عندما أخبرني صديقي الطبيب عنهما قلت لنفسي للوهلة الأولى انهما كأي فتاتين في مجتمعنا، ولكنني أدركت بعد ذلك أن حنان وأريج يجسدان في حياتهما في شكل فريد مجموعة من القضايا والهموم التي تعانيها الفتاة في المجتمع الخليجي. حنان... وأريج حنان فتاة اجتماعية هادئة، صبورة، بينما يبدو أن توأمها أريج أكثر نشاطاً وطموحاً، وعلى ذلك فقد افترقت الأختان منذ دراستهما الثانوية، كانت حنان ترغب في أن يكون مستقبلها اجتماعياً، تريد أن تكرس حياتها لخدمة الناس ومساعدتهم بأي طريقة، ولهذا التحقت بالقسم الأدبي في الثانوية العامة الذي يؤهلها لدخول الجامعة في التخصص الاجتماعي، بينما اتجهت أريج إلى القسم العلمي. كان طموح اريج يدفعها لتخيل نفسها امرأة ذات إنجازات فريدة، كانت تطمح لأن تكون طبيبة، وكانت تنظر الى اختها حنان على انها من غير طموح. هي ستكون طبيبة العائلة، بينما ستصبح أختها مربية أطفال. سارت حياة حنان هادئة كطباعها، أنهت دراستها الثانوية بكل هدوء، ومن ثم التحقت بالجامعة لتتخصص في رياض الأطفال، أما أريج فقد واجهت أول صدمة عنيفة، إذ فشلت في تحقيق المعدل العالي الذي يؤهلها لدخول كلية الطب، ولكن إصرارها على تحقيق أحلامها لم يكن له حدود، فأصرت على إعادة آخر سنة من الثانوية لتحقيق معدل أعلى، ولكن ضاعت تلك السنة بلا فائدة عندما لم تستطع تحقيق المعدل المطلوب. أخذت حياة أريج تزداد اضطراباً بفعل إصرارها على تحقيق حلمها، فالتحقت بالجامعة في تخصص آخر أملاً في الانتقال منه إلى كلية الطب بعد فصل أو فصلين، واضطرت بعد سنة دراسية إلى التحول لكلية أخرى، ولكن الأمور لم تسر بحسب رغبتها، وأخيراً تنازلت أريج عن حلمها، وغادرت الجامعة بلا رجعة. ومنذ ذلك اليوم سلمت حبال الطموح والأحلام إلى أختها حنان، واستسلمت لفكرة أن حنان ستكون الفتاة الناجحة في حياة الأسرة. أما حنان، فاستمرت حياتها على وتيرتها الهادئة، تألمت بشدة لمصير أختها التوأم، وزادها ما حدث إصراراً على مواصلة مسيرتها، وبالفعل مضت سنوات وتسلمت حنان شهادة تخرجها والفرحة تغمرها. عادت إلى منزلها وهي ترسم لنفسها أحلاماً وردية لمستقبل مشرق. ستتجه فوراً لتعمل كمربية في إحدى المدارس أو رياض الأطفال، وبعد سنوات من الممارسة ستستقل بمشروعها التربوي الخاص وتفتتح روضة أطفال صغيرة تملأ أرجاءها بالمعاني التربوية التي تعلمتها، وتنغمس في عالم الأطفال الممتلئ بالبراءة. "خلي شهادتك في البيت!" حملت حنان شهادتها الجامعية بفخر، وحملت معها كل طموحاتها وأحلامها الجميلة، واتجهت إلى أول مدرسة صادفتها، دخلت البوابة والدنيا لا تسعها. ولكن، تلقت حنان صدمتها الأولى بعنف، استقبلوها هناك ببرود فاجأها، وأخذوا منها ملفها مع وعد بالاتصال بها إن احتاجوا اليها، ذهبت إلى مدرسة ثانية، وثالثة، ولكن بلا فائدة. واصلت بحثها عن المكان الذي تحقق فيه أحلامها، ولكن، بعد أشهر من البحث المضني أيقنت حنان أن حصولها على وظيفة في مجال تخصصها يعد معجزة، خصوصاً أن كل زميلاتهااللواتي تخرجن معها نبشن الأرض بحثاً عن وظائف في مجال تخصصهن بلا فائدة، لذلك تنازلت حنان عن بعض أحلامها وأخذت تبحث عن وظيفة، أي وظيفة، وبعد أن كادت تيأس حصلت على وظيفة في مركز خاص لتأهيل المعاقين كمشرفة اجتماعية. عندما تحدثنا حنان عن الفترة التي قضتها في البحث عن وظيفة