يا سادة يا كرام، يا صغار ويا كبار. نبدأ الآن مع باسم الذي كان صوته جميلاً وموزوناً. يخزي العين عنه. شاب موهوب فعلاً في الغناء وطلته حاضرة دائماً. ذات يوم ذهب إلى المعهد الوطني العالي للموسيقى، ليجرب صوته الحلو والرخيم الذي ما في أحلى منه في العالم ويتعلم علوم الموسيقى بأشراف المعلم. دخل "باسم" المعهد الموسيقي بعزم وحاول مقابلة معلمة الموسيقى لمادة الغناء الشرقي والموشحات ريما خشيش. ]هنا همس الجميع بحماس عندما سمعوا اسم المعلمة ريما خشيش[. نعم. أستاذة الغناء الشرقي ريما، علمتني سنتين متتاليتين. أعرف ذلك يا باسل. أجاب مازن مبتسماً. بدت الوجوه مسرورة ونصف ضاحكة تحث على الكلام طالبة المزيد والمزيد. ها هو الآن باسم أمام المعلمة واقف بحياء وأدب ومستعد للأداء الغنائي. ]جلس الحكواتي مازن جلسة المرتاح وبدأ يقول[: لما طلبت المعلمة من باسم أن يجرب صوته كي تسمعه جيداًً لترى مقدرته على الغناء وتحكم على صوته وتنصحه بالتي هي أحسن وأفضل وطريقة جري التنفس بشكل صحيح. هيأ باسم نفسه وبلع ريقه ووضع كفه خلف أذنه وتنحنح وسعل أح أح وصاح بنغمة في الغناء وردّد: يا ليل يا ليل يا عين يا ليل أحلى الليالي ليالي عمرنا يا ليل يا عين يا عين أحلى السهرات سهرات عمرنا يا ليل يا عين... طال عناؤه وتأففت المعلمة. وسأل الأولاد الحكواتي بإلحاح. نجح أو ما نجح؟ حكمت المعلمة على صوته؟ شو صار؟ أنا أحتج أشد الإحتجاج. الحكواتي الأول: لحظة لحظة يا جماعة. مهلاً يا أولاد، باسل ما زال يغني ويردد بأعلى صوته أحلى الليالي ليالي عمرنا. ضج الجميع وهبّ الأولاد مطالبين بإكمال القصة الخبرية مهما كلف الأمر. بعد فترة قصيرة، عارضهم سليم الحكواتي الثاني بشدة وأجلسهم عنوة ورغماً عنهم، فشرعَ يروي حكايته على مسمع الكل. قائلاًً: في الوقت الذي جرّب باسم الموهوب أن يغني بما استطاع حتى بُحت حنجرته كلياً وخابت ظنونه فلم تسعفه المحاولة أبداً. ما رأيكم أن تسمعوا قصة جديدة، وأن تركزوا قليلاً، تعرفون قصة الكنز المدفون! أنا أعرف قصة الكنز المفقود على التلفزيون، أوليست تلك ... والذي لم يجده أحدْ! الحكواتي الثاني: هذه القصة قصة الكنز المدفون من القصص الرائعة والمحيرة جداً. حسناً، لها نهاية يا حبوب! الحكواتي الثاني: لها نهاية سعيدة، طبعاً، نعم، والدليل على ذلك اسمعوا الحكاية من أولها إلى آخرها، اسمعوا جيداً وانتبهوا، في الزمان الذي كانت الحيوانات تحكي وتحكي وتحكي وتحكي وتحكي و... قاطعه أحد الأولاد قائلاًً بحدة: تعتبر أن هناك نهاية لتلك الحكاية تحكي وتحكي وتحكي و... تململ الأولاد وتذمروا من سليم، سأل مازن: بعدين وماذا يا...؟ ردّ الحكواتي فوراً: اطمئن مازن، اطمئنوا للحكاية تكملة، ماذا دهاكم؟ مهلاً يا جماعة الخير كان الفيلسوف سائراً ماضياً إلى ما لسنا ندري على قوامه الأربع في هذه الأرض، أيوب يركب على ظهره معززاً مكرماً. أرضٌ جرداءٌ فيها شجرة واحدة وحولها عشب وبصل وبلان وشوك ومردكوش وزعتر برّي أخضر، يريدان أن يقطعا مسافة جد كبيرة كي يستظلا إلى مطرح ظليل وهواء عليل، هنالك مطرح الشجرة الطويلة العريضة الكبيرة الواحدة الوحيدة وعليها كل أنواع الفواكه. شجرة طويلة عريضة كبيرة واحدة وحيدة، ما اختلف الأمر عليها ولكنْ شجرة عليها كل أنواع الفواكه. أين صارت؟ في أيّ قرن مضى؟ أيُّ زمنٍ هذا ؟ - في الزمن الذي كانت الحيوانات تحكي وتحكي وتحكي وتحكي الجميع تحكي وتحكي وتحكي الحكواتي: وتحكي وتحكي طبعاً تحكي نعم، أي نعم، ذلك الزمن الذي كانت الحيوانات تحكي ينتهد أيام مرت في سرعة الريح. على أي حال. كان الفيلسوف وأيوب يريدان أن يقطعا مسافة شاسعة كي يصلا الى تلك المنطقة... آخ والله يا أصدقائي نسيت أن أخبركم أن الفيلسوف صابر صبور. اسمه كذلك، هو حمار زكيّ وشاعر يشعر بالمسؤولية وكانت عنده مقدرة تحمل الصبر، وأيضاً كان حكيماً ينطق بالحكمة وعلم الغيب والتنجيم، هذا يعني حكيم زمانه فعلاً. كان الفيلسوف يتكلم دائماً عن قصة الكنز المدفون الذي كان مفقوداً في باطن الأرض ... وكان قد لجّ الفيلسوف صابر صبور على صاحبه أيوب، لمّا صدقه ! هكذا أخذ الفيلسوف، أيوب، صاحبه الوحيد في الدنيا الى منطقة الشجرة الطويلة الضخمة الهائلة وعلى أغصانها جميع أنواع الفواكهة ... تنحنح وتابع الحكواتي: وكان أيوب فقيراً ومهموماً ومشغول البال على عائلته التي كانت تعتاش على بيع التين والعنب فكانت حالته سيئه إلى أسوأ، وكانت... ماذا أريد أن أخبركم عن حالة أيوب وصاحبه صابرالفيلسوف... اختصر يا سليم. ماذا بك ؟ أكمل الحكاية أرجوك. نريد الكلام المفيد! لبّ الموضوع!! سليم الحكواتي: طيب. نعم بنبرة عالية. نعم يا سادة ويا كرام. مشى الفيلسوف وأيوب حتى وصلا إلى مكان الشجرة الطويلة الفظيعة الوحيدة. ودار الحديث بينهما. أيوب: يا لها من شجرة عالية ضخمة... فيلسوف: هنا تحت هذه الشجرة... أيوب: نعم! فيلسوف: هنا في باطن الأرض تحت هذه الشجرة أيوب بتلهف: نعم! فيلسوف: هنا يوجدُ شيءٌ عظيمٌ تحت التراب أيوب: ماذا تريد أن تقول يا صابر؟ فيلسوف: هنا يوجد كنزٌ مدفونٌ في باطن الأرض، عليك أن تحفر! أيوب: ليس عندي معول. فيلسوف: عليك أن تحفر وتحفر... أيوب: ليس عندي رفش. فيلسوف: عليك أن تحفر بيديك. أيوب: أحفر بيديّ؟ لم لا، أحفر بيديّ لطالما الشيء العظيم كنز باهر. تدخّل سليم الحكواتي منهياً الحوار بين صابر صبور الفيلسوف وصاحبه أيوب، وقال منذ "وصل الأثنان إلى مكان الشجرة العالية الوحيدة وحتى يومنا هذا، ما زال أيوب يحفر ويحفر ويحفر ويحفر"... ياسر مروّة