ربما لم يخرج الوضع في العراق عن السيطرة بعد، الا ان الولاياتالمتحدة تتلمس طريقها في مواجهة عداء اثاره احتلالها بين عراقيين أرغموا على دفع ثمن باهظ للتحرر من حكم الرئيس السابق صدام حسين. ويقول منتقدو واشنطن داخل العراق وخارجه بمن فيهم المرحبون بالهدف العام، اي إقامة نظام مستقر وديموقراطي ومزدهر ان منهجها الفظ الذي يعطي أولوية للامن يتعرض لفشل. وخسر الجيش الاميركي الى الآن اعداداً من القتلى على مدى ستة أشهر، منذ ان أعلن الرئيس جورج بوش انتهاء الحرب أكثر مما خسر في الحرب ذاتها. وقال غاري سيمور من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن "ان الادارة ادارة بوش قلقة للغاية الا يكون تأييد الشعب للاحتلال قوياً". واضاف: "الهدف العاجل هو استقرار الوضع قبل الانتخابات الاميركية. واذا غادر الاميركيون الآن ستنشب حرب أهلية". ويشير مسؤولون اميركيون الى هدوء نسبي في شمال العراق وجنوبه، لكن العنف الذي لا يتوقف في بغداد وحولها يمكن ان يزج القوات الاميركية في صراع يتحرك بسرعة مع أعداء يائسين يمكن ان يتجمعوا في يوم ما ليصبحوا خصماً أشد منعة. ويرى مصطفى علاني من معهد دراسات الامن والدفاع وهو مركز أبحاث في لندن ان من السابق لأوانه افتراض امكان توحد أجانب واسلاميين محليين وبعثيين سابقين وعراقيين غاضبين من المحتلين ليخوضوا حرب عصابات منسقة. واضاف: "لكن اذا تمكنوا من ان تكون لهم قيادة وسيطرة مركزية للتنسيق سيصبح الاميركيون في حرج كبير". وقتلت المقاومة بالفعل 118 جندياً اميركياً منذ أول ايار مايو مقابل 114 جندياً قتلوا في الحرب التي أطاحت صدام حسين لكنها فشلت في الامساك به او العثور على أسلحة دمار شامل. ودفعت التفجيرات الانتحارية، ومن بينها هجمات على مقر الصليب الاحمر وثلاثة مراكز للشرطة في بغدادالاممالمتحدة الى مغادرة المدينة في ضربة لجهود الاعمار التي تضررت بالفعل من الجريمة والتخريب. ويعترف وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد بأنه لا توجد حلول قصيرة المدى لمنع المهاجمين الذين يفجرون أنفسهم. ويقول "ان مهمة استئصال الارهابيين والجماعات الارهابية تتمثل في العثور عليهم واعتقالهم او قتلهم". لكن كثيرين من العراقيين خصوصا في "المثلث السني" الذي يضم بغداد متسامحون فيما يبدو مع العنف المعادي للولايات المتحدة. ولم تظهر سوى علامات قليلة على الامتعاض وسط العراقيين حتى بالنسبة الى هجمات مثل تفجير مقر الاممالمتحدة او الصليب الاحمر. ويقول منتقدو السياسة الاميركية انه لا بد من حصول العراقيين على دور أكبر في حكم أنفسهم وتحمل المسؤولية عن أمنهم. وجدد وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دو فيلبان الخميس دعوة فرنساالاممالمتحدة للقيام بدور اكبر في العراق، ودعا الى تشكيل حكومة عراقية موقتة ربما قبل صوغ دستور جديد وقبل ان يكون اجراء الانتخابات ممكناً. وقال: "هناك سبيلان: إما عن طريق الانتخابات الا انه سيكون طويلاً وصعباً او من خلال عملية كالتي جرت في افغانستان والتي ستسمح لمجلس عراقي بأن ينتخب حكومة عراقية موقتة". ويصر بول بريمر رئيس الادارة المدنية الاميركية للعراق، الى الآن، على صوغ دستور واقراره من خلال استفتاء قبل اجراء انتخابات لتشكيل حكومة ذات سيادة كاملة. إلا ان مجلس الحكم العراقي الذي عينته الولاياتالمتحدة والذي طالبه مجلس الامن بتقديم جدول زمني لهذه العملية بحلول منتصف كانون الاول ديسمبر لديه سلطة محدودة وشعبيته بين العراقيين قليلة. وانتقدت أصوات عدة في المجلس الذي يضم 25 عضواً المنهج الاميركي، وعارضت جهود واشنطن التي لم تحقق نجاحاً كبيراً في دفع دول اخرى الى ارسال قوات الى العراق وترى انه يمكن للعراقيين وحدهم التعامل مع خطر المقاومة. لكن لا يوجد اجماع على الطريقة لتحقيق هذا. ويطالب بعضهم باستدعاء كل وحدات الجيش العراقي التي فككها بريمر في ايار مايو الماضي في اطار مسعى لتخليص العراق من إرثه البعثي. ويطالب بعضهم بتجنيد قوات جديدة بسرعة. وهناك آخرون، من بينهم فصيل شيعي رئيسي، محبطون لأن الاميركيين رفضوا منح الميليشيا التابعة لهم دوراً أمنياً، بل طالبوا بتفكيكها. ويدعو بعض المحللين الى استدعاء الجيش الذي لم يشارك كثير منه في القتال اثناء الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة بينما لا يزال الضباط يحتفظون بعلاقات مع الرجال الذين كانوا تحت قيادتهم. ويقول علاني: "لا وقت لبناء جيش جديد ومن ثم فعلى الاميركيين قبول ما لا يمكن قبوله وهو الاعتماد على الجيش القديم." وأضاف: "البديل الوحيد هو مضاعفة عدد القوات الاميركية وهو امر مستحيل من الناحية السياسية." وتابع ان على الولاياتالمتحدة ان تقبل على الصعيد السياسي انه لا يمكن لمجلس الحكم كسب الشرعية ويجب ان "تعطي أملاً لمن هم ليسوا في المجلس".