سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
وزير الطاقة السوداني ل "الحياة" : لا يوجد مبرر لتقسيم النفط إذا كنا نعتزم البقاء دولة واحدة خامنا أغلى من "برنت" وإنتاجنا سيتجاوز نصف مليون برميل يومياً
منذ أن استخرج السودان النفط عام 1999، أصبحت عائداته، على قلتها في الوقت الراهن، سبباً إضافياً قوياً للتصارع على تقاسم الثروة بين الشمال والجنوب. فالحقول التي يُستخرج منها النفط تقع بين الشمال والجنوب بنسبة 50 في المئة تقريباً لكل طرف. لكن وزير الطاقة والمعادن السوداني، د. عوض الجاز، يعتقد أن هناك مؤشرات جيولوجية عديدة في مواقع مختلفة من السودان، تؤكد أن الإنتاج سيتزايد بشكل مطرد في السنوات القليلة المقبلة، وأنه لن ينحصر في مناطق التماس بين الشمال والجنوب، بل سيتوزع على الشرق والغرب والوسط. "الحياة" التقت الوزير السوداني في مكتبه في الخرطوم وأجرت معه الحديث الآتي: كم حجم الانتاج السوداني حالياً، وكم حجم الاستهلاك المحلي؟ - يبلغ الانتاج الآن أقل قليلا من 300 ألف برميل يومياً، لكنه سيرتفع الى نحو 320 ألفاً مطلع السنة المقبلة. ويتراوح إستهلاكنا المحلي ما بين 80 الى 90 ألف برميل في اليوم، وبالطبع يُخصص الباقي للتصدير. هل ستأتي الزيادة من الحقول الراهنة أم هناك توسعات في التنقيب؟ زيادة الانتاج المشار إليها أعلاه ستأتي أساساً من حقل "هجليج - الوحدة". لكن السنوات المقبلة ستشهد زيادة كبيرة من حقول أخرى متفرقة، لم يتم استخراج النفط منها سابقاً. كما سيكتمل في السنة المقبلة بناء خط أنابيب يمتد من منطقة الفولة في غرب السودان ويبلغ طوله 730 كيلومتراً لينتهي عند مصفاة الجيلي بضواحي الخرطوم. وسينقل هذا الخط في مرحلته الأولى 12 ألف برميل ثم سترتفع الكمية الى 40 ألفاً، بينما تصل طاقته القصوى الى 100 ألف برميل يومياً لكي يستوعب أي اكتشافات مستقبلية. كما نتوقع في نهاية السنة المقبلة أن يكتمل خط آخر يمتد من "مربعي 3 و7" في حقلي النيل الأبيض وأعالي النيل ويصل الى ميناء بشاير على البحر الأحمر. وسيساهم هذا الخط في زيادة الصادر بدرجة كبيرة. يعني في مطلع سنة 2005، كم تتوقع أن يكون انتاج السودان؟ - أكثر من 500 ألف برميل يومياً. هل فكرتم في الانضمام الى "أوبك"؟ - نحن الآن عضو مراقب في "أوبك"، فقد دعتنا المنظمة إلى هذا الموقع قبل نحو عامين. أما التحوّل الى العضوية الكاملة فهذا القرار تتخذه الدولة عندما تشاء. ولا أعتقد أن هناك مشكلة في أن يصبح السودان عضواً في المنظمة. وكوننا قبلنا عضوية المراقب فذلك يعني أن نية الانتقال للعضوية الكاملة موجودة. لماذا خرجت شركة "تاليسمان" الكندية من السودان؟ - والله هذا السؤال يجب أن يُوجه لهم. ولكن حسب أقوالهم فإن استثمارهم في السودان كان أكبر استثماراتهم وأكثرها ربحية. وكانت الشركة "التي تُعد إحدى ركائز أكبر كونسورتيوم نفطي في السودان"، حريصة جداً على بقائها في السودان وعدم الخروج منه، لكنها، كما قال مديرها، واجهت ضغوطا شديدة للخروج من السودان. ضغوط من حكومتهم؟ - لا ليس من حكومتهم، ولكن يبدو من جيرانهم في إشارة واضحة للولايات المتحدة التي تفرض حظراً على السودان. بل على العكس فإن الحكومة الكندية كانت سعيدة بنجاح "تاليسمان" وتفخر بإنجازاتها وأدائها في السودان على رغم أنها شركة خاصة وليست حكومية، وتتمنى لها أن تتوسع في استثماراتها. وبالفعل، فإن "تاليسمان" كانت قبل خروجها قدمت طلباً للتنقيب في مناطق أخرى في السودان، لكنها في تلك الفترة ذاتها واجهت الضغوط السياسية التي أشرنا إليها. ولأن "تاليسمان" شركة مساهمة عامة ولديها أسهم في البورصة فربما شعر حملة الأسهم بحرارة الضغط السياسي وخافوا على أرباحهم. لذا فقد خرجت الشركة من السودان وهي آسفة لأن تترك خلفها استثماراً مربحاً بهذا القدر. وقد أكد مسؤولوها في عدة مناسبات أن مناطق النفط في السودان آمنة من الحرب الأهلية. وكانت "تاليسمان" اشترت نصيب شركة "ستات أويل" الكندية أيضاً، لأن الأخيرة شركة صغيرة وإمكاناتها المادية لم تسمح لها بمواكبة التوسعات التي حدثت في الاستثمارات النفطية في السودان. هل هناك تنقيب في مناطق أخرى غير تلك الواقعة على الحدود بين الشمال والجنوب؟ - نعم، الآن بدأ العمل في ما نسميه "مربع 9"، وهو يقع في ضواحي الخرطوم ويشمل جزءاً من ولاية الخرطوم نفسها، لكنه أيضا يشمل أجزاء من ولاية الجزيرة المتاخمة للخرطوم، ويشمل كذلك مناطق من النيل الأزرق ونهر النيل. وقد منحنا حق الامتياز والتنقيب في هذه المناطق منذ آب أغسطس الماضي، وبالفعل بدأت الشركة المعنية بمباشرة المسوحات الأولية. أي شركة؟ - هذه شركة باكستانية تُسمى "ظافر"، وهي التي حصلت على حق الامتياز في ذلك الحقل. هل تعمل وحدها أم ضمن كونسورتيوم؟ - تعمل مع شركة "سودابت" السودانية التي تُوجد في أي كونسورتيوم آخر يعمل في مجال النفط في السودان. ومن ضمن مناطق التنقيب الجديدة هناك أيضا "مربع 8" الذي يشمل ولاية سنار في وسط السودان وجزءاً من ولاية النيل الأزرق. ويتولى التنقيب في هذا الحقل كونسورتيوم مكونٌ من شركة "بتروناس" الماليزية وشركة "سودابت" و"مجموعة التقنية" ومجموعة شركات سودانية أخرى. وهناك أيضا حقل ثالث يُسمى "مربع سي" ويقع جنوب دارفور في غرب السودان، وتتولى التنقيب فيه شركة سويسرية، لا أستحضر اسمها الآن، و"مجموعة التقنية" وشركة "هجليج" بالاضافة الى "سودابت". وقد حصل هذا الكونسورتيوم على حق الامتياز في هذا الحقل قبل شهر واحد فقط. يذكر هنا أن السودان يتوقع أن ينتج غازا طبيعياً من حقول سنار لأن إحدى الآبار التي حُفرت هناك أظهرت شواهد واضحة على وجود غاز طبيعي. كما أننا عثرنا على الغاز المصاحب للنفط في آبار منطقة الفولة، لكننا نتوقع أن يتم الانتاج الأساسي للغاز من حقل سنار في وسط السودان، وكذلك من حقول البحر الأحمر في شرق السودان على رغم أنها لم تُرخص بعد. كم حجم الاحتياط أو المخزون الأرضي المُكتشف؟ - الإجابة على هذا السؤال سابقة لأوانها، لأنك لا تستطيع تحديد المخزون في حقل معين إلا عندما تكتمل جميع عمليات الحفريات في الحقل. أما إنتاجنا الحالي في السودان فهو يشكل فقط جزءاً بسيطاً من الحقل الأول المُرخص. ولأن أعمال المسوحات والتنقيب لا تزال جارية فمن الصعب علينا تحديد احتياط النفط الكلي في السودان. ولكن حسب الشواهد الأولية، فإن السودان موعودٌ بأن يكون أحد الأقطار التي فيها مخزون نفطي وغازي كبير. كما أن نوع الخام السوداني يعتبر عالي الجودة لأنه خالٍ من الشوائب الأرضية خصوصاً الكبريت، وهذه هبة من الله وليست إجتهاداً منا. وبسبب الجودة العالية فنحن عادة نبيع نفطنا بأسعار تفوق سعر خام برنت البريطاني المعروف بأنه خام القياس العالمي. ما سبب اعتقادك أن السودان موعود بنفط وفير؟ - السبب نسبة النجاح العالية في أعمال الحفر. فالذي يحدث عادة هو أنك تقوم بالمسوحات الجيولوجية الأولية لكي تحدد المواقع التي ترغب التنقيب فيها، ثم تبدأ حفر الآبار لتحديد حجم البركة البترولية تحت الأرض. فنسبة الآبار التي يخرج منها النفط مقارنة بالعدد الكلي للآبار المحفورة هو ما يُعرف بنسبة النجاح، وقد راوحت هذه النسبة في حفريات السودان الأخيرة في جميع حقول الامتياز التي أشرت إليها بين "80 و85 في المئة"، وهذه نسبة مرتفعة للغاية، بل حتى الشركات النفطية العاملة معنا تعتبرها نسبة نجاح كبيرة جداً مقارنة بما يحدث في صناعة النفط بشكل عام. هذه كلها شواهد علمية على أن السودان يملك مخزوناً نفطياً كبيراً. هل سيتم تقسيم النفط بين الشمال والجنوب ضمن مفاوضات السلام المقرر عقدها في 30 من الشهر الجاري؟ - عائدات البترول تصب جميعها في الخزينة العامة ثم تُقسم بعد ذلك على الأقاليم المختلفة حسب حاجة كل إقليم وبحضور وزراء المال من كل الأقاليم. والواقع هو أن البترول المنتج الآن في السودان ليس كله في الأقاليم الجنوبية، بل تكاد النسبة تكون متساوية 50 في المئة لكل من الشمال والجنوب، أو ربما بنسبة "40 إلى 60" في المئة. وقد ظل الجنوب طوال عقود طويلة يصرف من الخزينة المركزية من دون أن يُدخّل عليها قرشاً واحداً. فلماذا يطالب الآن بتخصيص عائدات النفط له. فإذا قبلنا بمبدأ التقسيم بهذه الطريقة، فهل سيطالبون في حصة من أي نفط يُنتج في الأقاليم الشمالية في المستقبل؟ وماذا عن الجنوبيين الذين يعيشون في الشمال، وهم عددٌ ضخم، فهل ينفق هؤلاء من أموال الشمال أم الجنوب؟ ولكن "ايغاد" أعلنت أنها ستقترح اقتسام النفط بنسبة 50 في المئة لكل طرف، بدلاً عن نسبة 80 في المئة التي يطالب بها قرنق أو نسبة 90 في المئة التي تطالب بها الخرطوم. - هذا المنطق سيدخلنا في تعقيدات كبيرة. فمثلاً، الأقليم الأوسط "موقع أكبر المشاريع الزراعية في السودان" ظل تاريخياً يعول جميع السودان، من دون أن يطالب أهلُه بتخصيص ثروتهم لهم وحدهم. كما أن السودان ينتج أيضا كثيراً من المعادن بما فيها الذهب من الولاياتالشرقية، وهي أيضاً لم تطالب بتخصيص دخل المعادن لها. فنحن إما أننا نتحدث عن بلد واحد أو عن أكثر من بلد. واذا كان الإفتراض أنه بلدٌ واحدٌ فلا حاجة إلى قيام عملتين ومصرفين مركزيين وموازنتين للنفط، واحدة للشمال والأخرى للجنوب. هذا لا يعني أننا لا نعترف بضرورة تخصيص بعض المبالغ لمجلس الجنوب بهدف إعادة بناء ما خربته الحرب وتنشيط التنمية في الجنوب. أما أن يجلس كل شخص الى الطاولة ويتمنى النسبة التي يرغب فيها، فهذا غير صحيح، لأنه كلما أعطيته ما طلب، يطالبك بالمزيد. ما هي المناطق التي تتوقعون أن تتم فيها اكتشافات كبيرة، غير مناطق الإنتاج الراهنة؟ - من حيث الشواهد النفطية للمناطق التي لم تُرخص بعد، فمنطقة البحر الأحمر في شرق السودان، والتي عملت بها في السابق شركتا توتال الفرنسية وشيفرون الأميركية قبل خروجها من البلاد، فيها ثلاثة حقول أحدها يتضمن "بئر أفشور" منتجة للنفط منذ العهود السابقة. لكن التنقيب في هذه الحقول متوقف منذ فترة طويلة ولم تُمنح رخص جديدة بعد. كما أن هناك حقلاً في المنطقة الشمالية من السودان لم يُمنح ترخيصاً بعد، والشيء نفسه ينطبق على حقل قريب من الحدود الغربية، وكذلك منطقة كردفان ومنطقة القضارف. ويذكر