ان الموت لظالم عندما أخذ منا - نحن الجوعى - خبّازنا. ذلك الذي كنا نستمتع ونحن نأكل من خبزه، الخباز الشفاف الصريح الواضح، وذاك الخبز السهل الهضم. حين قرأت "الخبز الحافي" لم أجد صعوبة في استيعابها، لبساطة محمد شكري، وسهولة مفرداته وصراحتها، ذلك السهل الممتنع الذي روى سيرته الذاتية كما هي، من دون خجل أو تزييف، مع أن من كانت سيرته بدأت مثل بدايات حياة محمد شكري فقلما يجرؤ على البوح بأسرارها. محمد شكري، ذلك الفقير الحافي الذي قدم الى طنجة مع أهله هرباً من الجوع، ولم يجدوا ما يسدون به رمق عيشهم، وقوت يومهم. ذلك الحافي الذي طرده أبوه ليرتمي في أحضان الشارع العاري ليربيه الصعاليك وبنات الليل، قبل أن يعتمد على نفسه ويعيش أقذر أيام حياته وأشقاها. ثم يقرر ذلك الفتى - فتى الشارع - ان يتعلم، وأن يتخذ التوقيع بديلاً من البصمة، وأن يحسب الأرقام بعقله بدلاً من لمس أنامله بشفتيه، بعد أن فاته عقدان من حياته الذهبية، وليعمل مدرساً بعد ذلك ثم يحلّق في عالم الشهرة. حين يروي محمد شكري "الخبز الحافي" يأخذنا من أيدينا الى عالمه، ثم يتركنا نضيع في هذا العالم الصغير الكبير. ويكمل مشواره الشاق مع التعليم في "الشطار" أو "زمن الأخطاء" كما يحب بعضهم ان يسميها، وهو يدرس مع الأطفال، ومدرسيه الذين كانوا في مثل سنّه تقريباً، ثم يولع باللغة العربية، ويقابل الشعراء والأدباء، ثم يصبح شاعراً. كان يروي لنا الايقاع الحياتي الذي نجهل وقعه على تلك الشريحة المعنية، وليجعلنا نرى العالم من هذه الزاوية، كما هو في مجموعتيه "وجوه" و"مجنون الورد". اعتقد ان بعض المثقفين والأدباء والرواة - إذا لم يكن معظمهم - وحتى الناس البسطاء عاشوا مثلما عاش محمد شكري، في بداية حياته. ولكنهم لم يتجرأوا أن يبوحوا بأسرارهم وجزئيات سيرتهم الذاتية. أعتقد ان محمد شكري لن يتكرر. رحماك يا الله في تلك النفس الصادقة، وتلك الشخصية الصريحة، وتلك الروح الشفافة. وداعاً يا خبازنا الذي لن ننسى أبداً خبزه الحلو، ولن ننسى أسلوبه العذب! وداعاً يا السي محمد، ويا خبازنا الحافي! الرياض - فيصل الشايع