ها نحن نخاف ان نأمل مرّة أخرى لمجرّد ان بادرة مسرحية شبابية جعلتنا نبقى في مقاعدنا حتى آخر العرض، لئلا نجرؤ على القول اننا صفّقنا ببعض الحرارة. نخاف الرجاء طبعاً بسبب الخيبات السابقة، الخيبات المتراكمة، والخيبات المتوقعة. غير ان مسرحية "خطيفة" على مسرح المدينة في بيروت حتى 21 من الشهر الجاري، إخراج وتأليف جيرار افيديسيان وتمثيل طلبة فرع المسرح في جامعة "الكفاءات" نفخت الرماد عن جمرة طالما اعتقدناها تجلّدت، وأعادت الهواء الى رئة المسرح اللبناني. الواقع ان النضارة الموظفة لمصلحة العرض المسرحي كانت العنصر المحرّك، الإيجابي، في إنجاح هذا العمل وبالتالي بعث ذلك الرجاء العتيد. والفضل في هذا عائد الى عملية وصل الجسور المهدومة بين الأجيال التي هندسها مدير فرع المسرح في "الكفاءات" الممثل رفعت طربيه. فهو قرر ان يعيد شيوخ الحركة المسرحية الى قلب الخشبة ويسلمهم دفة المركب لعلّهم ينفخون في الملاحين الشبان من روحهم المجرّبة، بل روحهم المعذبة بسبب فوضى ما بعد الحرب. وهكذا جاء شكيب خوري وبرج فازليان وريمون جبارة وانطوان كرباج فضلاً عن جيرار افيديسيان ومنير غاوي الى "الكفاءات" وبدأت ورشة الشغل المحلومة. وليس غريباً ان يكون "الشيطان" جيرار افيديسيان أول الناشطين، فهو الأكثر شغفاً بالاستعراض والأكثر استخفافاً بتقطيب الجبين والأكثر جرأة على كسر القواعد من دون تحطيم القاعدة. لكن لجيرار عادات سيئة لا بدّ من التنويه بها فهو يسرف في الاستعارات اللفظية، غنائية أو شعبية بدل ابتكار نص مستقل تماماً أو نص يستوحي أكثر مما يقترض. الى ذلك نراه لا يفرّق ولا يكترث لحساسية اللغة المحكية فيقحم عليها احياناً ألفاظاً فصحى غير مناسبة تنفّر الأذن وتشوش سياق النص. لجهة التمثيل واضح ان اساتذة "الكفاءات" كدحوا كثيراً لتأهيل 12 ممثلاً وممثلة الى مستوى لائق بالخشبة. مع ذلك فالطريق طويل أمام هؤلاء الواعدين الطموحين والنقد ضروري أكثر من التصفيق. ولعلّ الشائبة العامة التي تطاول معظمهم تكمن في ضعف استعمال الصوت وتطويع مخارج الحروف. ولا يخفى على رفعت طربيه الذي أفاد في هذا المجال كثيراً من مدرسة المسرح الحديث. إيجابياً، لا بدّ من القول ان باقة العمل الجماعي وتنسيق الحركة الكوريغرافية ودينامية الايقاع عناصر ممتازة في مسرحية "خطيفة" والشعور الذي واكب الجمهور بعد العرض ختمٌ لا يناقش على نجاح التجربة إن لم نقل وضع القطار على السكة الصحيحة في المسيرة العسيرة لعودة المسرح اللبناني الى الحياة.