يُنتظر أن تتم "صفقة" في القمة الأميركية - اليابانية نهاية الأسبوع الجاري، ستلعب دوراً مهماً في تحسين فرص مؤتمر مدريد في توفير حد أدنى من التمويل لإطلاق عملية إعادة إعمار في العراق، لا سيما بعدما قلل البنك الدولي من الأعباء الفورية لهذه العملية التي قدر، في تقويم مشترك مع برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة، احتياجاتها في السنوات الأربع المقبلة بنحو 36 بليون دولار من دون حساب احتياجات الأمن والنفط وقطاعات أخرى قدرتها إدارة "التحالف" بقرابة 20 بليون دولار. وذكرت مجلة "بيزنس ويك"، التي تتمتع بنفوذ قوي في الأوساط الاقتصادية "ان الصفة ستقوم على وجود تعارض حاد في مصالح أميركا واليابان في أسواق الصرف، لكنها ستجد مبررات قوية في حاجة أميركا لمساهمة دولية تخفف أعباءها المالية ازاء عملية إعادة الإعمار من جهة، وحاجة اليابان لاقناع أميركا بأن الانتعاش الهش الذي بدأه الاقتصاد الياباني أخيراً لا يحتمل استمرار ارتفاع أسعار صرف الين مقابل الدولار، من جهة ثانية". وكان وزراء المال في مجموعة الدول الصناعية الكبرى، الذين التقوا على هامش الاجتماعات السنوية المشتركة لصندوق النقد والبنك الدوليين في دبي أواخر الشهر الماضي، طالبوا في بيان مشترك ب"أسعار صرف مرنة"، ما اعتبره المحللون الأميركيون عبارة ديبلوماسية تخفي مطالبة أميركا شريكيها التجاريين اليابانوالصين بالسماح لسعري صرف الين واليوان بالارتفاع مقابل الدولار، الذي تريد واشنطن اضعافه في محاولة لتنشيط الصادرات الأميركية وتخفيف حدة أزمة البطالة. ولم تحدث تطورات تذكر في اليوان، الذي تربطه الصين بشكل غير مباشر بالدولار، إلا أن سعر صرف الين مقابل الدولار ارتفع بشكل دراماتيكي منذ صدور بيان دبي، دفع وزير المال الياباني ساداكازو تانيغاكي للتهديد باتخاذ "اجراء حاسم" قد يعني تكثيف عمليات شراء الدولار التي رفعت السلطات المالية اليابانية مخصصاتها إلى 120 بليون دولار منذ بداية السنة، ويحتمل أن ترتفع من جديد إلى 210 بلايين دولار قبل نهاية سنتها المالية في آذار مارس المقبل. ولم تستبعد "بيزنس ويك" أن تشهد القمة الأميركية - اليابانية التي ستُعقد بعد غد الجمعة، صداماً بين حاجة اليابان للتصرف بحرية في أسواق الصرف وحاجة أميركا لإضعاف الدولار، لكنها رأت أن الرئيس جورج بوش "الذي تقدم إدارته الاعتبارات الجيوسياسية على الاعتبارات الاقتصادية" لن يملك إلا القبول بالموقف الياباني عندما يعلن رئيس الوزراء جانيشيرو كوازومي التزام بلاده تقديم زهاء 5 بلايين دولار لعملية إعادة الإعمار في السنوات الأربع المقبلة، فضلاً عن ارسال ألفي جندي ياباني إلى العراق. وخلصت المجلة إلى أن المساهمة اليابانية، علاوة على مساهمات معلنة أو متوقعة من قبل نحو 50 بلداً من ضمنها دول الاتحاد الأوروبي التي التزمت تقديم 235 بليون دولار سنة 2004، وكذلك بريطانيا التي أعلنت أن مساهمتها الاجمالية ستصل إلى قرابة بليون دولار بعد حساب حصتها في مساهمة الاتحاد المشار إليها، من شأنها أن تحسن فرص مؤتمر مدريد في توفير حد أدنى من التمويل لإطلاق عملية إعادة الإعمار لا سيما في حال نجحت أميركا باستصدار قرار دولي جديد في شأن العراق. وشارك البنك الدولي بقوة في حشد التأييد الدولي لمؤتمر مدريد، إذ أكد على أن هذا المؤتمر يواجه تحدياً يتمثل في جمع أكبر قدر ممكن من المساهمات. وقلل في الوقت نفسه من الأعباء الفورية لمشاريع إعادة الإعمار بسبب الظروف الأمنية ومحدودية القدرات الاستيعابية والحالة العامة لتسهيلات البنية التحتية في العراق، مشدداً على أن التمويل لن ينحصر في المساهمات الدولية، بل سيشمل مصادر أخرى مثل عائدات النفط العراقي والضرائب واستثمارات القطاع الخاص. وأوضح البنك الدولي في النص الكامل لتقرير تقويم الاحتياجات الذي نشره نهاية الأسبوع الماضي، أن القدرات الاستيعابية المتوافرة للمؤسسات العراقية من شأنها أن تخفض متطلبات التمويل إلى ما يعادل 14 في المئة فقط من الاحتياجات الاجمالية في السنة الأولى، و22 في المئة في الثانية و23 في المئة في السنة الثالثة، ما يعني ان اطلاق عملية إعادة الإعمار سيتطلب 2.5 بليون دولار السنة الأولى، ونحو 8 بلايين دولار في كل من السنتين الثانية والثالثة. وكشفت سلسلة المناقشات المكثفة التي أجرتها لجان المخصصات والعلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ والنواب طوال الأسبوعين الأخيرين مدى ضخامة الآمال التي يعلقها المشرعون الأميركيون على نجاح مؤتمر مدريد في توزيع أعباء إعادة إعمار العراق على أوسع نطاق دولي ممكن، ما اعتبره مراقبون الدافع الرئيسي وراء سلسلة الخطوات التي اتخذتها واشنطن في هذا الاتجاه أخيراً، خصوصاً سحب إدارة عملية إعادة الإعمار من وزارة الدفاع وتقديم تنازلات مهمة في مجلس الأمن. إلا أن المراقبين أشاروا إلى أن تحسن فرص مؤتمر مدريد المقرر أن ينعقد في الفترة من 23 إلى 24 تشرين الأول اكتوبر الجاري، لن يخفف من أعباء دافعي الضرائب الأميركيين الذين اقترحت لجنة المخصصات التابعة لمجلس النواب الأسبوع الماضي أن تصل مساهماتهم في عملية إعادة الإعمار السنة المقبلة فقط 4.17 بليون دولار من أصل 5.19 بليون دولار اقترحتها إدارة الرئيس بوش.