تتسابق تركياوايران لتعزيز مواقعهما في العراق والتأثير في معاودة ترتيب الاوضاع الاقليمية، مع السعي الى تفاهمات مع اميركا على تقاسم الادوار في "العراق الجديد"، مستثمرتين الفوضى السائدة في مرحلة ما بعد الحرب. فتركيا تريد نفوذاً في العراق يصل الى السيطرة على الشمال والتأثير في الحكومة المركزية في بغداد، وهي تأمل بالحصول على المركز الثاني لدى توزيع حصص النفط العراقي بعد اميركا. اما ايران فإن زوال النظام السابق في العراق منحها فرصة لن تتكرر لكسب نفوذ واسع على الارض كانت تتطلع اليه منذ قرون، وهي تستخدم روابطها مع الشيعة لتحقيق تقدم على حساب تركيا على رغم الخلافات المعروفة بين طهران والشيعة العراقيين. ويشجع التيار الغالب في ايران كما في تركيا هذا التوجه القومي الذي يفكر بمصالح البلد والنظام اكثر من الاهتمام بمستقبل الروابط مع دول الجوار العربية، فالمهم بالنسبة الى هذا التيار هو عدم تفويت الفرصة لتحصيل اكبر قدر من المغانم الاستراتيجية والاقتصادية التي إن لم تتحقق اليوم لا يمكن التعويض عنها بعد معاودة تشكيل الخارطة الاقليمية. ويراهن الطرفان على غطاء اميركي لنفوذهما الاقليمي، فأنقرة تعلم ان الاميركيين يؤيدون وجود حكومة موالية لها في بغداد، وطهران تعمل على فك الاشتباك الحالي مع واشنطن على الملف النووي للوصول الى تفاهم اقليمي، وهو امر يثير مخاوف الاتراك خصوصاً في ظل المصاعب التي تمر بها القوات الاميركية والتي قد تحملها على الاتفاق مع الايرانيين. قصارى القول ان دولتي الجوار الرئيسيتين متفقتان على استبعاد أي دور للبلدان العربية في عراق ما بعد صدام، وتبرر القيادة الايرانية هذا الخيار بمناخ الريبة السائد مع العرب منذ عقود والذي عمقته الحرب العراقيةالايرانية، وهي تستدل الى انعدام الثقة مع العرب بكون البلدان الغربية، خصوصاً الاتحاد الأوروبي، تجاوبت مع دعوات الانفتاح الصادرة من طهران وسارعت الى بناء الجسور معها فيما ظل العرب مترددين أو مستنكفين. وينسى بعض الايرانيين ان العرب لم يكونوا جميعاً مع صدام حسين في الحرب التي شنها على العراق وأن بلداناً عربية ذات وزن، مثل السعودية وسورية، قطعت خطوات كبيرة في التقارب مع ايران، على رغم رد الفعل الاميركي السلبي. كذلك يتناسى بعض الايرانيين ان استمرار احتلال الجزر العربية الثلاث ورفض عرض النزاع على المحاكم الدولية ذات العلاقة يرسخان شعور الريبة لدى الجانب العربي ويعطلان الانطلاق نحو صفحة جديدة في العلاقات. واسوة بالايرانيين لا يزال بعض دوائر النخبة الحاكمة في تركيا يستخرج من الدفاتر الصفراء قصص "الخيانة" العربية أثناء الحرب العالمية... الأولى لتسويغ التحالف مع اسرائيل والانتقام من العرب! والأرجح ان الاتفاقات والمعاهدات العسكرية، العلنية والسرية، بين تركيا والدولة العبرية، قد حان اليوم أوان تنفيذها بناء على مؤشرات الدور الاسرائيلي المتنامي في شمال العراق. وأتت التقارير الأخيرة التي أكدت ان عشرة في المئة من الطيران الحربي الاسرائيلي يرابط في قواعد أميركية في جنوب شرق تركيا تكريساً للخيار "القومي" التركي المنحاز الى اسرائيل ضد العرب، على رغم وجود حكومة ترفع راية "إسلايمة" في أنقرة. والثابت ان تركيا تجابه تفوق النفوذ الروحي الايراني في العراق باستخدام ورقة التحالف مع اميركا واسرائيل، غير عابئة بمضاعفات هذا الخيار في مستقبل العلاقات العربية التركية. لكن هل يلام الايرانيون والأتراك على تغليب مصالحهم الضيقة إذا ما كان العرب لا يملكون رؤية لمستقبل العراق ولا إرادة لفرض دورهم في معاودة تشكيله؟