وافقت الاتحادات المحلية ال204 المنضوية تحت لواء الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا في المؤتمر الاستثنائي الذي عُقد الشهر الماضي في العاصمة القطرية الدوحة على أضخم تعديل دستوري لقوانينه الصادرة لدى تأسيسه في 21 أيار مايو عام 1904 في باريس، والتي ستوضع قيد التنفيذ بدءاً من مطلع العام المقبل في مستهل مباشرته احتفالاته المئوية. وتبنّى التعديل شعارات إعادة القيم والأصول واحترام تقاليد اللعبة وحمايتها من المخاطر التي تهددها، وتأكيد معانيها العالمية والثقافية والتربوية والانسانية. وشملت التعديلات "الدستورية" الجديدة، والتي قادها السويسري مارسيل مايتي وشارك في لجنة إعدادها رئيس الاتحاد الآسيوي القطري محمد بن همام والجزائري محمد رواواده مسائل تنظيمية خاصة بهيكلية الفيفا وموازنته وصلاحيات الرئيس وأمينه العام وانتقالات اللاعبين الذين يملكون جنسيتين. ولعل هذه التعديلات استجابت لتحديات اللعبة الشعبية الأولى في مواجهة سيطرة دوائر المال والأعمال، وأعادت تبييض صفحة العلاقات العامة التي تقودها رئاسة الفيفا بعدما تلطخت سمعتها في السنوات الأخيرة بشبهات الفساد وحروب الأخوة الكبار داخلها. وإذ طالبت إحدى التعديلات والهيئات الكروية الفاعلة باحترام ميثاق الشرف الخاص بالفيفا، يبدو أن معادلة توازن القوى كما يقول رئيسه السويسري جوزف بلاتر باتت من الماضي. ولفت تطرق ميثاق الشرف إلى مسألة التمييز والعنصرية من أجل تفادي انتقال المعارك غير الكروية والاحتقانات والحروب إلى الملاعب، وهو أشار ألى أن كل تمييز يتعرض له بلد أو شخص أو مجموعة أشخاص لأسباب عرقية أو جنس أو لغة أو ديانة أو لأسباب سياسية أو سواها ممنوع، وحذر من أن أي مخالفة ستعرض مرتكبها للطرد أو العزل. والحقيقة تقال إن بلاتر وقف خلف وضع هذا البند وتوضيح جوانبه كلها من أجل إزالة أي لبس فيه، ما جعله يحظى أخيراً بإشادة الرئيس الجنوب أفريقي السابق نيلسون مانديلا لدى استقباله إياه باعتباره أحد المنضالين البارزين، منذ توليه منصب الأمين العام في الاتحاد الدولي، ضد مظاهر التمييز العنصري في الملاعب وأجهزة الفيفا. وحرص مانديلا على الإعلان أن بلاتر كان أحد الأوائل الذين وقفوا ضد النازية في عالم كرة القدم... بالطبع، لا يهم كثيراً خطاب المجاملات بين الزعيم مانديلا والرئيس بلاتر، ولكن متابع التصريحات السابقة لرئيس الاتحاد الدولي وآرائه على موقع شبكة الانترنت الخاص بالفيفا يدرك تأصل النزعة الإنسانية لديه وإحساسه العميق بمأساة الظلم والتمييز العنصري، علماً أن إصراره على منح الدولة المرشحة لاستضافة مونديال عام 2010 حق المشاركة للدول المتأهلة كلها للنهائيات وعدم اعتراضها لأسباب سياسية أو دينية أو عرقية يجعل النص الدستوري واقعاً ملموساً. ويبقى الأهم أن الدستور الجديد للفيفا يحمل تحديات أخلاقية ملزمة للعرب لا تنفع معها لغة الشعارات الرنانة والاجتهادات الشخصية ودعوات المقاطعة.