أعلن المديرون التنفيذيون في صندوق النقد تأييدهم الإجراء الذي اتخذته الكويت أخيراً في شأن ربط الدينار بأسعار صرف الدولار الأميركي بإعتباره، حسب تقرير عن نتائج المشاورات الدورية مع الحكومة الكويتية، يشكل خطوة أولى على طريق إنجاز مشروع الوحدة النقدية لدول مجلس التعاون الخليجي وهو المشروع الذي وصفته المؤسسة الدولية "هدفاً قيماً" من شأنه أن يعزز كفاءة الإقتصادات الخليجية ويسهم مساهمة كبيرة في تنمية القطاعات الإقتصادية غير النفطية في المنطقة. لكن صندوق النقد رأى، في دراسة تقويمية تعتبر الأولى من نوعها، أن تحقيق المنافع الإقتصادية المتوقعة من مشروع الإتحاد النقدي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، يتطلب النظر إلى توحيد العملة على أنه عنصر واحد من جملة عناصر الجهد الخليجي التكاملي الذي يجب أن يشمل إزالة التشوهات المعيقة للمبادلات البينية التجارية والإستثمارية وكذلك التوصل إلى إتفاقات أطر سياسات إقتصادية تضمن إستقرار الإقتصاد الكلي، وتُعمّق التنسيق والتكامل السياسي لدول المجلس. ولاحظت الدراسة التي أعدها "إستيبان يارديتش"، من إدارة الأبحاث في الصندوق، أن هدف توحيد نظم الصرف شكل أحد الآمال الصريحة لدول مجلس التعاون وتم إعلانه رسمياً، بعد قرابة عام واحد من تأسيس المجلس في أيار مايو سنة 1981، وفي المادة 22 من الاتفاق الإقتصادي الذي أكد على أن "الدول الأعضاء ستعمل على تنسيق سياساتها المالية والنقدية والمصرفية وتعزيز التعاون بين مؤسساتها النقدية ومصارفها المركزية، بما فيها السعي لتوحيد العملة بهدف تعزيز التكامل الإقتصادي". يشار إلى أن مسألة العملة الموحدة أدرجت في المادة الرابعة من الاتفاق الاقتصادي الجديد الذي أقر في كانون الأول ديسمبر 2001 ونص، في ما يتعلق بالاتحاد الاقتصادي والنقدي، على أن "تقوم الدول الأعضاء، وفق جدول زمني محدد، بتحقيق متطلبات هذا الإتحاد بما في ذلك إحراز مستوى عال من التقارب بين الدول الأعضاء في السياسات الإقتصادية كافة، ولا سيما السياسات المالية والنقدية، والتشريعات المصرفية، ووضع معايير لتقريب معدلات الأداء الإقتصادي ذات الأهمية لتحقيق الإستقرار المالي والنقدي، مثل معدلات العجز والمديونية والأسعار". ولفتت الدراسة إلى أن هدف توحيد العملات الخليجية إكتسب زخماً جديداً من إطلاق المرحلة الثالثة من مشروع الوحدة الأوروبية الإقتصادية والنقدية سنة 1999، والتي مهدت لتبني اليورو كعملة موحدة ل 11 بلداً من بلدان الإتحاد الأوروبي النمسا، بلجيكا، فنلندا، فرنسا، ألمانيا، ايرلندا، إيطاليا، لوكسمبورغ، هولندا، البرتغال، اسبانيا، علاوة على إستمرار دول مجلس التعاون في العمل لتعزيز التنسيق والتكامل بين إقتصاداتها. وقبل الخوض في مكاسب العملة الموحدة وخسائرها وشروط نجاحها، علاوة على إختيار ترتيبات الصرف، وجد يارديتش من المفيد البدء بملاحظة التقارب الملفت للنظر، القائم بين سياسات أسعار الصرف، التي تتبناها دول مجلس التعاون لعملاتها الوطنية وأسعار صرف الدولار، مشيراً إلى أن غالبية العملات الخليجية تلزم حقوق السحب الخاصة، وهي الوحدة النقدية لصندوق النقد. وتتألف من سلة من العملات الدولية الرئيسة، لكنها ترتبط عملياً بالدولار. وأوضح أن أربع عملات خليجية هي: الدينار البحريني والريال القطري والريال السعودي والدرهم الإماراتي، لم تسجل أي تعديل في قيمة أي منها مقابل الدولار منذ منتصف الثمانينات بينما حقق الدينار الكويتي، الذي يعتبر العملة الخليجية الوحيدة التي لم يتم ربطها بالدولار بعد إنهيار نظام إتفاق "بروتن آند وودز"، إستقراراً مثيراً للدهشة وبلغ حيز تباينه مع الدولار طوال الأعوام الخمسة الأخيرة أقل من واحد في المئة. وإستئناساً بالإجراء الكويتي الأخير وكذلك الريال العماني المرتبط رسمياً بالدولار