كان المشهد استثنائياً في حارات باب الجديد ومحلة باردو المعقل التاريخي للنادي الأفريقي والملعب التونسي، عشية مغادرة فريقيهما نحو السعودية للمشاركة في الدورة الأولى لكأس الأندية العربية الموحدة التي تجمع أبطال الدوري مع حاملي الكؤوس في مسابقة واحدة للمرة الأولى في تاريخ نشاطات الاتحاد العربي... شباب... تلاميذ... طلبة... وعاطلين من العمل في عمر الزهور، جابوا الحارات وتجمعوا في أجواء احتفالية في مطار تونس-قرطاج رافعين الرايات الحمر والبيض و"بقلاوة" الملعب التونسي... دوت طبولهم ومزاميرهم عالية في ردهات المطار وأفق الشوارع. كان هناك أيضاً من الرسميين والإعلاميين عدد كبير وقف إلى جانب رئيسي الناديين، وحملت خلية أحباء الملعب التونسي بمدينة منزل بوزلفة أطنان عدة من أذكى أنواع البرتقال التونسي الشهير وأرقاها. لم يرفعوا في وجه اللاعبين لافتات الآمال الزائفة، ولم يحملوهم رايات المستحيل... فلقد أصبحت الجماهير التونسية بفضل ارتفاع وعيها المقارن عبر الفضائيات والصحف العربية أكثر عقلانية وواقعية، فكيفما يكون الدوري المحلي ستكون نتائجكم العربية والقارية والدولية... طالبوهم فقط ببذل كل جهد وبالعرق على العشب الأخضر احتراماً للتاريخ العريق للأندية التونسية، والأهم من ذلك هو التسويق للجيل الجديد من اللاعبين التونسيين بدءاً من أشرف الخلفاوي إلى محمد السليتي... فضلاً عن إعلان انتهاء المرحلة الانتقالية الصعبة التي عاشتها كرة القدم المحلية في السنوات الأخيرة. يعلم مراد محجوب، مدرب الأفريقي، طبيعة التحدي وإشكالية المغامرة بتاريخ نادي تونس الثاني والأكثر شعبية النادي الأفريقي... وأهمية الدفاع عن سمعته مدرباً أشرف على أعرق الأندية المحلية وخاض مشاوير احترافية عدة من طرابلس الغرب إلى أبو ظبي المشرق. والأهم من ذلك أيضاً هو كسب رهان إعادة الثقة للاعبي النادي الأفريقي الذين عرفوا أسوأ بداية في الموسم الحالي، فهم احتلوا المرتبة السادسة في نهاية بطولة الخريف، وتذوقوا مرارة الهزيمة برباعيتين أمام النادي الصفاقسي والنجمة الحمراء... كانتا بمثابة زلزال هز أركان الأفريقي، وقضّ مضجع أحبائه. وإذا إضفنا ألى ذلك مشكلات الرئاسة وخصومات المتنازعين حولها، والديون المتراكمة التي فاقت المليون دولار... و"عواجيزه" من فوزي الرويسي إلى عادل السليمي، تبدو مهمة الأفارقة في مواجهة أبرز المتراهنين على اللقب الأهلي السعودي والحسين الأردني أكثر من صعبة. لكن أياماً فائتة أعادت ماكينة الأفريقي وآلته للدوران فعُين مراد محجوب مدرباً عوضاً عن السويسري روسلي، وأُزيح فوزي الرويسي وجمال الدين الإمام، وعاد "الفأر" عادل السليمي من فرايبورغ الألماني، وأصبح الحارس خالد عزيز حديث الناس والملاعب كخير خلف للعملاق شكري الواعر... فأمن الجميع بقدرة الشبيبة على رفع التحدي. وسيكون هناك في الخط الخلفي بوزيان والمكشر وأشرف الخلفاوي، وفي الوسط السعيدي وجمال رحومة والزعلاني، وستمثل هذه الكأس الفرصة الأخيرة للاعب الليبي طارق التايب ليبرهن كفايته كصانع ألعاب نادر أو تأكله ذاكرة النسيان. ربما بدا دفاع الأفريقي من الإسمنت المسلح بروح الشبيبة الجارفة، لكن تجاوز الدور الأول يبقى حبيس انطلاق اللاعب الليبيري داي برنس المنتدب أخيراً من باستيا الفرنسي، وسمير القارصي العائد من النمسا، وقدرة "الفأر" السليمي، كما يحلو للجميع مناداته تعبيراً عن حدة ذكائه، في الدفاع عن الأيام الأخيرة لجيل التسعينات التونسي والأفريقي الجريح. أحباء البقلاوة أما أحباء "البقلاوة" والملعب التونسي فيعتقدون أن المملكة عرقوب خير وفأل حسن عليهم... هناك تذوقوا حلاوة أول تتويج عربي عام 1989، وانتزعوا آخر كأس عربية في نسختها القديمة العام الماضي في تونس. لكن زمناً طويلاً مر ما بين الكأس الأولى والأخيرة... فالأخيرة تكلف النادي 20 مليون دينار من أجل الحصول عليها أنفقها لضم لاعبين من ذوي الخبرة وخيرة المدربين المحليين أمثال خالد بن يحيى ويوسف الزواوي. استقر الملعب التونسي بعد الخريف في المرتبة الخامسة، واستهلك في مرحلة الذهاب مدربين هما السلمي وفوزي البنزرتي قبل أن يتعاقد مع المدرب السابق لفريق النجمة الحمراء، الفرنسي كازوني. وتبدو خطوطه أكثر انسجاماً وتوازناً من الأفريقي، ويعد هجومه متميزاً بإضافة محمد السليتي أفضل هداف في بطولة الخريف. ويعلم كازوني أن بإمكانه أن يعول على خبرة الحارس حسان البجاوي ومحور الدفاع حمدي المرزوقي وجاب الله والجناحين بوسعيدي والعياري وصانع الألعاب أسامة السلامي... وكوكبة من المهاجمين أبرزهم السليتي ونداي وخنشيل. ولكن الأهم من كل ذلك تلك القدرة التي اكتسبها لاعبو الملعب التونسي لتجاوز الوضعيات الصعبة وتحويل الهزيمة إلى انتصار في اللحظات الأخيرة. ربما بدا ذلك خارقاً للعادة، لكن تونس ستكون حاضرة في هذه الكأس العربية الموحدة بناد ثالث هو نادي أولمبيك-الزاوية... أو ما يعرف تحبباً بأولمبيك ليبيا... لأن الفريق الليبي أقام معسكره التحضيري في تونس، ويشرف على إدارته المدرب التونسي خالد حسني والذي ضم إلى صفوف فريقه أربعة لاعبين توانسة هم الطاهر السباعي والحاج قاسم وعماد الجندوبي والعربي اليعقوبي إضافة إلى المغربي هشام علوش... ويعلم النادي الليبي صعوبة المغامرة في أول تجربة عربية له، وسيدخل امتحاناً صعباً أمام المريخ السوداني وجاره الملعب التونسي لكن المفاجآت تأتي دائماً من الحلقات الأضعف!