111 رياضيًا يتنافسون في بادل بجازان    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    "موديز" ترفع تصنيف المملكة الائتماني عند "aa3"    600 شركة بولندية وسلوفاكية ترغب بالاستثمار في المملكة    المملكة تعزز التعاون لمكافحة الفساد والجريمة واسترداد الأصول    «واتساب» يتيح التفريغ النصي للرسائل الصوتية    قصف إسرائيلي يودي بحياة العشرات في المدن الفلسطينية    آل غالب وآل دغمش يتلقون التعازي في فقيدهم    أمراء ومسؤولون يواسون أسرة آل كامل وآل يماني في فقيدتهم    ضبط 19696 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    "ليالي المحافظات" تنطلق في شتاء جازان 2025 بألوان التراث والفلكلور    بحضور سمو وزير الثقافة.. «الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    تحفيزًا للإبداع في مختلف المسارات.. فتح التسجيل في الجائزة السنوية للمنتدى السعودي للإعلام    فعاليات متنوعة    القِبلة    30 عاماً تحوّل الرياض إلى مركز طبي عالمي في فصل التوائم    الأكريلاميد.. «بعبع» الأطعمة المقلية والمحمصة    «النيابة» تدشن غرفة استنطاق الأطفال    «صواب» تشارك في البرنامج التوعوي بأضرار المخدرات بجازان    القبض على مقيم لاعتدائه بسلاح أبيض على آخر وسرقة مبلغ مالي بالرياض    مشكلات المنتخب    تأثير اللاعب الأجنبي    الزمالك يسقط في برج العرب ويواجه أول هزيمة في الدوري    الخليج يُذيق الهلال الخسارة الأولى في دوري روشن للمحترفين    فرع وزارة الصحة بجازان يطلق حزمة من البرامج التوعوية بالمنطقة    مستقبل جديد للخدمات اللوجستية.. شراكات كبرى في مؤتمر سلاسل الإمداد    "تقني‬ ‫جازان" يعلن مواعيد التسجيل في برامج الكليات والمعاهد للفصل الثاني 1446ه    خسارة إندونيسيا: من هنا يبدأ التحدي    ارتباط وثيق بين السكري والصحة النفسية    سالم والشبان الزرق    الجمعان ل«عكاظ»: فوجئت بعرض النصر    الحريق والفتح يتصدران دوري البلياردو    بوتين: الحرب في أوكرانيا اتخذت "طابعًا عالميًا"    موسم الرياض.. رؤية لسياحة مستدامة    المدى السعودي بلا مدى    1.7 مليون ريال متوسط أسعار الفلل بالمملكة والرياض تتجاوز المتوسط    معتمر فيتنامي: برنامج خادم الحرمين حقّق حلمي    قوة المملكة الاقتصادية ورفع التصنيف    الأساس الفلسفي للنظم السياسية الحديثة.. !    إسرائيل تستهدف قياديًا في «حزب الله»    إبر التنحيف وأثرها على الاقتصاد    «سلمان للإغاثة» ينظم زيارة للتوائم الملتصقة وذويهم لمعرض ترشح المملكة لاستضافة كأس العالم 2034    جمعية تآلف تحتفل باليوم العالمي للطفل بفعاليات ترفيهية وبرامج توعوية    فيصل بن مشعل يستقبل وفداً شورياً.. ويفتتح مؤتمر القصيم الدولي للجراحة    اختتام المؤتمر العربي لرؤساء أجهزة مكافحة المخدرات    ضبط شخص في عسير لترويجه الحشيش عبر مواقع التواصل    وزير التعليم يزور جامعة الأمير محمد بن فهد ويشيد بمنجزاتها الأكاديمية والبحثية    الطقس يهدد الولايات المتحدة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    1850 متدربا ومتدربة على المانجا في اليابان    "العوسق".. من أكثر أنواع الصقور شيوعًا في المملكة    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    ترمب يرشح سكوت بيسنت وزيراً للخزانة    سعود بن نايف يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    معتمر فيتنامي: أسلمت وحقق برنامج خادم الحرمين حلمي    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعامل مع العراق في باب الإستهلاك الدعائي، لا المعرفة التاريخية
نشر في الحياة يوم 02 - 11 - 2003


Tariq Ali.
Bush in Babylon: The Recolonisation of Iraq.
بوش في بابل: إعادة استعمار العراق.
Verso, London.
2003.
214 pages.
عشية الحرب في العراق، أُثير في دوائر الإعلام العربية نقاش حول ما إذا كانت سياسة "التغيير من الخارج" هي السبيل الوحيد الى تغيير نظام مثل النظام العراقي. غير ان هذا النقاش، وشأن أي نقاش جادّ، سرعان ما أُجهض قبل بلوغ أية خلاصات مفيدة. وقد يُعزى إجهاض هذا النقاش الى حقيقة ان نتائج سياسة "التغيير من الخارج"، وهي غاية الحرب على النظام العراقي وإطاحته، لم تُحسم بعد، ومن ثم، فإن أية خلاصة مفيدة، او غير مفيدة، لهي سابقة لأوانها.
