في الثوب السعودي ثلاثة جيوب، اثنان كبيران على الجانبين، وواحد صغير نسبياً على الصدر في يسار الثوب ويمين الناظر في صاحبه، وأخيراً ارتفع العدد الى خمسة، اذ درج معظم السعوديين على إضافة جيبين صغيرين داخل الجيبين الكبيرين. في الماضي أضيف الجيب الصغير "السري" الرابع لاخفاء علب السجائر عن اعين الآباء والامهات والمعلمين، خصوصاً أن الثوب الذي يلبس في معظم فترات العام هو من اللون الابيض الذي يكشف ما تحته. وفي مطلع التسعينات أضيف الجيب الصغير الآخر لوضع جهاز النداء الآلي البيجر ليتبعه في النصف الاخير من التسعينات، الهاتف الذي حل محله في الاستخدام الشخصي وفي الجيب. والسؤال الذي تجولت به "الحياة" على الشباب كان عما يحملونه في جيوبهم الكبيرة نسبياً قياساً بجيوب اي زي آخر، او ما يعرفون ان الآخرين يحملونه في جيوبهم من واقع محيطهم الشخصي والعائلي او محيط المدرسة والعائلة. وكشفت الاجابات التي وردت تغيراً في محتوى هذه الجيوب مع تغير الزمن، وثباتاً لبعض الاشياء، الى الأشياء الاعتيادية المعروفة أو المتوقعة. ومن ثوابت الجيب محفظة النقود التي تضم بطاقات الهوية والائتمان، وبطاقة الصراف الآلي اذا كان موظفاً أو ذا وضع اقتصادي جيد، وصورة الشخص اذا كان معجباً بنفسه او "تطلب منه باستمرار" خصوصاً العاطلين عن العمل الذين يوزعون صورهم كل يوم على شركات القطاع الخاص. وكل شاب مدخن يحمل علبة سجائره وقداحته وجهاز هاتفه الجوال، وسلسلة مفاتيحه... لكن هل هذا كل شيء ؟ يقول فهد الزهراني، وهو شاب في منتصف العشرينات ويعمل في احدى شركات القطاع الخاص: "إن هناك عجائب وغرائب قد يحملها المراهقون في جيوبهم، ففضلاً عن ادوات العراك القديمة - المتجددة مثل مفك البراغي الذي يشبه القلم عند وضعه في الجيب العلوي وهي ظاهرة انتشرت قديماً بين البلطجية والعرابجة ولكنها تندثر الآن وتنحصر في قلة نادرة تعيش على الاطلال على حد تعبيره، هناك موضة استجدت وهي حمل اقلام او ميداليات الليزر التي تشع بإضاءة مزعجة تستخدم كوسيلة دفاع عند الضرورة، لكنها في الغالب تستخدم لازعاج بعض المارة من الشباب الآخرين، او التحرش بهم، او لتسليطها من داخل السيارة على سيارات اخرى للفت انتباه الفتيات، او ازعاجهن فقط. ويشار الى انها أداة مضرة وتحظرها وزارة التجارة ولكنها تصل الى بعضهم عبر التهريب او بشرائها من الخارج. ويضيف الزهراني حول غرائب ما تحمله جيوب المراهقين: "هناك من يحمل في جيبه الاعلى على الصدر صور المطرب او المطربة المفضلة عنده، وهناك من يحمل صورة لفتاة جميلة - يدعي - انها خطيبته، وآخرون يحملون سلاسل طويلة ودقيقة للعبث بها بدلاً من المسبحة". ويضحك الشبان الذين يتخدون من منطقتي "العليا" و"التخصصي" في الرياض مجالاً للنزهة الأسبوعية، لدى سؤالهم حول محتوى جيوبهم. بعضهم يتحفظ وبعضهم الآخر يطالعك بإجابة "هروبية" ساخرة على غرار: "أحمل القلم للتوقيع للمعجبات"، "أحمل كل احتياجاتي"، "أحمل عدة الشغل"، و"أحمل كل همومي". المدرس سعد العبداللطيف الذي ترك التعليم بعد عقدين من الزمن وتوجه الى قطاع حكومي آخر، يقول: "في الماضي لم يكن الطلبة يحملون في جيوبهم سوى القلم وبعض الريالات لشراء الفسحة والافطار، وكان التفتيش على جيوب الطلبة، خصوصاً في المرحلتين المتوسطة والثانوية وعند تسبههم بأي مشكلة او الشك في سلوكهم تحديداً عندما يتعلق الامر بالتدخين، لا ينتج عنه ضبط اية ممنوعات". ويضيف: "لكن في السنوات الاخيرة بدأت تظهر لنا اشياء بعضها غريب، والآخر متوقع، والنادر منها خطير، فهناك من يحملون امشاطاً صغيرة لتزيين شعورهم عند الخروج من المدرسة وخلع الشماغ، وهناك من يحملون عبوات العطور الصغيرة التي تستخدم كعينات ترويجية، وآخرون يحملون الاسطوانات المدمجة - سي دي -، او الديسكات، وغيرها" مدرّس آخر لا يخفي استغرابه