هل ينجح رئيس الحكومة الفلسطينية احمد قريع ابو علاء في المهمة العاجلة التي حددها لدى شروعه في مشاوراته لتشكيل حكومة عادية موسعة، بدلاً من حكومة الطوارىء الضيقة التي انتهى اجلها، وهي الحوار مع الفصائل الفلسطينية كافة بغرض تشكيل قواسم مشتركة توطئة للتوصل الى وقف متبادل ومشروط لاطلاق النار مع اسرائيل يفضي الى استئناف المفاوضات السياسية؟ اختار "ابو علاء" الاولوية الصحيحة في هذا الوقت الذي لم تعد ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش تولي فيه حل الصراع العربي - الاسرائيلي اهمية جدية بالنظر الى تورطها في المستنقع العراقي فيما هي مقبلة على الانتخابات الرئاسية. واعلنت اوساط في حكومة شارون منذ اسابيع ان الشهور ال 12 المقبلة التي ستنأى فيها ادراة بوش بنفسها عن مجريات الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي ستتيح لاسرائيل اكمال بناء الجدار الفاصل وزيادة الشلل في قدرة السلطة الفلسطينية على ممارسة اي سلطة على الارض الفلسطينية وترتيب الاوضاع على نحو يمكن اسرائيل من مصادرة مساحات واسعة من اراضي الضفة الغربية وتوطيد الاستيطان فيها. ولا يساور حكومة ارييل شارون حالياً اي قلق من غياب تسوية سياسية، بل انها تتجنب اي خطط للتوصل الى سلام عادل ودائم يهدد خطتها الرامية الى التوسع والاحتفاظ بالتفوق العسكري في الاقليم وما وراءه. ويبدو ان مبعث القلق الوحيد في اسرائيل حالياً هو عدم تمكن منظمات كاللجنة الدولية للصليب الاحمر من مواصلة تقديم معونات مالية لآلاف الاسر الفلسطينية التي تعاني الفقر الشديد بسبب الحصار الاسرائيلي ومضاعفاته. وليس مبعث القلق الاسرائيلي هنا الخوف على مصير هذه العائلات وانما الخوف من ان تضطر اسرائيل الى دفع كلفة ادارة شؤون ثلاثة ملايين فلسطيني تفرض عليهم احتلالها العسكري متظاهرةً بأن الجهة التي تتحمل المسؤولية عنهم هي السلطة الفلسطينية التي صارت مشجباً تعلق عليه حكومة شارون آثامها ولا يمر يوم من دون ان تتخذ اجراءات لاضعافها. ان من المهم جداً منع حكومة شارون من تحقيق مآربها. ويتطلب هذا من حكومة "ابو علاء" المضي في الجهود لترتيب اعلان هدنة من جانب واحد رغم ان شارون سيبذل قصارى جهده لنسفها والعمل لعقد مؤتمر عاجل للجنة الرباعية الدولية قد يقنع اسرائيل بقبول مراقبين للاشراف على الهدنة وعلى تنفيذ قرار الاممالمتحدة المطالب بوقف بناء جدار الفصل العنصري وتجميد النشاط الاستيطاني في الاراضي الفلسطينية. إن الجدل الحالي في اسرائيل حول انسداد الافق السياسي بسبب سياسات حكومة شارون المتشددة تجاه الفلسطينيين ينبع من الخوف من احتمال انهيار السلطة الفلسطينية تماما، الامر الذي سيحمّل اسرائيل اعباء احتلالها السافر للفلسطينيين. ولا ينبغي الاعتقاد بان رئيس اركان جيش الاحتلال الاسرائيلي موشيه يعالون تنبه فجأة الى جرائم الحرب التي ترتكبها قواته ضد الفلسطينيين فهو، كما لفت نظره معلقون اسرائيليون، كان ولا يزال شريكا في اتخاذ قرارات الاغتيالات والضربات العسكرية. ان مهمة الحكومة الفلسطينية المقبلة اتقاء شرور الاحتلال الاسرائيلي قدر ما امكن ذلك في انتظار ظروف دولية افضل، إذ أن العالم كله يدرك أن أجندة شارون لا تتضمن السلام.