كشف مسؤولون في وزارة الخارجية الأميركية أن الإعلان عن القبض على الرئيس السابق صدام حسين تم بموجب خطة أعدتها منذ أشهر وزارة الدفاع البنتاغون هدفها إزالة أي شك لدى المواطنين العراقيين أنه اعتقل. فيما قال مسؤولون آخرون ان القبض عليه أعاد الاعتبار الى أجهزة الاستخبارات التي عانت من الفشل تلو الفشل في العراق منذ الطلقة الأولى في الحرب في آذار مارس الماضي. ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن المسؤولين أن الطريقة التي تم بها الإعلان صباح أول من أمس عن وقوع صدام في الأسر تمت بموجب الخطة التي أطلق عليها إسم "الهدف الثمين جدا رقم 1" وعمل خبراء في البنتاغون على وضعها على أثر التجربة التي مرت بها القوات الأميركية في العراق في تموز يوليو الماضي لدى مقتل عدي وقصي، نجلي صدام، في الموصل. ووفقا للمسؤولين فإن الخطة التي تم إطلاع الرئيس جورج بوش عليها ونالت موافقته، نصت على مشاركة العراقيين أنفسهم في الإعلان عن أسر صدام على أن يتم اعلان ذلك من بغداد مع بث سريع قدر الإمكان للصور على مستوى العالم، على نحو لا يترك متسعاً من الوقت ل"نظريات المؤامرة" كي تأخذ مجراها في المدن والقرى العراقية. وأشارت الصحيفة إلى أن خبر مقتل عدي وقصي في الصيف الماضي تسرّب إلى وسائل الإعلام قبل الإعلان رسميا عن الموضوع، وقبل التأكد نهائيا من هويتهما. ومما زاد في تعقيد المسألة أن الصور التي وزعت لجثتي عدي وقصي أصبحت مصدراً للشكوك لدى العراقيين، ما أرغم المخططين العسكريين على التدخل بلمسات تجميلية للجثتين قبل عرضهما أمام المصورين. فتلك التجربة علمت المخططين الأميركيين درسا حول كيفية التعامل مع وسائل الإعلام العربية، فعادة ما ينظر المواطنون في الدول العربية إليها نظرة شك بسبب خضوع هذه الوسائل لإشراف مباشر من السلطات الحاكمة، وفقا للصحيفة. علاوة على أن الأميركيين تعلموا من ذلك الحادث درسا آخر ذا قيمة أن الجمهور العربي يعتبر أشرطة الفيديو أكثر الوسائل صدقية للتقارير الإخبارية. ونقلت الصحيفة عن غاري تاتشر، مدير استراتيجية الاتصالات لقوات التحالف، قوله "يمكن القول اننا لم نتوقع تلك الدرجة من الشك التي لمسناها بعد مقتل عدي وقصي. ولتوضيح المسألة كنا مضطرين لإدخال الناس إلى الخيام ليشاهدوا الجثتين، الأمر الذي رغبنا في تجنبه". وكشف تاتشر أنه عكف مع مخططين آخرين بناء على طلب من البنتاغون في آب أغسطس الماضي على وضع خطتين للإعلان عن أهم خبر ممكن في العراق بعد الاعلان عن انتهاء الحرب، الخطة الأولى تتعلق بالإعلان ان صدام اعتقل حياً، والثانية الإعلان عنه ميتا. وأوضح أن الخطة نصت على ضرورة أن تتم عملية الإعلان في كلا الحالتين بالصوت والصورة وأنه ينبغي قبل الإعلان عرض نصه الحرفي مع الصور على مسؤولين عسكريين كبار. وقال ان بغداد مرتع للإشاعات وهدف قوات التحالف هو ترسيخ الخبر اليقين بسرعة وتقديم الدليل عليه. وأضاف أن المخططين توصلوا إلى قناعة بأنه من الأفضل أن يتم الإعلان عن مثل هذا الخبر من أشخاص عراقيين وإظهار المسألة بأنها نصر حققه العراقيون. ووفقا للخطة تم إبلاغ زعيم "الاتحاد الوطني الكردستاني" جلال طالباني القبض على صدام في الساعة الرابعة من صباح الأحد، حيث بدأ طالباني إبلاغ الصحافيين بالأمر من دون إعطائهم مزيداً من التفاصيل. ولاحقا جرى الإعلان رسميا عن الخبر في مؤتمر صحافي مشترك للحاكم الأميركي على العراق بول بريمر والرئيس الحالي لمجلس الحكم الانتقالي عدنان الباجه جي. وأوضح تاتشر أن المخططين اهتموا جدا في اختيار الصور التي وزعت لصدام في الأسر، حرصا على ألا تؤدي هذه الصور على إظهاره بطلاً أو شهيداً. وأضاف أن الهدف من بث صوره أثناء خضوعه للفحص الطبي هو إظهاره إنساناً عادياً وليست لديه قدرات خارقة ولم يعد يشكل تهديدا لأحد. مشيرا إلى أن الشكل الذي انتحله صدام لنفسه، بشعره الكث ولحيته الطويلة وهندامه الرث، ساعد كثيرا على تثبيت الصورة التي رغب بها المخططون على نحو ربما لم يكن يتوقعه صدام نفسه. ونقلت الصحيفة عن خبراء أميركيين أن الصور التي بثت لصدام كانت قوية الى درجة أنه لم يعد مهما بالنسبة للمشاهدين مصدرها وعلى أي قناة تلفزيونية يجري عرضها. وأضافت الصحيفة أن أسر صدام ردّ الاعتبار الى أجهزة الاستخبارات الأميركية التي تلقت منذ 11 أيلول سبتمبر 2001 ضربات متتالية وتعرضت لانتقادات شديدة داخل الكونغرس وفي وسائل الإعلام، خصوصاً بعد الفشل الذي لقيته الضربات الجوية الموجهة للأماكن التي كان يعتقد أن صدام موجود فيها في بغداد في بداية الحرب وخلالها، بالإضافة إلى الفشل في العثور على أي أثر لأسلحة الدمار الشامل التي كانت ذريعة البيت الأبيض في إعلان الحرب. وخص الرئيس جورج بوش الاستخبارات بالمديح في إعلانه عن أسر صدام، فيما نقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين أن وكالة الاستخبارات الأميركية سي آي إي كانت وضعت قائمة بأسماء الذين من المحتمل أن يقدموا مأوى لصدام وإخفائه ونجحت بمساعدة الأجهزة العسكرية الأخرى في "اقتفاء أثر الديكتاتور في بلاد واسعة". وكشف مسؤول كبير أن القبض على صدام تم بمساعدة معلومات تم جمعها بالطرق البشرية التقليدية من دون استعمال الأقمار الاصطناعية ووسائل التجسس المعقدة، على رغم الضعف الذي عانت منه الاستخبارات الأميركية على الأرض داخل العراق منذ التسعينات الماضية.