هل أفقت، ذات يوم، على أحد الصباحات القديمة، وفي ذاكرتك أيام ربما ذبلت، إلا أن أوراقها تتساقط أمام عينيك كأنها الآن؟ أفقت لترى دموعك ترتشف مع همك فنجان القهوة؟ كل ما مضى يسكن معك، ينام الى جنبك في السرير، يأكل من طعامك ويدخل مع أنفاسك الى أغوار نفسك؟ كل ما مضى يجعلك تعيش أيامه ولحظاته، كأنه الآن؟ إن ودعت، ذات يوم، حبيباً تحلم، بعد وداعه، بعودته ذات ليلة تجمعكما صدفة جميلة، لحظة صغيرة؟ تدفن الأمس الحزين في تراب الذاكرة. تحاول جاهداً ان تجعل الحفرة عميقة لئلا يخرج، ولكن ماذا لو فاجأك، ذات ليلة؟ تفتح عينيك، تراه قائماً للتو من فراشك، يحرّك رأسه تعباً من النوم فوق وسادة أحزانك، يجلس على كرسيك منتظراً ان تصنع له فنجان القهوة، يشربه معك. تتنهد بحسرة وتقف. تضع بلة القهوة، وتشعل الغاز، بينما يصدح صوت فيروز، تحاول جاهداً أن تتمتم أغنياتها، وتطرد الضيف الباقي. من دون جدوى. نحن هكذا، نجهل كل شيء في لحظة، ونفقد أحلامنا، نتجاهل لحظة شعرنا فيها بالفرح يرقص في أعماقنا، ونركض وراء اللحظات الباكية، تقطر عيونها دمعاً حزيناً. نجلس تحت سماء الذاكرة، تسقط علينا أمطارها، أمطار الذكرى البالية الرثّة. تمر الغيوم فوق رؤوسنا سوداء، تعرض لنا صوراً لا تقل سواداً عنها. فجأة، نراها أمام عيوننا. نحاول أن نتجاهلها، ولكن المطر المتساقط فوق رؤوسنا تضرب حبّاته جدار ذاكرتنا، فنعرف الحقيقة القديمة المتجددة. نعرف أن ما نراه ليس إلا جزءاً من ماضينا. ونبقى جالسين تحت المطر، مطر الذاكرة. لا نحمل مظلّة تقينا هذا المطر. لماذا؟ ولا نفكر بالدفء يحمينا من برد الأيام الظالمة. فجأة توقظك القهوة من سحر الذكريات، وهي تطفو على الغاز، تتلفت حولك: يناديك ضوء الصباح. انتظر قليلاً! لماذا توصد الباب؟ تغلق النافذة، وتبقى حبيس العتمة؟ ثم كيف تسمح لنفسك أن تسمع همس الماضي القديم وحزنه يصرخ في أذنك؟ ولا تسمع نداء الصباحات المتتالية المتجددة وصراخها يهمس في أعماقك؟ اللاذقية - ربا غسان الحايك محررة