ليس من مصلحة سورية والاردن تأزيم علاقاتهما الثنائية، خصوصاً في هذه المرحلة بالذات. ليس من مصلحة دمشق، لأنها ليست بحاجة الى مزيد من الخصوم في المنطقة والعالم، بعد ما حصل في العراق وما يجري تباعاً في واشنطن وتركيا وايران. وقاله العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، عن ضرورة ضبط الحدود السورية - العراقية، يمكن ان يؤخذ على انه نصيحة يشكر عليها، على رغم ان الحساسية السورية العالية - وربما المتوقعة - تجاه مثل هذه التصريحات، قد تكون مسؤولة عن رد الفعل المبالغ به. وليس من مصلحة عمّان الرد على الحملة الاعلامية السورية بالتصعيد المقابل، لأن ذلك لن يفيد بلداً يسعى الى التكيف مع وضع جديد فرضه التغيير في العراق الذي كان وسيبقى، بغض النظر عن نتائج المغامرة الأميركية، وعن طبيعة النظام الذي يحكمه، بلداً مهماً وحيوياً بالنسبة للأردن، ويفترض ان يكون كذلك بالنسبة لسورية وباقي دول المنطقة. الحال هي ان الخلاف الرئيس بين عمّان ودمشق، عدا عن التنافس على الأدوار الاقليمية، هو خلاف بين بلد يراهن على نجاح من نوع ما للمشروع الأميركي في العراق والمنطقة، حتى ولو كان نجاحاً جزئياً، وبلد يراهن في المقابل على فشل المشروع بالكامل، وعلى مختلف الصعد. وعلى رغم انه من الصعب التكهن بما قد يتمخض عن الاحتلال الاميركي للعراق ونقل السلطة فيه تدريجياً الى العراقيين، فإن الأكيد هو ان التغيير الكبير في العراق حصل، على رغم انه لم يكتمل بعد. وهذا يعني ان الفشل الاميركي، وهو ربما ما تراهن عليه دمشق، لن يعيد العراق الى ما كان عليه قبل الحرب والاحتلال، وبالتالي، لن يخدم بالضرورة المصالح السورية. فباستطاعتنا ان نصنع العجة من البيض العراقي، إلا اننا لا نستطيع ان نصنع بيضاً من العجة الاميركية. كما ان النجاح الاميركي لا يعني بالضرورة، وتلقائياً، خدمة المصالح الاردنية أو الإضرار بالمصالح السورية على المدى المتوسط أو البعيد. على الأغلب، لن يكون هناك نجاح اميركي قطعي في العراق، كما يستبعد ان تفشل اميركا بالكامل في مشروعها الطموح. الأكيد هو ان واشنطن تراهن اليوم كثيراً على مشروعها هذا، ربما اكثر مما راهنت على مستقبل أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، ومستقبل روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. فهي لم ترسل جنودها لإطاحة نظام صدام واحتلال العراق بكلفة أولية تقدر بحوالى مئة بليون دولار في السنة، كي تفشل في غضون سنة او سنتين أو ثلاث. فالمشروع الاميركي لا يستهدف مجرد الحفاظ على المصالح الاميركية الحيوية المتمثلة بالنفط ، والتي كان نظام صدام يمثل تهديداً لها في شكل متزايد بفضل فشل التسوية السلمية في فلسطين وتراجع النفوذ الاميركي الاقليمي، معطوفاً على تنامي ظاهرة التطرف. فالمشروع، الذي ولد من رحم 11 ايلول سبتمبر، يستهدف تغييراً جيوسياسياً على نطاق اوسع يتطلب استثماراً طويل الأمد قد يمتد عقودا لتحقيق أهدافه الحقيقية، وهي استعادة الشرق الأوسط منطقة نفوذ اميركية بلا منازع. لذلك، ليس هناك من داع للتوتر بين عمانودمشق. فاللعبة أكبر بكثير، وربما بدأنا نشهد تداعياتها على نطاق عالمي. الكل متوتر، والكل مستهدف بالتغيير، بطريقة او بأخرى.