استطاع المخرج اللبناني جيرار أفيديسيان أن يوهم الجمهور في مسرح «المدينة»البيروتي، مدّة لحظات، أنّ المسرحي الراحل أسامة العارف موجود في احتفالية المسرح العالمي التي كرّمته، حينما طلب من العارف افتراضياً، أن يصعد الخشبة ليُعقّب على تلخيصه التمثيليّ والإخراجي لمسرحية «الطاووس البرتقالي»، فيما ظلت بقعة الإضاءة الدائرية، ثابتة على الخشبة، كما لو أنه موجود فيها. وقد حاور أفيديسيان في أدائه طيف العارف بوصفه كاتباً تناول القضية الفلسطينية في النص المسرحي، إلى جانب موضوع العروبة. وتدور أحداث المسرحية في سجن فيه سجّان إسرائيلي وسجين فلسطيني مُتّهم بتفجير نايت كلوب اسمه «الطاووس البرتقالي». وستُقدَّم المسرحية على أحد مسارح بيروت في الخريف المقبل. وقد افتتح الاحتفال بأغنية أكابيلا للفنانة ميراي صفا، غنّتها باللغة الإيطالية، ويعود زمن الأغنية إلى القرن السادس عشر، ثم قُدّم مشهد من الرقص المعاصر، صمّمه بسام أبو دياب وعلاء كرينيد بالاشتراك مع لانا فهمي، وتركّزت حركات الجسد للراقصين الثلاثة على إبراز صوفية فعل التمثيل ومداه الروحيّ المتنامي في الحالة الدرامية. و كرّمت المخرجة نضال الأشقر أربع شخصيات مسرحية أخرى صديقة للعارف، هي: جيرار خاجريان، روجيه عساف، برج فازليان، جلال خوري، وسلّمت كلاًّ منهم نسخة من مفتاح مسرح المدينة، وتحدّثت الأشقر عن علاقة العارف الوجدانية بالخشبة قائلةً: «كان رجُلَ مسرح بفكره وكتاباته، إضافةً إلى تميّزه في عالم المحاماة». واستعادت لحظات إنسانية متواصلة بينهما من الضحك والتهكّم على كل شيء، على الأنا والآخر وعلى الذات الجماعية. وألقى جيرار كلمة أصدقاء المسرحي، قائلاً: «كانت صداقته حلماً»، بينما قرأ محمد بكري كلمة العائلة. «جئت إلى الحياة نتيجة حلم»، يقول العارف في كتابه «ذاكرة الرمل»، قاصداً الحلم الذي شاهدتْه والدته عندما تقدَّم أبوه إلى خطبتها، وقد كان أبوه كفيفاً، شاهدت الأم قمراً نصفه معتم، ونصفه الآخر مضيء، فوافقت على الارتباط بالمحامي عارف العارف. وعُرِض على شاشة سينمائية مشهدان من مسرحيتين مُسجّلتين للعارف، الأول من مسرحية «بنسيون الست نعيمة» (إخراج جلال خوري)، وعُرضت سابقاً على مسرح «جان دارك» في عام 1992، والثاني من مسرحية «يا إسكندرية بحرك عجائب» (إخراج يعقوب الشدراوي)، وعُرضت على مسرح «المدينة/ كليمنصو» في عام 1995، ومثّل فيها حسان حمزة دورَ لورنس العرب، وتعالج المسرحية قضية التآمر على العرب، ورهاب الأوروبيين من تبرير دورهم وتلميعه، وإنكار وجود إسرائيل من الطرف العربي، في المقابل. ويصدح في التسجيل المأخوذ من أرشيف التلفزيون اللبناني، صوت الشيخ إمام يُغنّي «مصر يمه يا بهية». وقدّم مجموعة من المسرحيين قراءات ومشاهد مسرحية من تأليف العارف (كرّمه مهرجان «ملتقى الشباب» في «مسرح المدينة» في أيلول/ سبتمبر 2012)، ومنها مشهد من مسرحيته «إضراب الحرامية»، التي أنجزها «محترف بيروت المسرحي»(قدمتْ في فندق نورماندي القديم) في عام 1970، من إخراج نضال الأشقر وروجيه عساف، وفيها يعلن الكاتب رفضه كل أشكال اللصوصية، ولاسيما المبطنة بالقانون والشرعية، معلناً انهيار الهيكل الاجتماعي للبوليس. ويتساءل النص أنه في حال غابت أي سلطة رقابية على المجتمع، ألن يكون الاختلاس أقلّ؟ ويقف في المشهد مجموعة من اللصوص حائرين أمام قرار سلطويّ بتوقّفهم عن العمل، وبينما يخمّن الجمهور، في بداية دخولهم إلى الخشبة، من بين الصفوف، أنّ أحداً ما منهم سرق الآخر، إذ يلجأون إلى رجل الشرطة، يتبيّن أن الجميع يمتهن السرقة والتلاعب بأموال الغير. وقدّمت المخرجة اللبنانية بيتي توتل تمهيداً لمسرحية «أيام بتسوا فرنكو»، ثم مُثِّل مشهدٌ منها يظهر خلاله رجل دين مُصِرّاً على تغيير أفكار شابّ ماركسي ثائر، طالباً منه تغيير ديانته طالما أنه على أفكاره الماركسية، وهنا يرفض الشاب، وكأنه يكترث، مثل أي شخص عاديّ، للحفاظ على ديانته الأصلية، إنها مسرحية عن القتال لمجرد القتال، ولمجرد الخصومة، مع فرد واحد في جماعة ما، حتى لو كان الأب، وفي النهاية ينتج أن الحروب كلها قائمة بلا مبرر، وبلا نزعة دفاعية.