على رغم طغيان الخلافات الرئاسية التي تنعكس في مواقف علنية لكل من رئيسي الجمهورية اميل لحود والحكومة رفيق الحريري، على سائر القضايا الداخلية المهمة، التي تشكل بدورها وقوداً لها، لم يكن ممكناً لخريف بيروت أن يمر من دون أن يتجدد موسم التحركات المطلبية. فبعد اضراب سائقي سيارات الاجرة الاسبوع الماضي دخل اضراب اساتذة الجامعة اللبنانية الذي سيستمر اسبوعاً، يومه الثاني أمس ومطلبهم يتعلق بالمبالغ المرصودة للجامعة. ومع عدم عقد جلسة مجلس الوزراء في جلسته العادية اليوم بسبب وجود الحريري في ماليزيا حيث يترأس وفد لبنان الى القمة الاسلامية، ما يوفر على الحكام مناقشة "الملفات الخلافية"، دخل على الخط أمس رئىس الحكومة السابق الدكتور سليم الحص، فشن هجوماً على الحريري بحجة تخليه عن صلاحيات الرئاسة الثالثة. لكن العلاقة الرئاسية ستخضع لاختبار جديد في جلسات للحكومة ستخصص لمناقشة مشروع الموازنة التي تشكل موضوع تباين، وذلك ايام الثلثاء والاربعاء والخميس من الاسبوع المقبل. ويؤدي إضراب الأساتذة الى شل العمل في كل فروع كليات الجامعة وتعطيل دراسة نحو 80 ألف طالب يتابعون دراستهم فيها. ويحتج نحو ألفي استاذ متفرغ في الجامعة على توقف صندوق التعاضد عن تقديم المساعدات الاستشفائية اليهم في ضوء عدم تسديد الدولة مبلغاً قدره 3،2 بليون ليرة للصندوق، كما يحتجون على عدم اقرار عقود التفرغ للأساتذة المستحقين، خصوصاً ان هؤلاء يعملون بالساعة ولم يقبضوا مستحقاتهم منذ سنتين. وعلى رغم ان وزير المال فؤاد السنيورة وقّع، ليل أول من أمس، على موازنة الجامعة وأحيلت الى رئاستها فإن الاجتماعات التي عقدها الاساتذة، امس، في كلياتهم لتقويم التحرك اعطت الاولوية لمعالجة مسألة صندوق التعاضد، خصوصاً انه توقف عن استقبال المعاملات بحجة عدم وجود المال. وتراوحت النقاشات التي سادت اجتماعات الاساتذة بين المطالبة بتصعيد التحرك وصولاً الى التظاهر والاعتصام وبين من وجد الاضراب مرتجلاً داعياً الى التفتيش عن الاسباب الرئيسة وراء ما هو حاصل ومحاسبة المهملين في الجامعة. وانضمت أمس، رابطة اساتذة التعليم الثانوي الرسمي الى موسم التحركات المطلبية فأقرت توصية هيئة تنسيق روابط الاساتذة والمعلمين والموظفين في القطاع العام بتنفيذ الاضراب العام في الثانويات الرسمية الاثنين المقبل تضامناً مع اضراب اساتذة اللبنانية وتنفيذ الاضراب العام والتظاهر الخميس المقبل. الحص وشن رئيس الحكومة السابق سليم الحص في مناسبة مرور ثلاث سنوات على خروجه من الحكم، هجوماً على خلفه الحريري، وسأله: "ماذا حل بمقام رئاسة الوزراء في عهدك؟ هل هو محفوظ ومصان؟ إنك رئيس لمجلس الوزراء ولم تترأس جلسة واحدة". وخاطبه: "أنت المسؤول الأول عن السلطة الإجرائية دستورياً، فهل أنت راض عن أدائها؟ ماذا تقول عن الأزمة المعيشية الخانقة؟ وعن البطالة المستفحلة وهجرة الشباب المتفاقمة؟ وعن الفساد المستشري في أوصال الدولة والمجتمع؟". واضاف في بيان: "ان الناس لا يفوتهم إسهامك المباشر في إشاعة هذه الحال المزرية إذ لم تتورع عن تسخير إمكاناتك المادية الأسطورية في خدمة مآربك السياسية الآنية، فكادت الساحة السياسية تنقلب الى سوق نخاسة تُشرى فيها النفوس وتباع وكذلك الضمائر والآراء والمواقف لا بل والأصوات يوم الانتخاب". وتابع الحص سائلاً الحريري: "ماذا حل بمقام رئاسة الوزراء وأنت، كما يبدو، لا تؤدي دور الشريك الفاعل في الحكم، اللهم إلا في المواكب الطنانة واستنفار كل أسباب التبجيل والتفخيم والتعظيم، ولا يجديك نفعاً أن تلجأ إلى سياسة المناكفة، فهذا الأسلوب لا يؤتي ثماراً، ناهيك أنه لم يعد ينطلي على أحد ممن تعودت أن تبهر، كما لم يعد الناس ينبهرون بقدرتك على المثول إلى جانب هذا أو ذاك من كبار العالم من أجل صورة أو خبر". وقال: "الواضح أن قرار السلطة ليس في يدك، حتى وزير المال وهو المحسوب عليك قلباً وقالباً يصرح أنه لم يطلعك على مشروع الموازنة لعام 2004 قبل إعلانه". وسأل: "أهكذا تساس الدولة؟ أهكذا تمارس المسؤولية؟ أهكذا تورد الابل؟". وقال: "لقد جنت يداك علي زوراً وبهتاناً وكان لك آنذاك كل ما تريد بفعل ما تملك من إمكانات فائقة ولكن بوجود الله الحليم الحكيم، تبقى الغلبة في نهاية المطاف للحق والحقيقة ويبقى سلاح الموقف هو السلاح الأمضى". وتابع: "أنا لا أطلب أمراً لنفسي، مكتفياً براحة الضمير والسعي إلى خدمة وطني، أما أنت فإنك تطلب أموراً لنفسك أولها البقاء في سدة الرئاسة بأي ثمن. وهذا ضعفك".