غير ان النتائج غير المحسومة قد لا تتطلب سوى إرجاء النقاش المعني الى ما بعد المرحلة الإنتقالية وقيام نظام سياسي جديد، وليس إجهاضه. وما أجهض النقاش إنما هو دعوة الداعين الى العمل للحؤول دون إستتباب حالة أمن تتيح ظهور نظام جديد. ولقد سارع أصحاب هذه الدعوة الى إستخدام "القشاش" في لعبة الثقافة السياسية، المهيمنة في الأوساط العربية، و"اليسارية الثورية" عموماً، أي ثنائية "الإحتلال والمقاومة"، وبما ينذر بأن المرحلة الإنتقالية ستكون مرحلة ثابتة. فحيث أن الاحتلال في ثقافة كهذه هو رمز الشرّ المطلق، وأن المقاومة رمز الخير غير المتناهي، فإن إختزال ما جرى في العراق، منذ بداية الحرب وحتى اليوم، الى صراع ما بين احتلال ومقاومة يكفي لأن يضع حداً لأي نقاش جادّ، خاصة اذا ما اقتضى مثل هذا النقاش مواجهة حقائق مُحرجة او مؤلمة.
وتصوير الأمر على صورة صراع ما بين احتلال ومقاومة، لا يصدر عن خجل من مواجهة المُحرج والمؤلم من الحقائق، وإنما عن عجز تام عن خوض نقاش يُعنى بسبل بلوغ الأمن والاستقرار والسوية، وخلاصة كل ذلك السلام المحلي والإقليمي أَلم تصبح كلمة "سلام" أقرب الى الشتيمة في ديارنا العامرة؟. والذين استوت مخيلتهم المتقشفة وطاقتهم التعبيرية المحدودة على التسليم بأولوية الصراع، فإن السؤال حول امكانية سيادة الأمن وليس الأجهزة الأمنية وبلوغ حالة السويّة، ليس مما يدخل في حساباتهم القريبة أو البعيدة.
هذا السؤال يغيب تماماً عن كتاب طارق علي المثير العنوان. ولا غرابة في الأمر طالما أن الرجل من بقايا "اليسار الثوري" القديم والذي أمست فرصة الإعلان الوحيدة عن وجوده الشبحيّ مرتبطة بمناطق الصراع، خاصة حينما يكون الصراع الدائر ما بين الولايات المتحدة وقوى محليّة عالم ثالثية. ولقد جاءت الحرب على النظام العراقي بمثابة فرصة ذهبية لطارق علي وصحبه في "اليسار الثوري" الهَرِم، وكانوا اضطروا الى التزام الحياد إزاء الإعتداء الإرهابي على نيويورك، وجزئياً إزاء الحرب التي أعقبتها ضد "القاعدة" و"طالبان"، متذرعين بأن ما كان يجري لهو "صراع ما بين أصوليتين"، على حد تعبير طارق علي في كتابه السابق. لكن منذ سُلط الضوء على الملف العراقي من جديد، وفي ظل التهديد بحرب على نظام صدام حسين، وتنامي حركة المعارضة الجماهيرية للحرب، وجد أمثال علي الفرصة السانحة لإحياء مزاعمهم المتقادمة ونفض الغبار عن شعاراتهم الصَدِئة، ومن هنا كان الكتاب الراهن.
يُصادق علي على اختزال ما يجري في العراق الى ثنائية "الاحتلال والمقاومة"، غير انه لا يتوقف عند حدوده. فهو يحاول استثمار هذا الإختزال من خلال تعميمه على السياسة الدولية عموماً، وبما يخدم الأجندة السياسية ليسار عالمي مناهض للإمبريالية، على ما يأمل الكاتب ويدعو. فما يجري في العراق اليوم إنما هو، على ما يزعم المؤلف، فصل واحد من فصول استئناف السياسة الإستعمارية. وكانت هذه السياسة تعرضت للنكوص بفعل الصراع ما بين القوى "الرأسمالية الإستعمارية" نفسها، وأيضاً بفعل انتصار البديل الإشتراكي في روسيا وشرق أوروبا والصين وكوريا وكوبا وفيتنام، هذا بالإضافة الى صعود الحركات الوطنية في البلدان المستَعمَرة. ولكن مع نهاية الحرب الباردة وسقوط النُظم الإشتراكية وتقهقر النُظم الوطنية في جلّ بلدان العالم الثالث، وعلاوة على ذلك، استواء الولايات المتحدة بوصفها القوة العظمى الوحيدة في العالم، جُعل السبيل سالكاً الى استئناف السياسة الإمبريالية التي كانت القوى الغربية اعتمدتها في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين.
