يواجه مشروع "خط أنابيب بحر قزوين"، اليوم أول الاختبارات الفعلية حينما يُعرض للتصويت، امام البنك الدولي، الذي سيمول بعض أعماله الانشائية عبر قروض وتسهيلات ائتمانية. وسيطرح مشروع خط الأنابيب، وهو الاطول في العالم للتصويت أمام الدول الاعضاء في "وكالة التمويل الدولية". ويمر الانبوب، الذي تُقدر كلفته بنحو 3.6 بليون دولار، من مدينة باكو في جمهورية اذربيجان الى ميناء جيهان في تركيا. وستحسم نتيجة التصويت تمويل المشروع، كما ستعطي الضوء الاخضر لمستقبل المشروع الذي اثار جدالاً كبيراً في الاوساط السياسية والاقتصادية والبيئية. وعلى رغم ان الولاياتالمتحدة وبريطانيا تملكان حصة 30 في المئة من حقوق التصويت في وكالة التمويل الدولية، الا ان المشروع يواجه معارضة شرسة من جماعات البيئة وجماعات متنفذة في أوروبا والولاياتالمتحدة التي تدعي ان المشروع "سيدمر الحياة الاقتصادية والاجتماعية في المناطق التي يعبرها". ومنذ تفكيك "الامبراطورية السوفياتية" الى جمهوريات صغيرة في عهد الرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف، بدأت الولاياتالمتحدة في تشجيع شركاتها على الاستثمار في نفط منطقتي بحر قزوين وآسيا الوسطى. وأشيع في بداية التسعينات، ان بحر قزوين يعوم فوق بحيرة نفطية، وان احتياط الجمهوريات الاربع اذربيجان وتركمانستان وكازاخستان وقيرغيزستان يصل الى 170 بليون برميل ما يعني انه يفوق الاحتياط المؤكد في العراق. لكن سرعان ما تراجعت هذه التقديرات الى 32 بليون برميل في الابحاث التي قدمها خبراء نفط سوفيات واميركيون من "معهد جيمس بيكر" في ولاية تكساس، الذي نظم مؤتمراً في شأن "احتياط النفط في المنطقة". وكشف خبراء النفط في المؤتمر، ان التصريحات الرسمية الصادرة عن الادارة الاميركية كانت حريصة على تضخيم الاحتياط النفطي في منطقة بحر قزوين لاسباب سياسية اكثر من الحقائق الجيولوجية. وكانت الادارة الاميركية، خصوصاً في بداية عهد الرئيس بيل كلينتون، حريصة على دعم التحول السياسي في الجمهوريات السوفياتية وتثبيت خطوات الاستقلال السياسي بممارسة حقوقها الاقتصادية في استغلال مواردها النفطية والدخول في اتفاقات دولية لا تدخل موسكو طرفاً فيها. ويقول خبراء ان تضخيم الادارة الاميركية للاحتياط النفطي في بحر قزوين، يُفسر كذلك في اطار البحث الجاري عن بديل للنفط العربي، الذي يشكل 40 في المئة من الاحتياط الدولي. من هذا المنطلق، بدأت الولاياتالمتحدة، منذ عهد كلينتون، تكثف اهتمامها بنفط منطقة بحر قزوين ووسائل نقل هذا النفط الى اسواق الطاقة الدولية. وكانت الشركات الاميركية مترددة في تأمين الاستثمار وغير واثقة من العائد الاستثماري، لكن مع ارتفاع اسعار النفط في الاسواق الدولية، والمخاوف التي أثيرت في شأن توقف امدادات نفط منطقة الخليج، بعد زيادة احتمالات ارتفاع حدة المشاكل في الشرق الاوسط وما أشيع عن وجود احتياط ضخم قدرت الدوائر الاميركية الرسمية، قيمته بنحو اربعة تريليون دولار... دفعت هذه العوامل الشركات الاميركية والاوروبية الى الاستثمار في المنطقة. وقدرت وزارة البيئة الاميركية، ان يرتفع انتاج منطقة بحر قزوين سنة 2010 الى نحو 3.7 مليون برميل يومياً وهذا معدل انتاج كبير سيؤثر في معادلة الواردات الاميركية من النفط العربي. لكن على رغم هذه التقديرات المتفائلة، لا يبدو نقل "نفط بحر قزوين" الى الاسواق، بسهولة نقل نفط منطقة الخليج او المكسيك. ويحتاج بناء الانبوب الى موافقة أكثر من أربع دول متعارضة المصالح وذات نظم ضريبية ورسوم جمركية متداخلة ومتضاربة. وتقضي خطة بناء الانبوب، التي وضعها "كونسورتيوم شركات نفط بحر قزوين" بالاتفاق مع الولاياتالمتحدة، بضخ نحو 4.2 مليون برميل يومياً الى الاسواق. وحسب الدراسات الاقتصادية سيبلغ طول الانبوب 173 ميلاً وسيمتد من ميناء باكو المطل على بحر قزوين الى ميناء جيهان في تركيا. وسيبني الانبوب، كونسورتيوم شركات نفطية من 11 شركة، تتزعمه مجموعة "بريتش بتروليوم" وسيكلف المشروع 3.6 بليون دولار. ووفقاً لصحيفة "ذي اندبندنت" البريطانية، سيتم تمويل 75 في المئة من الكلفة بواسطة قروض وتسهيلات مصرفية، وتمول الباقي الحكومات. وطلب الكونسورتيوم حتى الآن، قروضاً بقيمة 350 مليون جنيه استرليني نصفها من البنك الدولي والنصف الآخر من البنك الأوروبي للانشاء والتعمير. واضافة الى ذلك، طلب الكونسورتيوم من "مصلحة ائتمان الصادرات البريطانية" التأمين على الانبوب ضد مخاطر الحرب والتخريب. ويقول المعارضون إن الانبوب سيُدمر البيئة والحياة الاجتماعية والاقتصادية في مناطق بحر قزوين. ويقول انصار البيئة ان أية اعطال أو عمليات تخريب، ربما تنتج اضراراً بيئية لا تقل عن الاضرار التي سببتها "سفينة الفالديز" التي تسرب منها نحو 258 ألف طن نفط. واضافة الى هذه المخاوف، فإن تركيا تقع في منطقة الزلازل وحدثت فيها اكثر من 17 هزة كبرى في الثمانين عاماً الماضية. كما يعترض البعض على الانبوب من منطق تهديده لحياة الاسماك التي تنتج الكافيار في بحر قزوين. ويعد الكافيار أحد مصادر الدخل المهمة في الجمهوريات السوفياتية السابقة.