قبل اكثر من شهر، وعلى هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، جمعت كوندوليزا رايس مستشاري رؤساء ورؤساء حكومات أوروبية وروسيا الى عشاء عمل، وتحدثت اليهم عن الهدف الاول للادارة الاميركية في العراق. خاطبت الالماني الذي كرمته في وضع كرسيه مقابل كرسيها على المائدة، بقولها: "أنتم في ألمانيا وغيركم في أوروبا، ما كنتم لتكونوا هنا في اطار انظمة ديموقراطية لو لم تقم الولاياتالمتحدة بإزالة النازية من المانيا. والولاياتالمتحدة فتحت الباب في المانيا في العام 1945 للديموقراطية في اوروبا". وتابعت رايس: "هذا هو الهدف الاول لسياستنا في الشرق الاوسط. لقد ضربنا في 11 ايلول على ارضنا وأدركنا بعد ذلك انه ينبغي ان تكون الديموقراطية في العراق الباب الاول لاقامة انظمة ديموقراطية في المنطقة". ودار نقاش فسألها احدهم عن حل الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي، اجابت بأنه "ليس أولوية الديموقراطيين في المنطقة العربية لأن حل الصراع لن يكون ضماناً لبسط الديموقراطية على الاراضي العربية". تحدثت عن إرثها كسيدة سوداء من اهل لم تكن لهم حقوق مدنية في الولاياتالمتحدة و"حصلوا عليها من نضال مارتن لوثر كينغ الذي استند الى الدستور الاميركي". واعتبرت ان الاولوية في ديموقراطية العراق هي لوضع دستور للبلد. وحين أشار احد الموجودين الى ضرورة انتخاب جمعية تشريعية لتضع مثل هذا الدستور إذ لا يمكن ان يوضع في ظل سلطة احتلال تحكم البلد وتدير شؤونه، خالفته رايس في الرأي من منظور ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش، الخاص بالديموقراطية. فما هذه الديموقراطية الاميركية التي ترفض مبدأ انتخاب جمعية تشريعية لدرس وضع دستور؟ من يضعه ويكتبه الآن في العراق؟ عراقيون موالون لسلطة اميركية محتلة ومنهمكة بتدهور امني لا تتمكن من ضبطه! وما هذه الديموقراطية التي تقرر تسليم اعادة اعمار العراق الى شركتين اميركيتين هما بكتيل وهاليبرتون؟ اما بالنسبة الى المنطقة العربية، فهل ان بوش ورايس يهتمان مثلاً بالاستحقاق الرئاسي المقبل في لبنان؟ او في الجزائر؟ او في تونس؟ أو في غيرها من بلدان المنطقة العربية التي يتمنى كل رؤسائها البقاء الى الابد. في لبنان مثلاً وصل الوضع الاقتصادي والسياسي الى اهتراء خطير، الكل يتساءل من يكون الناخب الاول لرئيس الجمهورية في العام 2004؟ هل سيكون في امكان سورية ان تجدد للرئيس الحالي او هل ان الولاياتالمتحدة لن تسمح بذلك وتتيح فرصة انتخاب رئاسي حر نسبياً؟ الادارة الاميركية مهتمة بالضغط على سورية أولاً وأخيراً لضبط حدودها مع العراق ومنع تسلل مَن يقوم بعمليات ضدها وأيضاً بضبط "حزب الله" كي لا يهدد اسرائيل. أما لبنان ومصيره وهجرة شبابه واهتراء وضع حرياته واقتصاده وسياسته فليست في اولوياتها، على رغم ما تدعيه السيدة رايس. الاستحقاق الرئاسي اللبناني ورقة ضغط اميركية على سورية وليس هدفه بسط الديموقراطية في عالم عربي شعبه من المشرق الى المغرب متعطش الى الحرية والى محاسبة طبقة سياسية فاسدة والى الانفتاح. وماذا عن الاستحقاق الرئاسي في الجزائر؟ هنا ايضاً يتمنى رئيس جمهورية، عبدالعزيز بو تفليقة، البقاء الى الابد رئيساً للبلاد ويراهن على تأييد المؤسسة العسكرية للتجديد له. فماذا صنع في عهده؟ بلد لديه ثروة نفطية وغازية مكنته من امتلاك احتياطي بمستوى يفوق 20 بليون دولار... ولم يتمكن من تأمين ما يكفي من المنازل والسكن الكريم لشعب مشرد يعاني من بؤس اجتماعي متزايد. الشركات النفطية الاميركية تتوافد بكثافة الى الجزائر، البلد الغني بموارده الطبيعية والذي تختاره الادارة الاميركية حليفاً استراتيجياً في منطقة المغرب، ولكن هل هي مهتمة باللعبة الديموقراطية الحقيقية فيه ام انها اكثر اهتماماً بأن تحصل شركاتها على حصة الاسد من غازه ونفطه؟ وماذا عن الاستحقاق الرئاسي المقبل في تونس؟ هنا ايضاً لعبت الولاياتالمتحدة دوراً اساسياً في دعم الانقلاب على الرئيس الراحل بورقيبة. ومنذ ذلك الوقت اعتبرته النظام البديل حليفاً اساسياً في المغرب العربي علماً بأن "ديموقراطيته" باتت تستند الى رئاسة ابدية. الحلم العربي بديموقراطية حقيقية يحاسب على اساسها الشعب طبقته السياسية، ليس متطابقاً مع الاولوية الاميركية التي تفصّل الديموقراطية طبقاً لمصالحها الخاصة في المنطقة.