وفي ضوء فرضية كهذه، تأتي محاولة علي قراءة المسألة العراقية بمثابة درس في التاريخ الحديث، وفي بعض الأحيان، الأقل حداثة. وعلى رغم ان الكاتب يُعنى بشكل خاص بتاريخ العراق ما بين سقوط السلطنة العثمانية وحتى اليوم، إلاّ انه في مناسبات قليلة يوغل، وإن على نحو سريع وإسكتشي، في الماضي البعيد. فيحيلنا، مثلاً، على سقوط بغداد بيد المغول في محاولة تشبيه إعتباطية بين ما يجرى اليوم وما جرى قبل سبعة قرون ونصف. ولا بأس لدى الكاتب من إيراد شواهد اعتباطية كهذه، بل قصائد لنزار قباني ومظفر النوّاب وصوّر فوتوغرافية، طالما انه يخدم الدرس الذي يشاء ان يلقّنه للقارىء: إن ما يحاوله الأميركيون لبسط نفوذهم على العراق من خلال إنشاء حكومة عراقية موالية لهم ومخلصة لمصالحهم، السياسية والإقتصادية، لهي، بحسب القراءة المصغّرة للتاريخ العراقي ما بين 1917 و1958، المحاولة الإمبريالية نفسها للإدارة البريطانية في التاريخ المذكور. وكما واجه البريطانيون وأتباعهم العراقيون مقاومة مدنية وعسكرية لم تهدأ إلاّ مع سقوط حكومة نوري السعيد، فإن الأميركيين يواجهون مقاومة مماثلة، ولن يكون نصيبهم من النجاح أوفر من نصيب أسلافهم البريطانيين والمتعاونين معهم.
طارق علي ليس بمؤرخ يُعتد به، وتلخيصه التاريخ العراقي على ذلك الوجه الإختزالي يدخل في باب الإستهلاك الدعائي وليس المعرفة التاريخية. لكن الأدهى من ذلك أن مثل هذا التوظيف الدعائي لا يخدم أياً من تحليله السياسي ولا دعوته الى "المقاومة السياسية للإمبريالية". فالتحليل السياسي الذي يتكلفه الكاتب للمسألة العراقية إنما يرسو على أساس الإفتراض بأن السياسة الأميركية في العراق لهي سياسة إمبريالية. والبرهان الوحيد، او الأقوى، الذي يسوقه على صحة هذا الزعم لهو القراءة الدعائية الغرض للتاريخ العراقي الحديث. غير ان هذه القراءة لا تصح هي نفسها من دون الفرضية التي تحاول البرهان عليها: أن السياسة الأميركية في العراق سياسة إمبريالية.
الى ذلك فالكاتب الذي يحتفي بالمقاومة المسلحة ضد الاحتلال، يدعو الى مؤازرتها في الولايات المتحدة وأوربا من خلال مقاومة سياسية للإمبريالية ترى لماذا ينبغي ان تكون المقاومة مسلحة في العراق وسلميّة في الولايات المتحدة وأوروبا؟ باعتبار ان المقاومة السبيل الى التحرر من الإمبريالية. مع ذلك فإن قراءة الكاتب للتاريخ لا تشي بأن مقاومة كهذه، وإن أفضت الى التحرر المنشود، ستعصم من الصراع الداخلي على السلطة والنزاعات الأهلية، وأخيراً، من وقوع البلاد بأسرها ضحية الفوضى او سلطة ديكتاتورية جديدة. وبحسب توظيف الكاتب للتاريخ باعتباره درساً يفيد بأن الراهن صورة للماضي، فإن تحرر العراق من "الإمبريالية" اليوم سيفضي الى ما أفضى إليه منذ إنقلاب عام 1958 وما أعقب ذلك من مؤامرات عنفيّة وإنقلابات عسكرية وعمليات تصفية للخصوم والمعارضين ومن ثم سيادة الديكتاتورية سيادة تامّة.
وعلى ما يرى الكاتب، فشلت القوى السياسية العراقية اليسارية والقومية بعد تحرر البلاد من السلطة التابعة للإمبريالية البريطانية في إرساء إطار سياسي يحول دون الإحتكام الى وسيلة التآمر العنفي في مواجهة الخلافات الأيديولوجية والسياسية. والتاريخ إنما يُعيد نفسه، بحسب حكمة المؤلف، وفشل الأمس سيتكرر اليوم ما لم يُصَر الى بلوغ حالة من الإستقرار والسوية تتيح قيام الأُطر والمؤسسات التي تحول دون احتكام القوى السياسية العراقية الى العنف غير المشروع. لكن كيف للكاتب ان يدعو الى العمل في سبيل حلول الاستقرار والسوية في حين لا غرض لكتابته هذه سوى تكريس ثنائية "الإحتلال والمقاومة"، ومن ثم إجهاض أي نقاش جادّ حول كيفية الانتقال من حالة الإضطراب وانعدام الحسم الى حالة السوية واليقين؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.