نماذج يافعة مختلفة الأهواء والأمزجة تتهافت يومياً على السفارات البريطانية والكندية والأسترالية وبقية دول الكومنولث في بيروت، أملاً بالحصول على سمة دخول هرباً من البؤس أو لمجرد التغيير. حجر عثرة جديد - كما يراه البعض - أضيف إلى قائمة الشروط المطلوب توافرها لدى الراغبين في الهجرة إلى الدول المذكورة... انه امتحان جدارة في اللغة الإنكليزية يجريه حصرياً المجلس الثقافي البريطاني وتعتمده سفارات الدول الناطقة بالإنكليزية - باستثناء الأميركية - منذ العام 2001. ويبدو الامتحان الذي يحمل اسم "النظام الدولي لاختبار اللغة الإنكليزية"IELTS تجارة رابحة. ذلك أن وتيرة طلبات المتقدمين لإجرائه في ازدياد، على رغم محدودية فرص الشباب الراغب بالسفر. لا يبدو علي 34 عاماً متفائلاً. ويقول المهندس الفلسطيني الذي لا يجد فرصة في لبنان ويستميت للحصول على تأشيرة هجرة إلى كندا: "جحيمي يكمن في كوني فلسطينياً. هنا نعامل معاملة سيئة. لا يمكن الطبيب أو المهندس أو أي متعلم فلسطيني الحصول على فرصة عمل جيدة. وكل ما يسمح لنا بامتهانه هو جمع القمامة والأعمال البسيطة والحقيرة". ويضيف: "كلما اقتربت الساعة ابتعدت النهاية. سئمت شظف العيش والتمييز، وأرغب بالفرار إلى كندا أو أي بلد غربي آخر". وعن كيفية سير الامتحان يقول: "جلست كالأبله من دون انفعال او تأثر. حدّقت في الورقة كما لو انها من كوكب آخر أو أحرفها مكتوبة باللغة المسمارية". ويقول علي عن تقدير فرصته في النجاح والهجرة: "لم أعد أكترث لشيء. إذا رسبت ورفض طلبي بعد كل ما دفعته من مال وما تكبدته من عناء، لا أظن أنني سأعاود الكرة. فقد اكتفيت من الذلّ والإجراءات البيروقراطية". أما مهى 21 عاماً الأردنية لأم لبنانية، فتقول: "أدرس الأدب الإنكليزي في الجامعة اللبنانية. وأنوي السفر لمتابعة دراستي في بريطانيا حيث يقيم عمّي، على أمل أن أوفّق بعمل هناك بعد تخرجي". وتتابع الشابة التي اخفت ملامحها خلف الحجاب: "لغتي الأجنبية ممتازة، أنا واثقة من فرصة نجاحي والحصول على تأشيرة للدراسة. وفي حال ردّ طلبي سأكون تعيسة حتماً. هنا، حتى لو تخرجت فرصتي ضائعة. فأنا لا أحمل جنسية والدتي، ما يعني أنني لن أتقاضى أجراً جيداً هذا إذا كنت محظوظة ووجدت عملاً". وتعتبر اللبنانية لينا نموذجاً مختلفاً. هذه الأربعينية التي تفوح من وجنتيها رائحة التعب، ومن عنقها وتجاعيد يديها وشعرها المنكوش رائحة الحياة اليومية الصعبة، تغضبها مجرد فكرة "أن تدفن" حيث هي. وتقول لينا وهي أم لثلاثة اولاد: "خضعت للدورة التدريبية التي تسبق الامتحان لضمان نجاحي. فقد سبق وأجريته قبل سنتين لكنني رسبت. هذه المرة أعتقد أن فرصتي أكبر". وتتابع: "زوجي كثير الأسفار وهو غالباً ما يكون في كندا. أريد الانتقال إلى أوتاوا مع أطفالي لتأمين حياة أفضل لهم وشيخوخة آمنة لي". وترفض لينا مجرد التفكير في الرسوب وتقول: "لا بد لي من النجاح. وسأعيد الامتحان مراراً وتكراراً حتى يتحقق لي ذلك". ويقول محمود 28 عاماً المتخصص في إدارة الأعمال وتقدم بطلب هجرة إلى أستراليا علّه يجد عملاً بعد بطالة مزمنة: "الأيام قصيرة والدرب طويل. لا رزق لي هنا أو مستقبل. لذا أسعى إلى الهجرة". ويعترف الشاب بضعف لغته الإنكليزية، لكنه لا يعتبر الأمر عائقاً: "إذا لم أحصل على الحد الأدنى من العلامات للنجاح، سأنتسب إلى معهد المركز الثقافي البريطاني لتحسين مستوى لغتي. ولن أتخلى عن فكرة الهجرة مهما طال الأمد". ويشتكي من أقساط الدورات المرتفعة في المعهد مقارنة مع غيره من مراكز اللغة. أما كالين 52 عاماً فما من سبب