السن عند المشاركة 21 سنة جذبتني اخبار الحرب الأهلية في البوسنة والهرسك منذ بدايتها. كانت حوادث هذه الحرب تملأ الصحف ووكالات الأنباء وشاشات التلفزيون، بينما كانت بالنسبة لي حرباً واضحة المعالم: صرب متعصبون يذبحون مسلمين عزل من السلاح ويغتصبون نساءهم ويصادرون ارضهم ويخرجونهم من ديارهم. وكان يمكن للعاطفة المتقدة في نفسي مع مسلمي البوسنة ان تبقى عاطفة من غير فعل. لكن لقائي بمجاهد سابق في افغانستان غيّر كل شيء. اعطاني المجاهد ابو احمد شريطاً يحمل عنوان "الفرار الى الله" وفيه عبارات تقول ان الجهاد فريضة عظيمة من فرائض الإسلام. وسألني إن كنت مستعداً للجهاد في البوسنة ليرتب لي الطريق. كاشفت اهلي بنيتي وكانت ردة فعلهم الفزع الشديد. ضغطوا علي كي اعدل عن قراري لكنني اصررت، وفي النهاية وافقوا على مضض وحزن. تولى ابو احمد اعدادي للمهمة وحصلت على فيزا لدخول كرواتيا. وانطلقت متوقعاً الصعوبات منذ البداية. لم يكن العبور الى البوسنة عبر كرواتيا بالأمر السهل. كنا مجموعة صغيرة من العرب في ارض غريبة تستخدم الخرائط العادية بغية الوصول الى وجهتها النهائية: مدينة "زنيتسا" في البوسنة. وبعد ان تجاوزنا عراقيل كثيرة وصلنا وكان في "زنيتسا" مكتب للمجاهدين. سلمت جواز سفري للمكتب فطلبوا مني ان اكتب وصية لأهلي وأن احدد اقرب الناس لي في الكويت حتى يتصلوا به في حال استشهادي. ثم انتقلت الى معسكر التدريب، كان بدائياً جداً. معظم المجاهدين كانوا من العرب الى جانب بوسنيين جاؤوا من المهجر. سئل كل منا عن المهارات التي يحسنها حتى يحددوا نوع التدريب. استغرق التدريب عشرة ايام تعلمت في خلاله استخدام الكلاشنيكوف واسلحة المشاة الخفيفة الأخرى. أعترف بأن عدداً من المتدربين العرب في المعسكر لم يكن يثير ارتياحي، إذ كان ينقصهم الكثير من التأسيس الديني وبديهيات السلوك الإسلامي كما نعرفه ونتوقعه من شخص متدين في الكويت مثلاً، ولكن لم يكن في الإمكان اختيار الظروف التي نقاتل بها او مع من نقاتل. بدأنا القتال في قرية تنازع المسلمون مع الصرب السيطرة عليها لأسابيع. لا أتذكر اسم القرية اذ ان اسماء المدن والمواقع في البوسنة صعبة ومتشابهة جداً، نحن المتطوعين العرب دخلنا القتال كجزء من هجوم مضاد نفذته القيادة البوسنية لاستعادة القرية، حققنا انتصاراً سهلاً ومبكراً فارتفعت معنوياتنا. كنت اتصور ان للصرب جيشاً رهيباً لا يقهر، لكن الأسابيع الأولى من المعارك بينت لي ان رهبة المقاتل الصربي ناتجة عن الفظائع التي يرتكبها لا عن كفاية عسكرية خاصة. المقاتلون الصرب كانوا على غرارنا متطوعين جيء بهم الى الجبهات بعد تدريب بدائي. لكن القوات الصربية كانت اكبر عدداً وأفضل تسليحاً وامتلكت عنصر المبادرة في الحرب. وكان الطيران سلاح الجو يستخدم في ضرب المدنيين في القرى والمدن. كان للكتيبة التي قاتلت تحت لوائها حظ طيب في القتال، والفترة التي شاركت فيها تزامنت مع نجاح المسلمين في تنفيذ هجمات مضادة ناجحة ضد الصرب. قرأت عندما عدت من البوسنة روايات مبالغ فيها عن انتصارات المجاهدين العرب في البوسنة، وهذا غير صحيح. نعم حققنا نجاحات طيبة وقدمنا شهداء لكن الجهد الأعظم بذله الجيش البوسني المسلم، وأعتقد ان مشاركة العرب رفعت من معنويات البوسنيين. ان من استشهد من المجاهدين العرب كان كذلك مصدر إلهام للمقاتلين البوسنيين. بعض العرب هناك تصرفوا بشكل مزعج وجلبوا خلافاتهم ومشكلاتهم معهم خصوصاً بعد التوقيع على وقف اطلاق النار وقيام الهدنة. لم يعجبني الوضع بعد الهدنة في البوسنة، وأخبرني احد الأخوة ان الحدود مع كرواتيا ستغلق عاجلاً ونصحني بالمغادرة والعودة الى الكويت وهكذا كان. بعد هذه التجربة وبعد ان فرغت شحنة الحماس في نفسي بدأت افكر في الأمر بهدوء اكبر. راجعت عدداً من العلماء وبحثت في الجوانب الشرعية لمسألة توجه الشبان العرب للقتال في اماكن مثل البوسنة. كان العلماء يعتقدون ان هذا الجهاد تنقصه امور كثيرة. اصبحت اعتنق هذا الرأي بعد خوضي التجربة واحتكاكي ببعض العرب الذين تواجدوا على الجبهات البوسنية والذين ينقصهم الكثير من العلم الشرعي الإسلامي. انا الآن لا انصح الشباب بالانخراط في اي عمل مسلح إلا بعد سؤال الفقهاء المتبحرين في العلم ومعرفة مدى انطباق شروط الجهاد عليه.