ثمة كلام خطير يتم تداوله بهمس تحت القشرة الخارجية لمجموعة متناغمة في الجوهر متباعدة في الشكل والاطار من "النخب العراقية"، اذا ما تفاعلت مع بعض مشاريع الهيمنة الأجنبية فإنها قد تحول المنطقة كلها الى مسلسل من الحروب الطائفية والعرقية نتائجها ستكون أسوأ بكثير من حروب البلقان المقيتة والبشعة. سلفاً أقول بأن الشعب العراقي بغالبيته المطلقة بريء مما يتفاعل الآن أو سيتفاعل بين هذه النخب الموتورة وبين مشاريع الاحتلال والهيمنة الأجنبية. لكن ذلك لا يمنع من أن تشمل الكارثة الجميع دون اسثناء ان وقعت لا سمح الله، لأن الإعداد لها يتم بطريقة سياسة "الأرض المحروقة" التي تتبعها الجيوش عندما تفشل في خطتها العسكرية الأساسية وتقرر رغماً عنها الانسحاب من الميدان. خلاصة الكلام الذي يدور تحت غطاء "عبارات" جاهلة ولكن بفعل وانفعال قوى واعية هو: "ان العراق الذي خرج لتوه من ديكتاتورية البطل القومي العربي المسلم السني بفضل المخلص الأميركي، وبعد عجز كل المخلصين العرب والمسلمين لا يستأهل الا ان تعاد صياغته ككيان تكون فيه "الغلبة" هذه المرة "للشيعية السياسية" بدلاً من "السنية السياسية" التي ظلت حاكمة منذ تأسيس العراق الحديث في بداية العشرينات منذ القرن الماضي". وحتى ينزع فتيل "التشيع الثوري" من شيعة العراق سواء منه الممتد والمرافق لهم منذ ثورة العشرين، أو فتيل "التشيع العلوي" المتأثر بالثورة الاسلامية الايرانية، فإن المنظرين لهذا المشروع يقولون بأنه لا بأس من الذهاب الى حافة الخطر من هذا المشروع أي ان يتم القبول اذا ما تطلب الأمر بأقصى التنازلات أي: "دولة عراقية جديدة لا مانع أن تكون جمهورية العراق "الاسلامية" شرط ان تكون أكثر "ديموقراطية" من طهران وأكثر"دينية" من أنقرة". وتحت هذه "العباءة" الجاهلة يتم تحريض الشيعة ضد السنة من خلال توأمتهم بصدام حسين "البطل القومي العروبي"! وتحت هذه "العباءة" الجاهلة نفسها يتم تحذير السنة من تحالف شيعي كردي مناوئ للعرب وللسنة. وفي هذه الأثناء يتم تحريك سائر "الأقليات" في العراق من تركمان وآشوريين وكلدان مسيحيين وصابئة ويزيديين وشبك أكراد وأكراد فيليين بحجة تنوع الفسيفساء العراقي المطلوب في عصر الديموقراطية العراقية الجديد! لكن ما يخبأ في الواقع حسب العالمين بالأمر هو إضعاف بل تهديم الكيان العراقي الموحد بحجة انه "خلل تاريخي" و"افراز مصطنع" من جانب بريطانيا في عشرينات القرن الماضي، كما يقول رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركي الفخري ليزلي غيلب على صفحات جريدة "نيويورك تايمز" الأميركية. وليزلي غيلب هذا لا يتورع من الذهاب الى أبعد من ذلك عندما يعلن صراحة بأن الحل الأنجع للعراق هو تقسيمه الى دول ثلاث واحدة كردية وثانية شيعية وثالثة سنية. وحتى تنتقم اميركا بحسب رأيه من "البطل القومي العروبي!" صدام حسين ومن العرب السنة الذين خدعوها وخذلوها في حربها المقدسة على الارهاب، فانه يقترح هذا الحل حتى يتحول السنة العراقيون الى "أولاد العم الفقراء للشيعة" بعد ان يسلبهم النفط ويحصرهم في "المثلث السني" الذي يزداد ذكره وبتركيز خاص في الاعلام الغربي بخاصة والاعلام العالمي بعامة، ويظهر دوماً على أنه التجمع الوحيد المناوئ للاحتلال التحريري! مقابل ابتهاج وسرور وترحيب عارم!! من قبل الشيعة والأكراد لهذا الاحتلال. ثمة من يذهب به الخيال الى أبعد من ذلك فيقول ان هذا الأمر قد يمتد الى كل دول المنطقة من دون استثناء اذا ما استقرت الولاياتالمتحدة في العراق وكرست مشروعها هناك. ويذكر في هذا السياق ما ذهب اليه توماس فريدمان قبل عدة أشهر وعلى صفحات "نيويورك تايمز" ايضاً عندما قال وهو يتحدث عن ايران: "ان نظام المشايخ في ايران حتى في عصر خاتمي ما هو الا نظام اوتوقراطي يستخدم النفط لاضفاء ديكور ديموقراطي على حكمه، وبالتالي فهو مثله مثل سائر الدول النفطية التي تزعم الديموقراطية وهي منها براء، وإذا أردتم اختبارها انزعوا النفط عنها فإن عملت ديموقراطية ولو نسبية كما هي الحال في لبنان عندها يمكن أن تصدقوها"، ولما كان هو متأكداً من لاديموقراطيتها فقد دعا الرئيس بوش الى "مصادرة مصادرها النفطية"! ومصادرة مصادرها النفطية لا تعني سوى مخطط التقسيم الجهنمي المعروف. التقارير المتواترة التي تصل الى عواصم الجوار العراقي عن تقاطر الاستخبارات الصهيونية على بغداد والمدن العراقية الكبرى، وضباط جيش انطوان لحد الذين طردوا من جنوبلبنان بعد التحرير الى العاصمة العراقية، وكما تؤكدها مصادر صحافية غربية مستقلة، انما تزيد في سوداوية المشهد العراقي والاقليمي، ما لم يتقدم الشارع العراقي الحر والمستقل والوطني الشريف باتجاه كسر هذه المعادلة. ثمة تقارير سارة في المقابل تؤكد تزايد وعي الحوزة الدينية في النجف لا سيما بزعامة آية الله العظمى السيد علي السيستاني لمجمل هذه المخاطر، والتي بدأت تربك مخططات التقسيم والفرقة واحتمالات التقاتل المذهبي والعرقي. ان نجاح مخطط تقسيم العراق أو اشعال فتنة اقتتال داخلي فيه لا سمح الله تنذر بتمزيق دول المنطقة المحيطة به من دون استثناء، لذلك فإن المطلوب بنظر المراقبين العارفين ببواطن مثل هذه المخططات العمل سريعاً على ما يلي: 1 تحقيق اجماع عربي واسلامي ودولي بضرورة الجلاء الفوري لقوات الاحتلال عن العراق. 2 مساعدة العراقيين على تشكيل أوسع جبهة عريضة تحت عنوان مجلس انقاذ وطني يضم كل الفعاليات العراقية من دون استثناء يحظى بدعم كل العرب وكل المسلمين والمجتمع الدولي الحر. 3 اعلان العراق وحده جغرافية لا تقبل التقسيم ولا التجزئة. 4 المطالبة العاجلة بنقل مهام المحافظة على السلم والأمن في العراق من قيادة قوات الاحتلال الأميركي الى الأممالمتحدة بصورة موقتة، الى حين انجاز العراقيين مهمة تشكيل حكومة منتخبة لمساعدة مجلسهم الوطني المستقل للانقاذ. * كاتب ايراني.