معيّن يدفعها إلى الهجرة إلى كندا. فهي انهت تخصصها في مجال الفندقية وتتقاضى اجراً يكفيها للعيش هانئة في بيروت. ولكنها تقول: "الفكرة راودتني بعد زيارة قمت بها إلى كندا العام الماضي، لاحظت بعدها الفارق الشاسع بين حياة الشباب هناك وشبابنا. اعرف أن ورقة النجاح لن تفعل شيئاً. اعرف أن الاستقلالية مرهونة بالمدخول الجيّد". وتضيف: "إذا وفّقت، سأسافر وأتابع دراستي هناك إلى جانب العمل، علّني أحيا حياة لا يتحكم بها غيري". وتخالف مديرة دائرة الامتحانات في المركز الثقافي البريطاني في بيروت فاتن عيتاني الشباب آراءهم، مستندة في ذلك إلى الزيادة المستمرة في أعداد الطلبات. وتقول: "ليست قاعدة أن ينال التأشيرة كل من ينجح في الامتحان. وثمة توجه حالي إلى رفع المعدل المطلوب للنجاح تدعيماً للمستوى، ذلك أن 500 متبارٍ نجحوا العام الماضي و600 هذا العام". الجدير ذكره أن المعدل الإجمالي المطلوب للراغبين بالهجرة هو 5 على 10 مقابل 6.5 على 10 للاختصاصات الأكاديمية و7 للطب. وامتحان الجدارةIELTS يجرى مرتين شهرياً. ونظّم المركز 317 امتحاناً عام 2001، و496 امتحاناً عام 2002، ليبلغ المعدل منذ نيسان أبريل حتى أيلول سبتمبر 2003، 476 امتحاناً. أما معدل المشاركة، فأقصاه 500 متبار في كل دورة. وتلفت عيتاني إلى أن "نسبة النجاح لا تتعدى 50 في المئة، ومن يرسب في المرة الأولى سيرسب من جديد مهما كرر الامتحان لضعف في التأسيس، ما يدفع بالكثيرين إلى الانتساب إلى المعهد". وترى المسؤولة أن لاعتماد السفارات الامتحان المذكور فائدة مزدوجة: "كانت السفارات في السابق تجري المقابلات بالإنكليزية للراغبين في الهجرة. اليوم، خفّ العبء عن كاهلها بتوكيل مسؤولية التقويم اللغوي إلينا، وعلى أساسه تقرّر من تمتحن ومن تستثني. كذلك المتقدم بالطلب يمكنه الحصول على تصوّر أولي لمستواه اللغوي قبل المضي في الإجراءات". وتلفت عيتاني إلى قرار السفارات إلزام كل من لم يكتمل طلبه منذ 3 سنوات حتى اليوم بالخضوع لامتحان IELTS. وعن وجهة الشباب تقول: "كان الضغط في السنوات الماضية يتركز على استراليا، غير أن نسبة الامتحانات بلغت هذا العام 325 امتحاناً لكندا وحدها، مقابل 760 لأستراليا في 3 سنوات". أما أليسون ليرد، السكرتيرة الأولى في دائرة الهجرة في السفارة الأسترالية في بيروت، فيؤكد أنه "لطالما طلب من المتقدمين بطلبات للهجرة إلى استراليا اثبات براعتهم في اللغة الإنكليزية، وما اعتماد نتائج IELTS إلا إجراء اتخذ أخيراً". وعن معدل الطلبات للسفر إلى استراليا بداعي الهجرة أو التحصيل العلمي منذ أيار مايو 2001، تاريخ اعتماد الامتحان المذكور، تقول: "الامتحان معيار واحد وهو لا يؤثر في النسب المئوية للحائزين على التأشيرة، فقد بقيت على حالها في بيروت". وبالنسبة إلى اللبنانيين الذين حازوا التأشيرة الأسترالية بداعي الهجرة، تؤكد أن "عددهم بلغ 154 شخصاً منذ تموز يوليو 2001 حتى حزيران يونيو 2003، مقابل 186 تأشيرة للدراسة في الفترة ذاتها". وتقول إليزا عجيلي مسؤولة دائرة الهجرة في السفارة الكندية في بيروت، ان "الاتفاق على الامتحان تمّ بين الحكومة الكندية والمركز الثقافي البريطاني تماماً كما حصل مع المركز الثقافي الفرنسي بالنسبة إلى الراغبين بالهجرة إلى كيبيك". وتلفت إلى أنه "كما في لبنان، كذلك في أنحاء العالم كافة، تعتمد كندا امتحان اللغة المذكور عبر مركز اللغات نفسه". وتختتم بالقول: "لا أرقام دقيقة لدينا حول النسب المئوية للحاصلين على التأشيرة بعد اجتياز الاختبار، فالمهمة هي من مسؤوليات السفارة الكندية في سورية".