فيما شكك خبراء في إمكان جمع أدلة كافية لإدانة الرئيس العراقي السابق صدام حسين، رأى اعضاء في مجلس الحكم الانتقالي أمس ان محاكمته لن تتم قبل نقل السلطة الى العراقيين، أي ليس قبل الأول من تموز يوليو من العام المقبل، وذلك لمنع أي تدخل أجنبي في سير المحاكمة. وقال عضو المجلس موفق الربيعي: "أعتقد انه على أبعد تقدير ستتم المحاكمة بعد الأول من تموز من العام المقبل وبالتالي ليس قبل انتخاب حكومة عراقية الأمر الذي سيمنع أي تدخل اجنبي فيها". ونص الاتفاق الذي وقعه مجلس الحكم مع التحالف في 15 تشرين الثاني نوفمبر الماضي على تشكيل "جمعية وطنية انتقالية" قبل 31 ايار مايو 2004 تتولى انتخاب حكومة قبل نهاية حزيران يونيو 2004، وسيتم حينئذ حل الحكومة الموقتة والتحالف. وأضاف الربيعي ان "المحاكمة تتطلب ايضاً شهوراً عدة لجمع الادلة والبراهين التي تدين هؤلاء المتهمين لتكون محاكمة عادلة تراعي حقوق الانسان والاعراف والمواثيق الدولية". وعن امكان ان تحكم المحكمة الخاصة بالاعدام على صدام، قال الربيعي: "استطيع ان أؤكد لكم وللشعب العراقي ان مجلس الحكم منسجم تماماً مع ما يتطلع اليه الشعب العراقي وهو ان تكون هذه المحاكمة عراقية ومحاكمة عادلة تراعي حقوق الانسان". وكانت قوات الائتلاف قررت في ايار تعليق حكم الاعدام في العراق. إلا ان ستيفن اورلوفسكي القاضي الفيديرالي الاميركي الذي قام بمهمة في العراق اكد ان حكم الاعدام يبقى قابلاً للتنفيذ على الجرائم التي ارتكبت قبل دخول القرار حيز التنفيذ. ونفى الربيعي الانباء التي تحدثت عن نقل صدام حسين الى قاعدة اميركية في قطر، وقال ان "صدام موجود في بغداد الكبرى وسيبقى الى ان يحاكم في العراق". ولم يقدم الاميركيون أي مؤشر على مكان صدام حسين بعد اعتقاله مساء السبت على يد الجيش الاميركي في مخبأ في مزرعة في الدور جنوب تكريت 180 كلم شمال غربي بغداد بعد ثمانية اشهر من اطاحة نظامه. وقال الربيعي الذي كان بين اعضاء مجلس الحكم الذين التقوا صدام غداة اعتقاله، انه "لم يتقرر بعد اذا كان الرئيس المخلوع أسير حرب ويتمتع بالحقوق الواردة في اتفاقي جنيف ولاهاي او انه متهم بجرائم ضد الانسانية لا يتمتع بهذه الحقوق". وقال ان محاكمة الرئيس السابق ستكون "محاكمة العصر" و"ستنكشف فيها اسرار وسينكشف زعماء دول ومثقفون وسياسيون ونواب موجودون الآن في الحكم او خارج الحكم في الدول العربية والاسلامية والشرقية والغربية". محاكمة مجرمي الحرب وأكد عضو مجلس الحكم المحامي نصير الجادرجي انه "تم قبل اسبوع تشريع قانون المحكمة المختصة بمحاكمة مجرمي الحرب والمجرمين بحق الانسانية وهو قانون شامل لكل القضايا وتمت الاستعانة في هذا القانون بالقوانين العراقية وبكل المعاهدات والقوانين الدولية في هذا المجال". ورأى ان "من حق كل الدول والحكومات والاشخاص ان تتقدم بدعاوى ضد المعتقلين في هذه المحكمة". أما رئيس مجلس الحكم بالوكالة عدنان الباجه جي فقال ان "التحقيق سيكون من اختصاص العراقيين والحكام الذين سيعينون سيكونون عراقيين وكذلك القضاة مع امكان الاستفادة من خبرات دولية في اجراء المحاكمة التي ستكون علنية وليس سرية وفي كل مراحلها وفيها كل الضمانات الدولية وسيكون باستطاعة الاشخاص استئناف الاحكام الصادرة بحقهم والاستعانة بمحامين". وقال ان البحث لا يزال جارياً في وضع صدام حسين باعتباره أسير حرب او مجرم حرب، مشيراً الى انه "من الناحية القانونية ليس هناك ما