بدا المشهد في الشوارع المحيطة بمقر السفارة الاميركية في القاهرة امس مثيراً، فالآلاف من رجال قوات الامن المركزي اغلقوا كل الطرق المؤدية الى شارع اميركا اللاتينية في حي غاردن سيتي حيث "القلعة الاميركية" في قلب العاصمة، وارتبك العمل في مصالح حكومية ومصارف وشركات تجارية، بعدما تعذر على الموظفين الوصول الى عملهم. أما من وصلوا فلم يستطيعوا الخروج، لأن المرور في ذلك الشارع الرئيسي ممنوع، والاقتراب من المكان قد يثير الشبهات. لم يكن الأمر متعلقاً بتهديد بعمل ارهابي ضد السفارة، أو اجراءات لحراسة شخصية مهمة قد تدخل أو تخرج من باب القلعة التي تحيط بها أسوار ضخمة، لكنها كانت اجراءات احترازية اتخذتها السلطات لمنع اقل من مئة شخص من الاقتراب من السفارة، كانوا اعلنوا عزمهم على التظاهر احتجاجاً على السياسات الأميركية في المنطقة والحرب المحتملة على العراق. واكتفى هؤلاء وغالبيتهم من اعضاء حزب العمل بما احدثوه من ضجة أمنية، وارتباك في حركة السير، فرددوا بعض الهتافات المعارضة لاسرائيل واميركا والحكومات، قرب مسجد عمر مكرم حيث كان مقرراً ان يتجمعوا ثم انصرفوا في هدوء. أما الذين لم يعلموا بخبر التظاهرة فكانوا على يقين بأن للامر علاقة بالسفارة، وظلت الإشاعات تتوالى الى ان انصرف الجميع عصراً. وتبين ان المسألة لم تكن سوى حراسة السفارة والسفير ديفيد وولش الذي يقيم فيها، وكان اثار ضجة واسعة الشهر الماضي عندما "ادعى" ان موكبه تعرض ل"حادث مريب" اثناء سيره في شبه جزيرة سيناء، عائداً الى القاهرة بعد زيارة لمدينة العريش، إذ انزعج بشدة واصدرت سفارته بياناً عن مرور شاحنة صغيرة قرب موكبه، وإصرار سائقها على تجاوز سيارات الحراسة. ولم تعد الشكوى تقتصر على اهالي حي غاردن سيتي حيث مقر السفارة، والذين يعانون ردود الفعل على السياسات الاميركية والاجراءات التي تتخذ كلما احتفل الاميركيون في سفارتهم بعيد وطني أو مناسبة تاريخية، إذ ان الاختناقات في حركة السير والارتباك الشديد الذي يصيب حركة العاصمة، تمتد عادة لتشمل الاحياء والمناطق البعيدة عن غاردن سيتي، فيعرف سكان حي مصر الجديدة شرق القاهرة ان حدثاً جللاً وقع هناك. اما في المنطقة السياحية المحيطة بالحي والتي تضم المتحف المصري والفنادق الفخمة والبواخر العائمة، فإن مشهد السياح وهم يصورون حشود جنود الأمن المركزي والسيارات الدولية، يعكس التناقض بين الحرص الرسمي على ضبط الأمن وبين الغضب الشعبي من اميركا وسياستها، وردود فعل السياح الذين بات ما يحدث كأنه ضمن برامجهم.