال إن "رياضة التزلج ناشطة في شكل لافت. والسياح العرب، لا سيما منهم القادمون من الخليج، من عشاق هذه الرياضة وكثيرون منهم يقبلون على تعلمها في بيئة عربية بعيداً عن المنتجعات الأوروبية التي لا تقدم لهم تسهيلات ثقافية مماثلة".