يمنع تسليم أسير حرب للمحاكمة في جرائم حرب وضد الانسانية". وفي باريس الحياة، عبّر وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دوفليبان عن أمله في عدم حصول تدخلات خارجية في محاكمة صدام التي اعتبرها شأناً عراقياً. وفي واشنطن، حذر حقوقيون عراقيون في العاصمة الأميركية من صعوبة تقديم "ادلة دامغة" على تورط صدام في الجرائم التي ارتكبت في عهده في العراق. وقال كنعان مكية، مؤسس مركز "ذاكرة العراق"، ان "الحديث عما فعله صدام أمر واثبات ذلك أمام محكمة أمر آخر". واضاف: "نحن لا نملك أدلة دامغة على تورطه". وحددت "مؤسسة ذاكرة العراق" ايراك ميموري فاونديشن هدفاً لها هو جمع وتحليل وثائق رسمية عراقية تثبت تحركات النظام على مختلف المستويات، خصوصاً اجهزة الاستخبارات والشرطة والجيش. وجمعت المؤسسة حتى الآن نحو ستة ملايين صفحة معظمها موقعة من الرئيس العراقي السابق ومساعديه في عهده الذي استمر ثلاثة عقود. وقال حسن منيمنة، أحد المسؤولين في مركز متخصص بالابحاث والتوثيق حول العراق في جامعة هارفارد، ان هذه الوثائق تكشف ان "صدام تمكن من حماية نفسه بتجنبه توقيع ما يمكن ان يشكل أدلة دامغة" على جرائم ارتكبت بأوامر منه. واوضح: "لدينا بنية قمعية تتألف من طبقات وسيطة عدة" بين اصدار أمر غير واضح من صدام وآخر من قيادة أكثر وضوحاً ثم تنفيذه. وتابع منيمنة ان صدام "لم يصدر أكثر من تصريحات عامة ترد في خطابات مملة ولا تدينه وكان يعتقد انه من الضروري ان يحمي نفسه". ورأى هؤلاء الخبراء ان ادانة علي حسن المجيد الملقب ب"علي الكيماوي" ستكون أسهل من ادانة صدام. واوضح منيمنة ان الوثائق الرسمية للدولة العراقية لا تتحدث سوى عن أمر وقعه صدام حسين باعطاء "صلاحيات واسعة" لعلي حسن المجيد من دون أي اشارة الى استخدامه هذه الصلاحيات. وتؤكد منظمة "هيومن رايتس ووتش" ان مئة الف كردي قتلوا او فقدوا في حملة القمع التي قادها المجيد في كردستان بين 1987 و1988. ويتهمه اكراد العراق بأنه أمر بشن هجوم بالغاز ادى الى مقتل خمسة آلاف شخص في حلبجة في العام 1988. وقاد المجيد ايضاً حملة القمع في جنوبالعراق في 1991 ضد تمرد الشيعة. وصرح نيل كريتز، الخبير في القانون الدولي وأحد معدي مشروع دستور روسيا 1990-1991، بأنه من الضروري الاعتماد على تشريع دولي لتجنب الوصول الى طريق مسدود في محاكمة صدام حسين. وقال ان "القانون الدولي يعترف بمسؤولية أعلى حلقة في سلسلة القيادة". واضاف هذا الخبير الذي شارك في الندوة: "اذا نجحنا في البرهنة على ان هذه الحلقة كانت على علم بالجرائم فإن ذلك يشكل جرماً في نظر القانون الدولي". وفي المنامة رويترز، قال المحامي البحريني محمد رضا بوحسين الخميس إنه يشكل مع مجموعة محامين عرب هيئة تخطط للدفاع عن الرئيس العراقي المخلوع في محاكمته المنتظرة. وانتقد بوحسين الولاياتالمتحدة لمساندتها للرئيس العراقي السابق في حربه مع إيران التي استمرت ثمانية أعوام في الثمانينات. وأضاف: "أميركا غطت على ما ارتكبه صدام لمدة طويلة. نحن لا توجد لدينا مشكلة مع محاكمة صدام حسين ولكن يجب أيضا أن يحاكم من وقف وراءه ودعمه طوال هذه السنوات". وفي تونسقنا، أعلن 30 محامياً تونسياً استعدادهم الدفاع عن صدام امام المحكمة التى ستتولى محاكمته. وتشكلت لجان دفاع مماثلة عن صدام في كل من مصر والاردن وداخل العراق ايضاً. وكان المحامي الفرنسي الشهير جاك فرجيس اعلن بدوره استعداده للدفاع عن صدام.