تشعر بحزن ممزوج بالغضب على الواقع الذي لمسته بنفسها في توظيف الفتيات، فهي لم تدع جهة سمعت أنها توظف الفتيات إلا اتجهت إليها، ولكن كان العثور على وظيفة كالعثور على كنز نادر، ولم يكن تخصص حنان هو السبب في عدم حصولها على عمل، فهناك مجموعة من صديقاتها ممن حصلن على شهادات جامعية في تخصصات مطلوبة كالإنكليزية وما زلن حتى الآن في منازلهن بعد أن يئسن من إيجاد عمل. وتذكر لنا حنان قصة صديقة لها حفيت قدماها بحثاً عن وظيفة بعد حصولها على شهادة جامعية في إدارة الأعمال، وبعد سنتين من البحث بلا فائدة التحقت الفتاة بمعهد للحاسب الآلي لتحصل على شهادة دبلوم تعتبر أدنى مستوى من الشهادة الجامعية، ثم تتوظف بعدها بشهادة الدبلوم بعد أن رمت بشهادتها الجامعية في درج ذكرياتها. ولكن، لم يهنأ بال حنان بوظيفتها التي حصلت عليها بعد بحث أدمى قدميها، إذ ان سوء معاملة الفتيات الجدد في المركز دفعها لترك العمل والغصة في حلقها من الظروف التي لا ترحم. عادت حنان من جديد إلى دوامة البحث عن عمل، مرت الشهور واليأس يضغط عليها مع تهكم وسخرية زميلاتها اللواتي سلمن بالواقع وألغين خانة الوظيفة والعمل من مخططاتهن، ولكن جهودها أثمرت أخيراً عن وظيفة ضربت طموحاتها في الصميم، فها هي الآن تعمل موظفة استقبال في مركز طبي بشهادتها الثانوية. عندما تم قبول حنان في هذه الوظيفة سارعت بإخبار أختها أريج التي كانت تناست كل طموحاتها العملية، ولكن تحت الفراغ الشديد الذي تعانيه في حياتها اليومية تقدمت إلى المركز الطبي نفسه ليتم تعيينها بجانب أختها، وعلى الطاولة نفسها. وهكذا، كان مصير التوأمين واحداً على رغم اختلاف طريق كل منهما، الأولى تحمل في طياتها حنقاً على واقعها الدراسي الذي منعها من تحقيق طموحها، والأخرى تحمل أسى عميقاً على رمي شهادتها الجامعية وعدم الافادة من تخصصها الذي ضحت بأربع سنوات لأجله. تقول حنان إنها لا تزال غير مستوعبة وضعها كونها موظفة بشهادتها الثانوية، فهي ترى نفسها فتاة جامعية على قدر عال من الثقافة، لها شخصيتها المستقلة التي تفرضها على من حولها، أما الآن فالجميع يعاملونها على أنها موظفة استقبال، خصوصاً أن هذه المهنة ارتبطت في أذهان المجتمع بالسطحية وقلة الثقافة، وتقول : "أوشك أن أصرخ في وجه الجميع: أنا جامعية!". "خطيبك ما هو من مستوانا!" لم يكتف المجتمع وظروفه بهذا القدر من التجني على حنان وأريج، بل تعدى ذلك إلى التعدي على حياتهما الأسرية والزوجية، فعلى رغم أن التوأمين بلغتا الخامسة والعشرين من عمرهما إلا أن الفتاتين لم تدخلا عش الزوجية حتى الآن، ولا يعود السبب إلى قلة المتقدمين لخطبتهما ولكن الأعراف القبلية السائدة تضع شروطاً وحواجز. تقول أريج: "أخذ الخطاب يتقدمون لي ولأختي منذ أن أنهينا دراستنا الثانوية، ولكن بما أننا ننحدر من قبيلة معروفة فإن والدي يشترط للعرسان أن يكونوا من القبيلة نفسها أو من قبيلة أخرى مماثلة رفعة ومكانة، وقد تقدم خطاب ذوو مؤهلات عالية، بعضهم حقق نجاحات جيدة في حياتهم العملية، ولكن والدي رفضهم واحداً تلو الآخر لأنه لم ير منهم من يكون كفواً لسليلة الحسب والنسب "تقولها بسخرية!". لقد أصبحت أسمع من حولي همسات تقول: "عانس" وإذا كان المجتمع بدأ يعتبر حنان وأريج عانسين، فماذا يقول إذا علم أن لهما أختين أكبر منهما سناً لم تتزوجا.