"لو قاتلنا ألف سنة لن ندع العراق يركع لغير الله" شعار رفع على واجهة أحد مقرات "فدائيي صدام" في العاصمة العراقية. و"فدائيو صدام" ميليشيا يقودها النجل الأكبر للرئيس العراقي عدي أنشئت منذ سبع سنوات ل"العمل كظهير للقوات العراقية المسلحة في تنفيذ المهمات القتالية ضد أي عدو محتمل". ويتلقى أفراد هذه الميليشيا، الذين يلتحقون بها تطوعاً، تدريبات مكثفة على مختلف أساليب القتال بشكل دوري، وتنتشر وحداتها في مختلف المحافظات، لكنها تتركز في بغداد والموصل والبصرة باعتبارها مناطق ذات كثافة سكانية. ويشكل "فدائيو صدام" التنظيم الرديف ل"جيش القدس" الذي استحدث في بداية "انتفاضة الأقصى" واستمد اسمه من اسم مدينة القدسالمحتلة، تعبيراً عن الصلة التي تربط كفاح العراقيين بكفاح أشقائهم الفلسطينيين، وهو ما تشدد عليه أدبيات حزب البعث. ووفقاً لتقديرات رسمية وصل عدد أفراد "جيش القدس" الى نحو سبعة ملايين متطوع، بينهم مليون امرأة، مزودين رشاشات من طراز "كلاشنيكوف" روسية. ودرب عناصر هذا "الجيش" على استخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والأسلحة المضادة للدبابات والطائرات، إضافة الى قتال المدن وحرب الشوارع والأدغال، ومشاغلة العدو باتجاهات متعددة. كما أجريت لأفراده تدريبات خاصة لمواجهة إنزال مظلي والتصدي لطائرات مروحية. وعادة ما تجري هذه التمارين والمناورات بالذخيرة الحية. ويشدد أبو حاتم، ضابط التوجيه السياسي في أحد أفواج "جيش القدس" على ان "أفراد هذا الجيش يتميزون بالانضباط العالي والحماس ةفي الإقبال على التدريبات العسكرية وسرعة استيعابها"، إضافة الى "الاستعداد العالي لمواجهة أي هجوم يفكر به الرئيس الأميركي بوش الصغير على العراق. فهؤلاء المقاتلون بعثيون قبل كل شيء". وتعول القيادة العراقية في خططها لمواجهة احتمالات الحرب على "عسكرة المجتمع"، بحيث تتاح الفرصة لكل فرد من أفراده أن يدافع عن مدينته وبيته ضد احتمالات الغزو والاحتلال. ويحتفظ كل بيت عراقي ببندقية واحدة على الأقل ب"هدف المقاومة"، كما ذكر وزير التجارة محمد مهدي صالح، الذي أكد ان حكومته توزع السلاح على المواطنين كما توزع الغذاء عليهم: "فالمواطن العراقي يحتاج في مواجهة حرب محتملة إلى الغذاء والسلاح معاً". وهكذا فإن الروح العسكرية تقود الآن حركة الحياة في بغداد، إذ أصبح من المناظر المألوفة مشاهدة الأسلحة المضادة للطائرات فوق أسطح المباني الحكومية المهمة، كما أصبح وجود أفراد يحملون أسلحتهم عند مداخل المدن والمواقع المهمة أمراً طبيعياً. ومن النادر أن يخلو أي تجمع في العراق، سواء في مقهى أو جامعة أو سوق أو حتى داخل المنازل، من الحديث عن الحرب التي لم تعد، بالنسبة الى الكثيرين، احتمالاً فحسب، إنما باتت أمراً حتمياً، و"عدم حدوثها سيكون معجزة"، كما يقول نائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز. ومع أن العراقيين قد خبروا حال الحرب وألفوها وتكيفوا معها الى حد كبير، لكنهم يدركون ما تجره من عذابات وما تخلفه من دمار، ومع ذلك ليس في أيديهم حيلة لمنع وقوعها سوى الصلاة والدعاء لأن تقع "المعجزة" و"يكف الأميركيون عن جنونهم". وهذا ما فعله مسيحيو العراق في صلواتهم ليلة رأس السنة الجديدة، كما فعله المسلمون في صلوات الجمعة الماضية، فقد ابتهلوا جميعاً الى الله، لأن يحفظ بلادهم من كل سوء ويجنبهم الشر والدمار. وربما كان ذلك أقصى ما يستطيعون أن يفعلوه من أجل تفادي الحرب!