تثير زيارة الرئيس جورج بوش للندن موجة واسعة من المعارضة ليس في بريطانيا فحسب، بل في القارة الأوروبية خصوصاً دول الاتحاد، لتقضي كليا على آخر جيب من جيوب ذلك التعاطف الأوروبي الواسع مع الشعب الأميركي إثر تفجيرات 11 أيلول سبتمبر 2001. هذا ما كتبته "نيويورك تايمز"التي عزت المعارضة للولايات المتحدة إلى ذهاب واشنطن إلى العراق من دون الحصول على موافقة أوروبية على الحملة العسكرية التي جاءت نتائجها غير المتوقعة لتشعل مزيداً من المعارضة لهذه الحرب التي تتخذ في نظر رجل الشارع الأوروبي شكلا شبيها بحرب فيتنام. بل وجدت الصحيفة أن قطاعا واسعا من الأوروبيين يشعر بالسعادة لغرق إدارة بوش في أوحال العراق. ونقلت عن طالب ألماني في كلية الطب بجامعة برلين قوله إن "هذا يعد درساً جيداً لبوش الذي رفض الاستماع قبل الحرب لأصوات التحذير" الأوروبية. ولاحظت أن هذا التوجه لدى الرأي العام الأوروبي له انعكاس واضح في وسائل الإعلام المختلفة، مبرزة أن رسوم الكاريكاتير الساخرة في الصحف الأوروبية عموماً بما فيها البريطانية من دون استثناء تصور بوش والأميركيين تصويراً سلبياً وتسخر منهم بشدة. وقالت إن العالم انشغل بنتائج استطلاع للرأي أجراه الاتحاد الأوروبي أخيراً تبين فيه أن غالبية الأوروبيين تعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون أخطر شخص في العالم على السلام الدولي، من دون أن ينتبه كثيرون ممن اهتموا بنتائج هذا الاستطلاع إلى أن الرئيس الأميركي احتل المرتبة الثانية بعد شارون، حتى قبل كيم جونغ إيل، زعيم كوريا الشمالية. ووجدت الصحيفة أن هذا الشعور ينتاب أيضاً معظم المحللين السياسيين في أوروبا الذين يعتقدون بأن استمرار سفك الدماء في العراق يجب أن يدفع الأميركيين الذين ثبت خطأ سياستهم إلى تغيير منهجهم والاستماع أكثر إلى القادة الأوروبيين. ونقلت عن ثيري دو مونبريال، مدير معهد العلاقات الدولية الفرنسي في باريس، قوله "حتى أكبر شخصية أيديولوجية في إدارة بوش بدأت تدرك أن القوة مهما عظمت تظل محدودة". ودعا هذه الإدارة إلى تغيير نهجها في العراق، "فأن يأتي التغيير متأخراً، أفضل من لا شيء". وأضافت أن الأميركيين ينبغي، في ضوء هذا الوضع، ألا يفاجأوا بالمعارضة الشديدة التي يبديها البريطانيون لزيارة بوش التي كانت مقررة بالأصل تعبيراً عن تضامن المملكة المتحدة مع الولاياتالمتحدة إثر تفجيرات نيويوركوواشنطن. ولاحظت أن نتائج الحرب والتطورات اللاحقة أضفت أسباباً جديدة على المعارضة القوية أصلا لهذه الحرب في هذا البلد، مبرزة أن رئيس الوزراء توني بلير الذي تحدى الرأي العام في بلده وفي العالم أيضاً بوقوفه إلى جانب بوش، لم يحصل من الأميركيين على أي مكافأة. وفيما جهدت لندن في دعم السياسة الأميركية كانت حصة البريطانيين لدى توزيع الغنائم قليلة جداً، بل "لا يقدر رجل الشارع البريطاني على رؤية ما قدمه بوش إلى البريطانيين في المقابل". بل ذهب أحد كتاب الأعمدة في صحيفة "الغارديان" إلى القول إن "شخصا واحدا يستفيد من هذه الزيارة، وهو البيت الأبيض لبوش". ورأت "نيويورك تايمز" أن المعارضة البريطانية للسياسة الأميركية تتغذى من ثقافة تنمي هذا الاتجاه، مشيرة إلى عدد من الأعمال الأدبية والسينمائية التي تصب في خانة العداء غير التقليدي لأميركا، مثل الفيلم الجديد "الحب فعلياً" للممثل البريطاني المعروف هيو غرانت، ورواية بيتر فينلي "إله فيرنون الصغير" الفائزة بجائز بوكر، أرفع جائزة أدبية في بريطانيا، وهي تسخر بوحشية من الثقافة الأميركية، ورواية "الكلب الأصفر" للكاتب الإنكليزي الشهير مارتن أميس التي تناقض الحلم الإنكليزي المعروف بالعيش في بلد أكثر حرية هو أميركا. وأضافت الصحيفة أن بوش، مهما فعل خلال هذه الزيارة وبعدها، سيجد أن من الصعب إقناع رجل الشارع في أوروبا عموماً بأنه ليس أداة بيد مصالح النفط الأميركية وحليفاً قوياً للمحافظين الجدد الذين يحاربون أي تفكير أوروبي جديد في قضايا مثل البيئة أو الصراع في الشرق الأوسط.