فتح قرار المحكمة العليا الاسرائيلية السماح للنائبين العربيين عزمي بشارة واحمد الطيبي بالترشح للانتخابات التشريعية الاسرائيلية في 28 كانون الثاني يناير الجاري، الباب أمام مشاركة الاقلية العربية في الاقتراع بعد ان كانت تميل الى المقاطعة. وانعكست أجواء المعركة الانتخابية بوضوح في مدينة الناصرة شمال والقرى المحيطة بها حيث انتشرت لافتات وصور نواب القوائم العربية وحزب "ميريتس" اليساري المعارض وجابت شوارع المدينة سيارات تحمل شعارات هذه الاحزاب وقوائمها التي يرمز لها بحروف ابجدية. ويبدي العديد من سكان الناصرة والقرى المحيطة بها حماسة للمشاركة في الانتخابات. ويقول مصطفى 37 عاماً من بلدة كفر مندا القريبة من هذه المدينة انه عاد عن قراره مقاطعة الانتخابات بعد قرار المحكمة العليا السماح للطيبي وبشارة بالترشح. واضاف: "لم أصوت في الانتخابات السابقة احتجاجاً على القمع الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، لكنني اجد اليوم اننا نشكل قوة ويجب ان نستغل اصواتنا لنحسن شروط حياتنا كعرب". واتخذ عادل 28 عاماً القرار نفسه قائلاً: "سأصوت للعرب لأن ذلك لا يضر ان لم ينفع". وكان العرب في اسرائيل قاطعوا على نطاق واسع انتخابات رئيس الوزراء الاسرائيلي الاخيرة التي جرت في السادس من شباط فبراير عام 2001 احتجاجاً على القمع الدامي الذي مارسته الشرطة الاسرائيلية مطلع تشرين الاول اكتوبر عام 2000 للتظاهرات التي نظموها في مدينة الناصرة تضامناً مع الانتفاضة، والتي قتل خلالها 13 شخصاً. وساهمت المقاطعة العربية للانتخابات آنذاك بدرجة كبيرة في اسقاط رئيس الوزراء العمالي الذي كان يتولى السلطة ايهود باراك. يذكر ان اللجنة المركزية للانتخابات قررت نهاية كانون الاول ديسمبر منع النائبين في الكنيست المنتهية ولايته الطيبي وبشارة وحزبه "التجمع الوطني الديموقراطي" من المشاركة في الانتخابات بعدما اتهمتهما ب"دعم منظمات ارهابية" وعدم الاقرار بالطابع "اليهودي والديموقراطي" للدولة. لكن المحكمة الاسرائيلية العليا سمحت في التاسع من الشهر الجاري للطيبي وبشارة وقائمته بالترشح للانتخابات التشريعية المقبلة، ملغية قرار اللجنة المركزية للانتخابات. وتشكل الاقلية العربية في إسرائيل، والتي كانت ممثلة بعشرة نواب في الكنيست، 18 في المئة من اجمالي عدد السكان البالغ 6،6 مليون نسمة. لكنها تمثل 15 في المئة فقط من عدد الناخبين بسبب ارتفاع نسبة الشباب الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة، وهو السن القانوني للمشاركة في الاقتراع. ومنذ اندلاع الانتفاضة، يتنامى لدى العرب في اسرائيل الشعور بأنهم مهمشون سياسياً، في حين اعترفت المحكمة العليا الاسرائيلية قبل سنوات انهم يتعرضون لتمييز في المجالين الاقتصادي والاجتماعي. ويتنافس في الانتخابات التشريعية المقبلة 28 قائمة بينها اربع قوائم عربية. وكان بشارة هدد بدعوة العرب الاسرائيليين الي مقاطعة الانتخابات ان لم يسمح له بالترشح، وكل المؤشرات يدل على ان مثل هذا النداء كان من شأنه أن يلقى استجابة واسعة. غير ان المقاطعة تبدو اليوم غير مرجحة. ويقول فلاح طرعان صاحب مطعم في الناصرة: "كنت سأصوت في كل الحالات حتى لو منعوا الطيبي وبشارة من الترشح، لأن امتناعي عن التصويت سيذهب لصالح اليمين الاسرائيلي"، مضيفاً: "كل صوت يذهب لشارون من ناخب عربي هو رصاصة في صدر طفل فلسطيني". ولا يشاركه الجميع هذه الحماسة، اذ تقول ليلي 24 عاما انها لن تصوت لأحد، معبرة عن خيبة املها بالنواب العرب "لاهمالهم الشارع العربي" وعدم الاهتمام بالمشكلات الداخلية اليومية. وتؤكد: "لن اخرج من بيتي، فلا احد منهم يستحق هذا العناء، فهم لم يعملوا لنا شيئاً ولا نراهم سوى ايام الانتخابات ولا فرق بين حزب العمل او ليكود". ويطالب جناح من الحركة الاسلامية يعرف باسم جناح "منطقة شمال المثلث"، اضافة الى "حركة ابناء البلد"، وهي حركة قومية عربية بمقاطعة الانتخابات، ويعتبران ان الكنيست "برلمان صهيوني"، غير انهما تمثلان نسبة ضئيلة. وفي مدينة عكا حيث انتشرت ملصقات احزاب عربية في مواجهة شعارات حزب "ليكود" اليميني. ويقول راشد صاحب محل التحف في المدينة القديمة وهو يرتشف قهوته: "لم لا نتوحد بالتصويت في الانتخابات كما توحدنا بالمقاطعة؟". ويضيف ان "الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة تمارس التمييز العنصري ضدنا. انهم يسلبوننا كل شيء ويريدون حتى تكميم افواه مرشحينا وشطبهم". ولا يختلف الوضع كثيراً في قرية بئر المكسور البدوية قرب الناصرة التي يقوم معظم شبابها بالخدمة الالزامية في الجيش الاسرائيلي ويتم تجنيدهم في صفوفه. ويقول الشاب موسى علي: "قاطعنا الانتخابات الماضية تضامناً مع الانتفاضة ولا علاقة بين التجنيد في الجيش الاسرائيلي وبين التصويت، لأن التجنيد مصدر رزق بالنسبة الينا". ويؤكد انه سيشارك في الانتخابات المقبلة، معتبرا ان لاصوات العرب الاسرائيليين اهمية في حسم المعارك الانتخابية، خصوصاً بين زعيم حزب "العمل" عمرام متسناع وخصمه النافذ رئيس الوزراء المنتهية ولايته آرييل شارون.