أن عدداً كبيراً من الشركات تقدم بطلبات للحصول على حق الإمتياز في هذه الحقول. ونحن من جانبنا ننتظر حتى يُقفل باب التقديم ثم نبدأ بفرز الطلبات كي نختار العروض الأفضل. فالحديث عن أي المناطق ستكون أوفر انتاجاً يصعب التكهن به، لأن حجم المخزون النفطي لأي حقل لا يتحدد إلا بعد أن تتم أعمال الحفر والتنقيب الشاملة لهذا الحقل. لكن الحفريات الأولية في "مربع 8" حول مدينة سنار والنيل الأبيض "الذي تنقب فيه شركة بتروناس الماليزية" تشير إلى أن هناك اكتشافات بترولية كبيرة. ما هي المشاريع المثيرة الجديدة؟ - هناك طبعاً خط الأنابيب الجديد، الذي سنحتفل بافتتاحه قريبا، والذي يمتد من منطقة الفولة في غرب السودان حتى مصفاة الخرطوم. وأيضاً نأمل في الانتهاء منتصف السنة المقبلة من توسعة مصفاة الخرطوم برفع طاقتها التكريرية من50 ألف برميل الى 100 ألف برميل يومياً. كما أننا نعمل على توسعة مصفاة بورسودان من 25 ألف برميل الآن الى مئة ألف برميل يومياً أيضا. وستؤدي توسعة المصفاتين الى زيادة كبيرة في صادرات المشتقات المكررة مثل البنزين والغازولين، وهو ما نعتبره طفرة مهمة في صناعة النفط السودانية وسنداً قوياً لصادرات الخام. وفي هذا الإطار نتفاوض حالياً مع إحدى الشركات لبناء خط أنابيب جديد لنقل المشتقات المكررة من مصفاة الخرطوم إلى البحر الأحمر، حيث سنفتتح السنة المقبلة ميناءً جديداً أطلقنا عليه أسم "ميناء الخير". وسيُخصص "ميناء الخير"، الذي يقع بين ميناء بورسودان ومصفاة بورسودان، لتصدير المشتقات المكررة مثل البنزين والغازولين مما يُعتبر تتويجاً للتوسع في تصدير النفط المكرر. ولأن مضاعفة الطاقة الانتاجية لمصفاة الخرطوم "من 50 الى 100 ألف برميل" ستؤدي الى فائض في المنتجات المكررة، اضطررنا إلى بناء خط يُضاف الى الخط القديم الذي كان يجلب المشتقات من بورسودان الى الخرطوم، إبان سنوات الإستيراد، ولكن بعد أن بدأ السودان يصدّر النفط عكسنا اتجاه الخط القديم لنستفيد منه في التصدير بدل الاستيراد. ذكرت أن شركة سويسرية تنقب في غرب السودان، هل هناك شركات غربية أخرى تعمل في مجال النفط في السودان؟ - نعم، هناك شركة "أو آند في" النمسوية، وشركة "لومبيد" السويسرية، وهما تعملان منذ فترة في مربعي "5أ و5ب" في منطقة جنوب بانتيو في جنوب السودان. كما أن هناك شركات ألمانية وإيطالية تقدمت بعروض للتنقيب، لكنها لم تحصل على تصديق بعد. غير أن بعض الشركات الألمانية والإيطالية والفرنسية تعمل معنا في نشاطات النفط الأخرى مثل بناء خطوط الأنابيب، بينما تعمل شركات بريطانية في بناء محطات الضخ ومحطات توليد الكهرباء. ومن الشركات البريطانية مثلاً، "رولس رويز" وشركة "ألن ديزل". إذن فهناك شركات أوروبية عديدة تعمل في السودان في الأنشطة البترولية المختلفة، بينما ينحصر التنقيب والاستخراج في الشركتين النمسوية والسويسرية اللتين ذكرتهما سابقاً. هل هناك طاقة انتاجية فائضة تخصصونها كإحتياط استراتيجي؟ - انتاجنا الآن في الحقول، أكثر مما ينقله خط الأنابيب. فالطاقة الراهنة للخط 280 الف برميل يومياً، لكنه يستطيع نقل 500 ألف برميل يومياً كطاقة قصوى، ولكن للوصول إلى هذه الطاقه لا بد من بناء محطات ضخ إضافية وتوسيع ما يُسمى بمنطقة التجميع. لذا فنحن نحتاج الى القيام بتحسينات في الخط كلما زاد إنتاجنا من الحقول، وهذا ما نقوم به فعلاً.