في وقت يحفظ العالم للأميركيين دائماً تنفسهم صعداء الانتصارات في العاب القوى ميدان جبروتهم الرياضي الاكبر في الاستحقاقات الدولية الكبرى وأهمها دورة الالعاب الاولمبية الصيفية بالطبع، تنفس الأميركيون أنفسهم اخيراً صعداء تفادي كشف هوية 13 رياضياً من بينهم احد حاملي الميداليات الذهبية في دورة العاب سيدني الاولمبية عام 2000 ثبت تناولهم المنشطات قبل فترة قصيرة من المنافسات، وأبقوا "التزييف" بالتالي بعيداً عن انظار العالم. قضت محكمة لوزان السويسرية للبت في النزاعات الرياضية اخيراً في الحكم الذي اصدرته ضمن خمسين صفحة حول الدعوى المقامة من الاتحاد الدولي لالعاب القوى ضد الاتحاد الاميركي للرياضة ذاتها في شأن امتناع الاخير عن التصريح عن اسماء 13 رياضياً من بينهم احد المتوّجين بالذهب في دورة العاب سيدني الاولمبية عام 2000، بتبرئة ساحة الاميركيين بحجة ان الاتحاد الدولي لم يلجأ الى طلب المعلومات حول المخالفين بطريقة صحيحة وفي وقت يتناسب مع اجراءات كشف الحقائق واتخاذ العقوبات الملائمة، والتزام الاتحاد الاميركي لاحقاً بتغيير قوانينه، ما يكفل بحسب المحكمة عدم تكرار هذه الحادثة في المستقبل. وهكذا طوت المحكمة صفحة الفضيحة الاكبر حجماً ربما في رياضة ألعاب القوى الاميركية لتصح مقولة ان السيطرة الاميركية على الانجازات في العقود السابقة لا تقترن فقط بمعادلة التألق الميداني لرياضييها بل ايضاً بالنفوذ القوي لإدارييها الذين اوجدوا دائماً قلعة صلبة لحماية الانجازات والنتائج الجيدة من اي طارئ سلبي يعكر صفو سيادتهم المطلقة على الاستحقاقات، علماً ان بعض ضحايا المنشطات غير الاميركيين بالطبع من امثال الكندي بن جونسون والكوبي خافيير سوتومايور وسواهما نادوا دائماً بتورط "اياد اميركية" خفية في تدمير مسيراتهم الرياضية التي بنت صروح تفوق لم يستطع الاميركيون بلوغها عبر المنافسة الميدانية العادلة. ولعل المبلغ الضخم الذي دفعه الاتحاد الاميركي في هذه الدعوى والبالغ 700 الف دولار يؤكد هذا الواقع في مواجهة المبلغ المنفق من الاتحاد الدولي والبالغ 500 الف دولار، ما جعلها القضية الاكثر تكلفة في تاريخ محكمة البت في النزاعات الرياضية. واللافت ان المحكمة تجاهلت التقويم المنطقي للاتحاد الدولي في ان عرض الاتحاد الاميركي بيانات المخالفات عليها في الوقت المناسب كان سيؤدي الى استبعاد الرياضيين ال13 تلقائياً، استناداً الى قوانينها الداخلية، على غرار ما حصل مع العداءين البريطانيين مارك ريتشاردسون ودوغي ووكر، وبالتالي منع ظاهرة النتائج غير العادلة في دورة العاب سيدني الاولمبية، وأهمها للرياضي صاحب الميدالية الذهبية، والذي اوضح مسؤولو اتحاد بلاده انهم سمحوا له عقب ثبوت تناوله مادة الناندرولون المحظورة في 6 حزيران يونيو 1999 باستكمال مسيرته حتى مباشرتهم تطبيق عقوبة ايقافه فترة عامين قبل ان يعلنوا براءته ضمن جلسة استئناف سرية للعقوبة في تموز يوليو 2000، اي قبل شهرين من انطلاق منافسات دورة العاب سيدني الاولمبية. في المقابل، اعترفت المحكمة بشرعية حجة الاتحاد الاميركي في ان قوانينها الداخلية المعتمدة وقتذاك كانت تمنع كشف هوية المخالفين في انتظار اطلاق الحكم النهائي حول حالاتهم الايجابية، ورفضت بالتالي الزامها تنفيذ اجراء الاتحاد الدولي في ضرورة اشعارها بالمخالفة لدى ارتكابها مباشرة بغض النظر عن نتائج التحقيقات التالية والاستئنافات المستندة الى فحوصات اخرى. ورأت المحكمة ان اثارة موضوع المخالفات حالياً بعد فترة غير قصيرة من حدوثها غير عادل بالنسبة الى الرياضيين ال13 المتورطين كونه سيمسّ حياتهم الشخصية وشهرتهم، ويثير جدلاً عقيماً حول اهداف اعادة فتح هذا الملف بعد اقفاله في ظل الاعتراف ببطلان الاسباب الموجبة للنظر فيه. ولعل قرار المحكمة اوجد ظاهرة انتصار المدير التنفيذي للاتحاد الاميركي غريغ ماسباك على رئيس اللجنة الاولمبية الدولية البلجيكي جاك روغ، الذي وصف تصرف الاتحاد الاميركي بغير المبرر في الاصل، في حين لم يتردد رئيس الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات ديك باوند في مطالبة الاتحاد الدولي لألعاب القوى بشطب الاتحاد الاميركي، وهو ما لن يحصل بالتأكيد. ويبقى ان احداً لا يستبعد دخول الاتحاد الاميركي في مواجهات حول قضايا مماثلة اخرى عدة في الاعوام المقبلة، خصوصاً بعدما اعلن وايد اكسوم، العضو السابق في اللجنة الاولمبية الاميركية ورئيس هيئة مكافحة المنشطات المنبثقة عنها حتى استقالته في عام 2000، ان رياضيين مخالفين آخرين مثلوا الولاياتالمتحدة في دورة العاب اتلانتا الاولمبية ايضاً، وهو هدد اخيراً بفضح اسمائهم على غرار الرياضيين ال13 في دورة العاب سيدني الاولمبية.