منذ وقت بعيد، إفترض يارديتش أن دول مجلس التعاون ستختار ربط عملتها الموحدة بأسعار صرف العملة الأميركية لكنه شدد على أن ذلك سيكون واحداً من جملة من البدائل المتاحة. مكاسب وخسائر وسيحقق توحيد العملة لدول مجلس التعاون فوائد إقتصادية عدة تتفاوت في درجة أهميتها لكنها تصب في نهاية المطاف في رفع كفاءة الإقتصادات الخليجية وتوسيع آفاق إتحادها وتكاملها. وستنجم المنفعة الإقتصادية الرئيسة المباشرة عن التخلص من أعباء الصرف التي تتحملها الشركات الخليجية في صفقاتها البينية سواء التجارية أو الإستثمارية، علاوة على إزالة أي غموض في ما يتعلق باحتمالات تقلب أسعار الصرف ما سيساهم، في المحصلة، في نمو القطاعات الإقتصادية غير النفطية. وفي مقابل المنافع الإقتصادية سيترتب على توحيد نظم الصرف ماوصفته دراسة صندوق النقد ب"دفع بعض الثمن" الذي قد يعني أن كل دولة من دول مجلس التعاون، سواء السعودية أو الإمارات أو الكويت أو عمان أو قطر أو البحرين، ستضطر إلى التخلي عن إمكان إتخاذ قرارات أحادية على صعيدي السياسة النقدية وأسعار الصرف، وستكون أكثر عرضة للتأثر سلباً، بإختلالات الإقتصاد الكلي التي قد تحدث في الدول الأخرى الأعضاء. وشدد يارديتش على أن التخلص من إزالة أعباء الصرف والغموض سيكون أمراً مهماً، بسبب مساهمته ليس في تعزيز الكفاءة الإقتصادية وتوسيع آفاق التكامل الإقتصادي وحسب، بل في نمو النشاط الإقتصادي غير النفطي الذي يشكل غالبية النشاط التجاري البيني للدول الأعضاء ويعتبر أحد أهدافها الرئيسية، مؤكداً أن أعباء الصرف والغموض يشكلان نوعاً من الضريبة على المبادلات التجارية والإستثمارية لهذه الدول. وأبرز خصوصاً أهمية إزالة الغموض عن أسعار الصرف، معتبراً أن الثبات الذي تتمتع به العملات الخليجية كنتيجة لإرتباطها العملي بالدولار لا يستبعد إحتمال أن تقرر واحدة، أو أكثر من الدول الأعضاء، إحداث تغير في ترتيبات أسعار صرف عملتها. وأشار إلى أن هذا الغموض، وبسبب طول الفترة الزمنية التي تفصل عادة بين إبرام العقود وموعد دخولها حيز التنفيذ، قد يشكل عائقاً أمام النشاط التجاري والإستثماري لرجال الأعمال الذين لا يحبون المخاطرة. ولفت يارديتش إلى أن المكاسب التي يمكن أن تحققها دول مجلس التعاون من توحيد عملاتها لن تكون كبيرة بالمقارنة مع التجمعات الإقليمية الأخرى، مثل الإتحاد الأوروبي منطقة اليورو، وإتفاق التبادل الحر لدول أميركا الشمالية نافتا، وذلك من واقع أن منافع العملة الموحدة ترتبط على التوالي بعدد عمليات الصرف وأهميتها وحجم التجارة البينية التي تعتبر، بالنسبة إلى دول مجلس التعاون، متواضعة ولم تتعد ما نسبته سبعة في المئة من إجمالي الصادرات الخليجية لسنة 1995. لكنه أكد أن الحال تختلف كلياً عندما يتعلق الأمر بنشاط القطاعات غير النفطية إذ أن إستبعاد النفط ومشتقاته يرفع حجم المبادلات التجارية بين دول مجلس التعاون إلى زهاء 34 في المئة من تجارتها الاجمالية، وهي نسبة عالية لا تزيد على المستويات المسجلة في تجمعات إقليمية مهمة مثل إتفاق التبادل الحر لدول أميركا الجنوبية ميركوسور ونظيره الآسيوي آسيان وحسب، بل ترتفع إلى 60 في المئة بالنسبة إلى المبادلات الثنائية بين دولتين عضوين هما الكويتوقطر. وخلص يارديتش، في إستعراض المكاسب المحتملة المترتبة على توحيد العملات الخليجية، إلى أن هذه المكاسب ستساهم في زيادة المبادلات التجارية والإستثمارية بين دول المجلس في المدى البعيد، لا سيما عندما تتعزز بجهد تكاملي إقتصادي وسياسي أوسع نطاقاً، مشيراً إلى دراسة أجراها أندرو روز"من "المركز الوطني للأبحاث الإقتصادية في كامبريدج" مساشوسيتس، ودلت نتائجها على أن المبادلات التجارية بين الدول التي تشترك بعملة واحدة تزيد بمقدار ثلاثة أضعاف عن مبادلاتها التجارية مع الدول الأخرى.