أمامي مجموعة من رسائل القراء تلقيتها بالبريد الالكتروني، كلها بالانكليزية، وهي جميعاً باستثناء واحدة أو اثنتين، من قراء غير عرب يتابعون "الحياة" بالانكليزية على الانترنت. بعض القراء الأجانب يمثل "التطرف الآخر"، أي تطرف جماعات اليمين الاسرائيلي، أو الليكوديين الشارونيين، وهو يذكرني بالارهابيين من جماعتنا، فالطرفان يغذي أحدهما الآخر ويبرر وجوده. وعادة ما أرسل رداً خاصاً الى أمثال هؤلاء، وأقسو في الكلام، من دون أن أخرج عن موضوعيتي. غير انني في ما تنشر الجريدة أحاول أن أكون أكثر اعتدالاً وموضوعية. كنت قبل أيام كتبت عن العدالة الأميركية، أو على وجه التهديد غيابها عن المعتقلين في خليج غوانتانامو. وتلقيت رسائل من كانون يونتس وستيف مونتمورو ومايكل ادلر تفيض بما في نفوس أصحابها. وتبادلت مع الأول بعد ذلك رسائل الكترونية، وأعتقد أننا اتفقنا ان نتفاوض. يونتس تباكى على حقوق الإنسان في العالم العربي، وسجل اضطهاد النساء وغياب حرية التعبير ووجود مجتمعات توتاليتارية. ومونتمورو قال ان جريدة عربية لا يحق لها ان تتحدث عن حقوق الإنسان للمعتقلين في غوانتانامو "فهؤلاء الناس كانوا مصممين على تدمير بلدي"، وادلر تحدث عن حماة و"احتلال" لبنان. هذا أسوأ منطق ممكن، فما يقول القراء الثلاثة هو انه إذا غابت حقوق الإنسان في العالم العربي، فإن من حق العسكر الأميركيين تغييبها في غوانتانامو، والقارئ مونتمورو يزيد عدالة على طريقته، فهو يقول ان المعتقلين كانوا مصممين على تدمير بلده، أي انه يصدر أحكاماً عليهم، مع انه لم يواجه بعد أي من المعتقلين قرار اتهام، ناهيك عن ادانة، وهذا بعد سنتين من الاعتقال. عندي نقطتان: الأولى أنه لا يوجد صحافي في العالم العربي كله كتب أكثر مني عن غياب الديموقراطية وحقوق الإنسان وحكم القانون والمحاسبة والشفافية في بلادنا كلها. وقد قلت ذلك ألف مرة، وكررته قبل أسبوع في مؤتمر مؤسسة الفكر العربي في بيروت، وبعد ذلك في هذه الزاوية. والثانية انني عندما كتبت عن غوانتانامو توكأت على مصادر أميركية وبريطانية فقط، وسجلت الأسماء بوضوح، لذلك فالمنشور ليس من ابتكار عربي معادٍ، بل هو منهم وعنهم. وإن كان لي أن أزيد شيئاً فهو انني بدأت الزاوية بالقول: في حين ان الولاياتالمتحدة بلد ديموقراطي رائد في حقوق الإنسان، فإن ما يحدث في خليج غوانتانامو ليس من العدالة في شيء... والموضوع كان عن العدالة الأميركية في غوانتانامو، لا العدالة الأميركية بالمطلق، مع انني أستطيع أن أتحدث بسهولة عن وزارة الأمن الداخلي، وكيف تعامل العرب والمسلمين، متوكئاً على مصادر أميركية خالصة. ولعل الكلمة الفصل في الموضوع جاءت بعد تلقي الرسائل والرد عليها، فالمحاكم الأميركية نفسها، من نيويورك الى سان فرانسيسكو، دانت الأسبوع الماضي اجراءات الحكومة ضد المعتقلين، وقالت انه لا يحق لها اعتقالهم الى ما لا نهاية. بعد هؤلاء القراء الأشاوس، هناك الذين ينكرون الحقيقة، ويتستر بعضهم على مجرم حرب من نوع آرييل شارون، انصفتني القارئة آن مير فهي قالت "ان خليج غوانتانامو من تلك الأشياء التي يتجاهلها الأميركيون وينسونها، اشكرك على تسجيل نقطة لتذكيرنا بريائنا...". أشكر القارئة وأكمل بالقارئ بول سيسكو، فقد بعث إليّ برسالة منحطة مثل شارون، كنت تحدثت عن أسباب الموجة الجديدة من اللاسامية في أوروبا، وقلت انها لم تكن موجودة عندما كان اسحق رابين أو شمعون بيريز رئيساً لوزراء اسرائيل، وانما هي اشتدت مع وجود السفاح شارون في الحكم. هل يمكن إنساناً عاقلاً أن ينكر مثل هذه الحقيقة؟ سيسكو تجاوزها ليقول ان تقريراً للاتحاد الأوروبي قال ان معظم الأعمال اللاسامية في أوروبا يرتكبها مسلمون. هذا صحيح، إلا أنني تحدثت عن استفتاء مشهور في الاتحاد الأوروبي، شمل أوروبيين فقط، وأظهر ان هؤلاء يعتبرون اسرائيل أكبر خطر على السلام العالمي. سيسكو شارون اعتبر الاستفتاء دليلاً على رياء الأوروبيين ومحاولتهم التزام "الصواب السياسي"، بدل ان يراه كما هو اثباتاً لجرائم اسرائيل وخطرها على السلام العالمي، ثم أثار نقطة لم آت عليها. وأمامي رسالة الكترونية لم استطع فك رموز اسم صاحبها، الا ان عنوانه عندي، وهو يؤيد قولي ان هناك أموراً ايجابية في العراق يجب التركيز عليها، فقد كنت اعترضت على تكرار الإدارة الأميركية كذبة أسلحة الدمار الشامل، وتهديد العراق أمن المنطقة والعالم. وقلت ان من الأفضل أن تغلق الإدارة الأميركية هذا الموضوع لننسى الكذب الذي قاد الى الحرب، وان تركز على ايجابيات مثل اطاحة صدام واعتقاله، ومحاولات اعادة تعمير البلاد، وبناء مجتمع حر والمدارس والمستشفيات وما الى ذلك. غير ان القارئ يعترض بعد ذلك على حملاتي على اسرائيل، وأقول له "لا تواخذني" فالحملات ستستمر طالما ان مجرم حرب من نوع شارون في الحكم لتدمير السلام. وأكمل بالقارئ فارس مطالعة أرجو أن أكون أصبت في كتابة اسم العائلة بالعربية، فهو يقول ان من السذاجة انتقاد شارون وحده، ويجب انتقاد جورج بوش معه لأنه يعطيه الضوء الأخضر في ارتكاب جرائمه. طبعاً القارئ فارس معه حق، وأنا أنتقد بوش ورجاله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم. ويا أخ فارس لا توصّي حريص. وأختتم بالقارئ روبرت العلي، أو علالي، أو آلالي هل أنت عربي يا أخ روبرت؟ فهو يقول ان زاويتي التي اقترحت فيها "قانون محاسبة الولايات" المتحدة ممتازة، ويجب أن ترفعها أمانة الجامعة العربية الى القمة كما اقترحت، وأن تنشر في الصحف الأميركية لتعميم الفائدة. أقول للقارئ روبرت والقراء ان الأخ عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، هاتفني يوم صدور المقال، وقال انه مستعد لعرض الاقتراح على القمة المقبلة لو وجدت دولة عربية تتبناه. البحث جارٍ.