لأن الإحساس بالفن موجود في أعماق بكر الشدي منذ نعومة اظفاره ولأنه يمتلك إبداعاً مختلفاً ومتميزاً في دواخله عرف كيف يسطع بنجوميته بين نجوم الدراما السعودية ثم الخليجية وبعدهما العربية بكفاية واقتدار غير مسبوقين. فقد عرف كيف يمتلك ناصية الفن بإبداعاته وبتألقه المشهود، فهو إن جسد ذاتاً فإنه ينسى ذاته، ليصبح فناناً متمدد العطاء مدفوعاً بثقافة المطلع، ناهلاً من تجارب الآخرين، مستمداً تألقه من الكبار، يسلب حب من حوله بتواضعه الجم وبلا غرور الشهرة. إنه "مجموعة فنان بلا حدود"، خاض معركتي العلم والفن على خطين متوازيين حتى قيل عنه إنه دارس محترف التمثيل، وممثل محترف الدراسة، في كوامنه ثراء الفن وحبه. جعل لنفسه مكاناً مستقلاً بين كبار الفن الدرامي في خارطة الفن العربي، لأنه يرى ان الفن رسالة إنسانية لا بد ان يؤديها كما يجب. عن بداية مشواره، قال الشدي في إحدى مقابلاته: "كأي طفل بدأتُ بمحاكاة وتقليد الآخرين المحيطين بي ووجدت تشجيعاً في مدرسة بقيق الابتدائية، وكان أول عمل مسرحي وأول مشهد تمثيلي امام الجمهور وأنا بالصف الخامس. وحينما انتقلت الى المرحلة المتوسطة شاهدني مدرّس اللغة العربية الأستاذ محمد ابراهيم عوض وهو من المهتمين بالفنون المسرحية. وكان يأنس بأدائي وصوتي الجميل. فضمني للإذاعة المدرسية. وفي المرحلة الجامعية كان المسرح الجامعي يشرف عليه ويدرب مواهبه الفنان والأستاذ الكبير رشدي سلام، الذي زرع فينا حب الفن، وفي كلية الآداب كنت رئيساً للنشاط المسرحي، ورئيس فريق المسرح الجامعي، وخلال تلك الفترة قدمنا العديد من المسرحيات باللغة العربية الفصحى من الأعمال العربية والعالمية. وفي عام 1980 احتاج مسرح جمعية الثقافة والفنون لممثلين من الجامعة للمشاركة في مسرحية "قطار الحظ" تأليف ابراهيم الحمدان وإخراج سمعان العاني، فكانت المسرحية والجمعية بمثابة الجسر الذي اوصلني للناس". وعن رحلته العلمية قال: "نيل الدكتوراه حلم ظل يراودني بعد تخرجي في الجامعة وازدادت الرغبة مع كل عمل مسرحي او تلفزيوني أشارك فيه، وكنت مرشحاً لأكون معيداً بعد التخرج لكن الفن اخذني سنوات ثم عزمت على مواصلة العلم، ولن أنسى فضل الأمير فيصل بن فهد يرحمه الله والذي تكفل بدراستي العليا، ولم أنقطع عن الفن اثناء دراستي العليا ولا بعدها، حتى أوقفني المرض عن الترحال والتنقل الفني، وهذا أمر الله لا راد لقضائه". وعلى رغم احترافه، كان الشدي يشعر بالرهبة من المسرح: "ليس هناك ممثل صادق على وجه الأرض ينكر الشعور بالرهبة والخوف من خشبة المسرح، فلورانس اوليفييه مثلاً كتب في مذكراته انه كان يتمنى ان تتأخر لحظة انفراج الستارة لأنه كان كلما اقترب الموعد كلما زادت نبضات قلبه، فمواجهة الجمهور أشبه بالزلزال ولا يدركه إلا من وقف على خشبة المسرح". ونظراً الى سيرته الفنية والإنسانية الحسنة، وجد الشدي من جميع الجهات الفنية والمنتجين الترحاب الجيد والطلب المستمر، ذلك لأنه كان يعمل باحترافية الفنان الملتزم في الوقت والأداء والتعامل، ولأنه مثّل بلهجات عربية مختلفة خليجية، مصرية، سورية، اردنية. قيل عنه "إنه فنان لكل العصور ولكل الشخصيات"، واعتبره بعضهم "فناناً كتابه مكشوف له أوراق مقروءة للجميع، يستمتع به القريب والبعيد عند تصفحه وهو يقف على خشبة المسرح او يطل من خلال الشاشة الفضية، وكان بحق ذلك الكتاب الجميل صفحة ناصعة البياض في كتاب أشمل. اما الدراما السعودية فكان بحق نجمها الأول، والكروان الذي يحلو لمشاهديه التمتع بطيرانه وصوته، كما وصفه احد النقاد ذات يوم ب"كروان الدراما السعودية". بعد الكثير من المسرحيات داخل المسرح الجامعي، قدم بكر الشدي لمسرح المجتمع ادوار بطولة في "قطار الحظ"، "الكرمانية"، "النص والإنتاج"، "ابو تمام"، "بن زريق ليمتد"، "صفحة في المرآة"، "الجراد"، "للسعوديين فقط"، "لكع بن لكع". كما مثل في العديد من المسلسلات التلفزيونية: "أوراق الخريف"، "صور اجتماعية"، "الملقوف"، "عائلة فوق"، "تنور ساخن"، "إليكم مع التحية"، "الوسيط"، "وداعاً"، "زمن الصمت"، "عذراء الرجال"، "عيون ترقب الزمن"، "المرايا"، "صدق الله العظيم"، "سحور على مائدة اشعب"، "البخيل وأنا"، "الشمس تطلع بكرة"، "بنت سيادة الوزير"، "مقادير"، "امبراطورية ميم"، "العولمة"، "عد واغلط"، "الفارس" "الأخوة الشجعان"، "فضاؤنا الكبير"، "الزمن والناس". ذلك الى جانب تمثيله في السهرات: "أزهار من البيت القديم"، "الزفة"، "الدكاترة سعد"، "سماح"، "شهد"، "سهرة مع فنان". كما انه مثل في بعض البرامج التعليمية مثل "تعلم مع كنتيك"، "المقهى العربي"، "باقة ورد"، "ورد وشوك"، "سلامتك افتح يا سمسم"، "ليلة سعودية"، "من كل بستان زهرة"، "أوراق ملونة". حاصر المرض بكر الشدي وخطفه من جمهوره، حارماً إياه من تغريد كروانه السعودي.