لم يعرف أدب الأطفال نهضته الحقيقية وانتشاره والاعتراف به كفكر يلامس ميول الأطفال وأهواءهم إلا في القرن الثامن عشر، بعدما ادخلت بعض الرسوم في الروايات او المجلات الصادرة خصيصاً للأطفال. اليوم، لم تعد رسوم كتب الأطفال مجرد ألوان او خطوط مكمّلة للنص او رسوم توضيحية له، بل تحوّلت الى عنصر اساسي في القصة وبالتالي الى فن قائم بحد ذاته ومادة تثقيفية خيالية تضيف ابعاداً الى النص المكتوب. وسعياً لإبراز اهمية هذا الفن بمنأى عن النصوص او القصة المصاحبة له، اقام المركز الثقافي البريطاني والجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت معرض "القلم السحري" لرسوم كتب الأطفال. ضم المعرض 60 لوحة لأفضل 12 فناناً بريطانياً معاصراً وأشهرهم عالمياً في رسوم كتب الأطفال، وعلى رأسهم كوينتن بلايك منظّم المعرض الذي يعتبر اول الفائزين بجائزة "مرشح الأطفال". وتحظى بريطانيا بمكانة تاريخية في مجال رسوم الأطفال، اذ تحوّل هذا الفن الى مدخل لنشر الثقافة البريطانية والتعريف بها. ومثل ذلك "ويني" اشهر دب في العالم الذي ابتكره الكاتب البريطاني ميلن منذ 78 عاماً. تقول المسؤولة عن البرنامج الفني في المعهد الثقافي البريطاني في بيروت لين سنيج ان تاريخ هذا الفن في بريطانيا يشكل دافعاً اساسياً لإقامة مثل هذا المعرض في لبنان. وتشير الى ان قصص الأطفال هناك تعتبر إرثاً عائلياً يتم تناقلها من جيل الى آخر، لأهميتها في تكوين شخصية الطفل وتعويده على المطالعة. فالقصة بنصّها ورسومها تعد من اولى الثقافات التي يحظى بها الإنسان. ويجسد المعرض الذي يشارك فيه كل من مايكل نورمن، سارة فانيللي، لورين تشايلد، ايما شيشستر كلارك، جون بورمنغهام، رايموند بريغز، ستيفن بيستي، باتريك بنسون، انجيلا باريت، طوني روس وكوينتن بلايك، الأساليب الجديدة والمتبعة حالياً في وضع رسوم قصص الأطفال وذلك في خط موازٍ للرسوم التي عرف بها كبار هذا الفن في بريطانيا اليوم ككوينتن بلايك، والتي تصنّف في خانة كلاسيكيات رسوم الأطفال. كما يعكس المعرض الزخم في الابتكارية والإبداع في اعمال الرسامين المشاركين. وتبرز مظاهر التجديد في معرض "القلم السحري" من خلال فن اللصق في رسوم لورين شايلد وسارة فانيللي. ويمكن تمييز اعمال هذه الأخيرة بسهولة، فهي تستخدم رسوماً وحروفاً مكتوبة يدوياً وموزعة عشوائياً بين الصفحات، فيبدو الكتاب وكأنه دفتر انهكته "خربشات" الأطفال. ولعل من اشهر اعمالها المبتكرة كتاب Dear Diary. ويبدو ستيفن بيستي مولعاً بالتفاصيل، فأعماله تقوم على ابحاث ودراسات يعتمد عليها في تشريح جسد الإنسان والسفن الحربية... فنياً. اما كوينتن بلايك فتبدو اعماله اكثر بساطة وخفة سواء بالنسبة لأسلوب الرسم ام الألوان الهادئة التي يستخدمها. ويمكن القول ان هذا المعرض قد يشكل نافذة يمكن لأدب الأطفال العربي ان يطل عليها فيتخذها نموذجاً يحتذى به، ودفعاً لابتكار اشكال وألوان ونصوص يمكنها ان تلبي احتياجات الطفل واهتماماته واستثارة فضوله، علّها تنجح يوماً في تعزيز رغبته في المطالعة، خصوصاً إذا نطقت الأرقام لتؤكد ان متوسط قراءة الطفل العربي - وفقاً لإحصائية منظمة التربية والثقافة والعلوم - لا يتجاوز 6 دقائق في السنة!