مما تحتويه أحياناً جيوب الشبان ويوضح "أنه، وإن في حالات نادرة جداً تضبط مع بعض الشباب بعض أدوات التجميل النسائية مثل احمر الشفاه، وعلب المكياج الصغيرة خصوصاً التي تبيض البشرة او عبوة ترويجية صغيرة لكريم تلطيف البشرة، والحقيقة ان ليس كل من نجدها معه يكون شاذاً او ممن يطلق عليهم الجنس الثالث، ولا نعرف حقيقة سبب امتناع الشباب عن الاجابه لماذا يحملونها معهم، قد تكون صدفة أحياناً، لكنها ليست كذلك باستمرار". ويأتي العبداللطيف على ذكر "أشياء خطيرة"، من دون أن يسميها، تضبط في أحيان نادرة أيضاً، في اشارة الى الحبوب المنبهة أو قطع "الكيف" الصغيرة وغيرها من الممنوعات. وفي هذا السياق، يقول شاب سألته "الحياة" عن محتوى الحبوب، إنه بدأ يلاحظ حمل بعض الشباب لما يطلق عليه "ورق الشام" "وهو الورق الذي كان يستخدم قديماً في السجائر "الملفوفه" يدوياً ويستخدم حديثاً لتدخين "الحشيشة" و "الماريوانا" وغيرها". ويضيف الشاب نفسه بنبرة حزينة "إن هذا الورق يباع في شكل علني في محال الشيشة والسجائر، لأن له استخداماً طبيعياً ومشروعاً وإن كان نادراً". ولا يحمل الشباب السعوديون الاسلحة عادة، واذا حملوها ففي اضيق نطاق ومعظمها اسلحة بيضاء صغيرة من السكاكين التي تطوى ومعها بعض الادوات الاخرى، او السكاكين التي تأتي مع مقص الاظافر، وغيرها... وتوضع في أصغر الجيوب. ومن المفارقات التي يرصدها المراقب هي ان ما يحويه جيب الشاب يدل على مكانته الاجتماعية والاقتصادية. فأقلام "مون بلان" و"كارتييه"، و "ديور" وغيرها هي للشباب الموسرين اذا كانت اصلية، وهي لمتوسطي الدخل اذا كانت مقلدة. ويحمل الشباب الرسميون في لباسهم الاقلام كضرورة، ولا يحملها الشباب "السبور" لأنها ليست مهمة بالنسبة اليهم. والامر نفسه ينطبق على السبحة التي تتفاوت قيمتها وشكلها بحسب الحال، وهنا تبرز عمليات "التشخيص" كما يسميها الشباب الذين يقولون: "ليس كل من يحمل سبحة من العاج في جيبه غنياً، انه يريد فقط اعطاء هذا الانطباع للآخرين". ومن طرائف موضوع جيوب السعوديين الشباب ان شاباً وخلال جلسة ضمت العشرات من أنداده في الصحراء، طلب الجميع اخراج ما في جيوبهم ليقوم بوزنه على ميزان كان احضره معه لغرض آخر. وكانت النتيجة ان متوسط ما يحمله الشاب السعودي لا يقل عن نصف كلغ معظمها لوزن الجوال والسبحة والقلم. ويصل الوزن في بعض الحالات الى 700 و800 غرام. ولم تتغير الصورة كثيراً مع تغير الازياء واتجاه الكثيرين الى ارتداء الازياء الغربية او الرياضية، فالشباب يحرصون على ان تكون هناك جيوب كافية، واذا ما اضطروا تجدهم يحملون الاشياء نفسها في ايديهم او يضعونها جانباً في السيارة انتظاراً لاستخدامها في كل لحظة. وفي المقابل هناك اشياء ايجابية تقبع في جيوب شريحة صغيرة من الشباب مثل المفكرات الالكترونية المتطورة، وأجهزة الجوال المزودة كمبيوتراً صغيراً، ومفكرة يومية لتنظيم المواعيد، وللمتزوجين لا بد من ان تجد قائمة لبعض الطلبات المنزلية الخفيفة، ولكن ذلك غالباً ما يكون للشباب الموظفين في منشآت القطاع الخاص المتطورة مثل المصارف، وشركات الاستثمار، وشركات تقنية المعلومات، وبعض رجال الاعمال الصغار. كما ان شريحة من الشباب المتدينين يحملون معهم وعلى الدوام طبعات مصغرة من المصحف الشريف، او كتيبات صغيرة بالادعية والأذكار اليومية، او كتيبات صغيرة يهدونها للشباب الآخرين تكون غالباً متضمنة نصائح عامة. وفي أحيان نادرة يحملون معهم اشرطة لمحاضرات دينية، او دروس فقهية يهدونها الى من يصادفهم من الشبان. وهناك ايضاً قائمة وضعها الشباب للاشياء التي لم يحدث ان توافرت في جيوبهم، او رأوها في جيوب الآخرين، وهي قائمة صغيرة تضم وفقاً لبعض الشباب الخرائط التي لا يستخدمها الشباب في السعودية حتى عند السفر براً، والمسدسات، وكتب الجيب الصغيرة.