Olivier Roy. Les Illusions du 11 Septembre. أوهام 11 أيلول. Sueil, Paris. 2002. 81 pages. هل نستطيع التحدث عن ما قبل وما بعد 11 أيلول سبتمبر كما يزعم البعض منذ اكثر من سنة؟ هل حقا فتحت اعتداءات نيوريورك وواشنطن فضاء استراتيجياً جديداً في الوقت الذي احدثت فيه قطيعة مع العالم القديم؟ سؤالان مهمان ووجيهان طرحهما المحلل السياسي الشهير اوليفييه روا الذي يزداد بروزا وتفردا منذ تلك الحوادث. واجابته تعكس، اكثر من أي وقت مضى، قدرته التحليلية المركزة وتمايزه الاكاديمي مقارنة بالمحللين الفرنسيين الاخيرين، بغض النظر عن مدى اتفاقنا او اختلافنا مع طروحات كتبه الواسعة الانتشار. في كتابه هذا، يرد روا على زملائه الفرنسيين والاجانب الدين بالغوا في تحليل القطيعة الاستراتيجية التي ولّدتها الاعتداءات التي تعرضت لها الولاياتالمتحدة، فيؤكد في مقدمة كتابه ان التحليل الدقيق للعلاقات التي تربط أميركا بالعالم الاسلامي يبين بأن التطورات التي كانت وراء بروز وعي جماعي بانعكاسات 11 ايلول في الشهور التي تلته لم تكن جديدة. والحدث المروع الذي اهتز له العالم بشكل غير مسبوق سمح باعادة صياغتها في لغة جديدة هي لغة الحرب ضد الارهاب ومحور الشر. وهذا ما عجّل في اتخاذ قرارات سياسية خاصة مع تحديد واضح ومكشوف للرهانات الحاسمة من جهة، وللتعقد الذي يميز علاقات الولاياتالمتحدة بالاسلام وباروبا في مطلع قرن جديد من جهة اخرى. 11 أيلول لا يؤرخ لنوعية ارهاب جديد بالضرورة، وهو كلاسيكي اذا عرفنا ان الاعتداء الذي تعرض له الاميركيون والفرنسيون في لبنان فيي 1983 و1984 قام به ايضاً انتحاريون، كما ان تاريخ خطف الطائرات يعود الى السبعينات. في حديثه عن البعد الاستراتيجي الثاني، فضّل روا التركيز اكثر على شبح الظاهرة الارهابية التي تهدد العالم الغربي من منظور طابعها الاسلامي الشمولي. واذا كان لا يستبعد كلية "وهم" اطروحة 11 أيلول كنتيجة لأزمات الشرق الاوسط، فإنه يستند في الوقت نفسه الى منطق واشنطن الرافضة للاطروحة الثانية بغرض استيعاب نهجها الاستراتيجي المسطّر بعيدا عن بريق الاوهام الرائجة منذ 11 ايلول. ان رهانات النقاش الاستراتيجي حول الارهاب من وجهة النظر الاميركية، واضحة في تقديره. ذاك ان التغلب على اسباب ازمات الشرق الاوسط لا يضع حدا للارهاب العالمي المرادف، في التصور الاميركي، لطبيعة غير عقلانية. وواشنطن تؤمن بهذا التصور المهيكل لخطابها الرسمي وتؤكد ان الارهاب الذي قررت القضاء عليه ليس ارهاب حكومات حتى وان كان من المحتمل ان يتلقى اصحابه دعما من دولة عدو لها. وبتبنيها الخروج من الحقل الاستراتيجي الكلاسيكي الذي يفترض صراعا حول مراقبة مناطق التأثير والثروات والشعوب ووسائل الشرعية ولعب التحالفات... تكون قد طبقت اسلوب محاربة العدو غير "المرئي"، الشيء الذي يسمح لها بسهولة واريحية باعادة التفكير في الصراع بصيغ اخلاقية: "الحق في الديموقراطية ضد قوى الشر الظلامية" خلافاً لما يؤمن به الرأي العام الاوروبي المقتنع في معظمه بالطبيعة الشرق اوسطية لارهاب القاعدة، بما يحتم حل الصراعين الكبيرين المعلقين والمتمثلين في فلسطينوالعراق. وبرفضها تفسير الارهاب بالمعطى الشرق اوسطي، كما يستطرد روا، تكون واشنطن قد اختارت محاربة الارهاب دون التساؤل عن دواعيه. واختيارها يستند الى اسباب تتعلق بسياستها الداخلية المنعكسة على دعمها اللامشروط لاسرائيل وعزمها التخلص من صدام حسين. ولا يؤمن روا بامكانية الحديث عن معطى جيو-استراتيجي عالمي جديد يحور كل المعايير الخاصة بالشرق الاوسط وبروسيا والصين والحف الاطلسي. ذلك ان الحرب ضد الارهاب لا تُعد استراتيجية جديدة الا من زاوية اعادة صياغة تطورات اقدم وقرارات اتخذت في السابق على الصعيد الشرق الاوسطي ارادة اسرائيل بتحجيم السلطة الفلسطينية، واختيار أميركا عدم معارضة ارييل شارون وقرار مهاجمة العراق عسكرياً. وإذا كان قادة اوروبا والصين وروسيا يرون ان التهديد الارهابي جزء من الخريطة لا يتطلب الا تحسينات امنية، فإن القوة العظمى وحدها هي التي اعادت تعريف طبيعة التهديد وبالتالي استراتيجيتها المستقبلية، فيما لم يغير 11 أيلول التوازن الاستراتيجي العالمي الا من هذه الزاوية. وعلى حد قول روا، فموضة الخطابات الجيوستراتيجية المستوحاة من التصور الهنتنغتوني للعالم او الماركسي الجديد اللذين يجعلان من الرهانات البترولية مفتاح القراءة، تنم عن نسقية طرح مطلق وشمولي يهمل اصحابها ماركنتيلية الاختيارات الاميركية، بينما الخطاب الاميركي الآحادي الجانب والدوغمائي يخفي في حقيقة الامر مرونة كبيرة تفرضها عوارض المصالح العليا للأمة. ويخلص روا الى ان العقيدة الاميركية الجديدة هي اجزاء من مجموعة قرارات اتخذت قبل 11 أيلول اعتمادا على اعتبارات ايديولوجية ورهانات داخلية ومصالح متناقضة وارادية اخلاقية وعجز في آن. وبهذا المعنى، فهي يمكن ان تخضع للتغير المفاجئ والتسويغ الارتجالي. وحتى تغطي عدم انسجامها من حيث المبدا تلجأ الى الخطاب الاخلاقي الحاضر دائما باعتباره قناعاً لجملة من الاعتبارات المتناقضة المساهمة في صنع القرار. ومن هذا المنطلق يسمح الخطاب الاميركي باستعمال القوة في أي مكان من العالم على نحو ظرفي يحول دون اقامة نظام دائم قد يصطدم بلعبة السوق الحرة التي لا يمكن ان يسيطر عليها احد. وهذه السياسة هي التي تملي طلب القيام بخدمة ما بعد الضرب والاتفاق مع الاوروبيين فلسطين وافغانستان وكوسوفو لدفع اعادة البناء. وأخيراً، فإن العقيدة الاميركية الجديدة هي اجابة للعولمة، في نظر روا. وبقضائها على كل احتجاج حكومي تكون العولمة قد قضت على الاقلمة، وبالتالي على مفهوم الفضاء الاستراتيجي.