ليس بمستغرب ما نسمعه هذه الأيام من تعالي أصوات سوريين وسوريات من المعارضة ومن سكان مناطق تقع تحت سيطرة الجيش الحر، ومن الجيش الحر نفسه، يطالبون بطرد ورحيل من يسمون أنفسهم بالمجاهدين من أتباع الجماعات الإسلامية المتطرفة من تنظيم القاعدة وجبهة النصرة وغيرها، بعد انقلابهم على الجيش الحر وتقتيلهم للسوريين، وإعلان تنظيم القاعدة نيته عن إعلان دولته في مناطق شمال وشمال شرق سوريا وسيطرتها على الحدود مع تركيا، وهذا أيضا ليس بمستغرب؛ فالجماعات الإسلامية السياسية أو المتطرفة أثبتت عبر تاريخها أنها جماعات إرهابية متطرفة إقصائية دموية، لم تجاهد يوما في سبيل الله، إنما تفتش وترتحل من بلد لآخر كلما توفرت لهم ساحة قتال يشبعون فيها نهمهم للقتل وتعطشهم للدماء.وليست المرة الأولى التي يطرد فيها من يسمون أنفسهم ب «المجاهدين»، إلا أنها هذه المرة جاءت مبكرة في سوريا قبل انتهاء الحرب وإن متأخرة قياسا بالدمار الذي خلفوه، بينما كانت تحدث في السابق بعد انتهاء الحروب عادة، ففي أفغانستان تحول من كانوا يسمون ب «الأفغان العرب» إلى مجرد مطاريد بلا وطن وبلا هوية، أخفق العالم في احتوائهم بعد انسحاب الاتحاد السوفيتي من أفغانستان وانهيار الشيوعية واستنفاد أمريكا لأغراضها منهم، وطردهم الأفغان، بل باعوهم لأمريكا التي انقلبت عليهم بعد أن كانوا حلفاءها حتى مطلع التسعينيات، وكان سعر بيع المجاهد العربي لأمريكا لا يتجاوز 1000 دولار، وحتى هذا البيع توقف بعد إعلان دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي آنذاك، أنه لا يريد تسلم أسرى من «الأفغان العرب» ويفضل قتلهم، بعد أن غص بهم معتقل جوانتانامو، ورفضت الأممالمتحدة تسلمهم كأسرى، تلا ذلك دك الطائرات الأمريكية لقلعة جانجي في مزار شريف وقتل نحو 600 من «الأفغان العرب» وباكستانيين وشيشان كانوا يقاتلون في صفوف طالبان، وجدت جثث كثير منهم متفحمة وهم مكبلو الأيدي والأرجل.اعتقد «الأفغان العرب» أن انتصارهم على الاتحاد السوفيتي، منحم امتياز الجهاد ضد من يرون أنه يستحق المجاهدة وتضخمت هذه الرؤية لديهم حتى وجهوا بنادقهم ومفخخاتهم تجاه بلدانهم وأهلهم وذويهم، من منطلق «تكفير كل من لا يؤمن بأفكارهم وبمكانتهم الجهادية»، ولم يكن ذلك موجه للأنظمة الحاكمة وحسب، بل حولوا جهادهم إلى عامة الناس، رغم دعوات بلدانهم لهم للعودة إلا أن تلك الدعوات ووجهت بالرفض الشديد، وكثير ممن قبلوا بالعودة سرعان ما انقلبوا وانتهى بهم المصير إلى موت مذل في الغالب، كما أدى دخولهم في الصراعات الأفغانية الداخلية ووقوفهم إلى جانب طالبان ضد تحالف الشمال بقيادة أحمد شاه مسعود واغتياله لاحقا، ما ساهم في تصعيد العداء ضدهم، ومن بقي منهم على قيد الحياة، مطارد من بلد لآخر بحثا عن دم جديد وعن موت يليق بمشرد وقاتل مأجور، لحساب أهداف قد لا يؤمنون بها أحيانا ولكنهم مغيبون يبحثون عن إشباع نزوة القتل لديهم، والبحث عن «شهادة زائفة» لم تكن يوما في سبيل الله، وساهمت فتاوى التكفير والجهاد من قيادات الجماعات الإسلامية المتطرفة مع مواجهة الحكومات لهم وقتل أو سجن قياداتهم على تفاقم نزعتهم العدائية.وما حدث لهم في أفغانستان، حدث مثله في البوسنة التي طردت المجاهدين العرب من القرى التي احتلوها أثناء حرب البوسنة، ممن جاءوا من إيرانوأفغانستان ودول إسلامية أخرى للجهاد إلى جانب القوات البوسنية الحكومية بين عامي 1992 – 1995م، وكانت اتفاقية دايتون للسلام التي انتهت الحرب بموجبها، تنص على أن على جميع المقاتلين الأجانب مغادرة البوسنة بحلول عام 1996م، إلا أن الكثيرين منهم حصلوا على الجنسية البوسنية وتزوجوا من نساء بوسنيات، واستوطنوا القرى المحيطة ببلدة ماجلاي بصورة غير شرعية، وأقاموا في منازل كانت مملوكة لصرب البوسنة، وبدأ السكان الأصليون يطالبون بإنهاء الاحتلال غير القانوني من المجاهدين لأراضيهم ومنازلهم. وما حدث من رفض وطرد لأدعياء الجهاد في أفغانستان وفي البوسنة تكرر في الشيشان وفي العراق وفي اليمن وفي السعودية وفي كل بلد كانوا يفتشون فيه عن ساحة جهاد يفرغون فيها شهوتهم للقتل والموت. وهكذا يثبت التاريخ أن الجماعات الإسلامية المتطرفة، ليست إلا مجموعات من المطاريد، وإرهابيين متعطشين للدماء غسلت أدمغتهم بحرفية عالية صنعت منهم آلات قتل وعنف وتكفير وإقصاء مجردة من القيم والأخلاق والوازع الديني والإنساني، لا يمكنهم أن يتصالحوا مع أنفسهم على أن يتصالحوا مع الآخر حتى لو كان هذا الآخر أهلهم ومجتمعاتهم، وما حدث عبر تاريخهم الأسود يتكرر اليوم في سوريا، ويتكرر في مصر أيضا بعد فشل جماعة الإخوان المسلمين في المحافظة على كرسي الحكم، وتكفيرهم للمجتمع المصري بأكمله تحت سمع ونظر الرئيس المخلوع، وتحولهم إلى جماعة عنف وقتل وإرهاب في سيناء وفي شوارع وميادين مصر، واعتراف القيادي في الجماعة الدكتور محمد البلتاجي بمسؤولية الجماعة عن مواجهات سيناء وقوله بالحرف الواحد «ما يحدث في سيناء سيتوقف في نفس الثانية التي سيعود فيها مرسي إلى الرئاسة»، يثبت ذلك وجماعة الإخوان المسلمين في مصر وفي غيرها من دول العالم ليست استثناء من التاريخ الأسود للجماعات الإسلامية. نقلا عن عكاظ