مشهد أول: القاعة تضيق كل لحظة بوافدين جدد من الفضوليين. لحن المناسبة المعروف يضرب على مفتاح ال"دو". الموسيقى تعلو وتصدح. المناخ الحماسي يتصاعد. القبعات الحمر تلوّح لمصلوب مهجّر، لمذبح مصادر. ضجيج الفراغ المحيط بصالة كلية الفنون الكبرى الفرع الثاني حاضر. وهي صالة كانت في الماضي دار عجّز فرنسياً للراهبات سابقاً. أسقط الفراغ هذا سبعة موهوبين بواسطة الترتيل والغناء والعزف. وباحيائهم "ريسيتال" ميلادي يقدمون فيه مروحة من التراتيل الميلادية وأغاني المناسبة. فلا يسمع المرء صمت خشوعه في أجواء دينية صاخبة مرحة، إذ لا بد من استغلال المتاح "تيصير الصوت يودّي" ليصل الصوت ويُسمع. مشهد ثان: تختال تسع "أخوات" في زيهن الجديد، يتقدمهن "مولانا"، أمام جمع من طلاب كلية العلوم الفرع الأول، في خلال توجههن الى إحدى قاعات المحاضرات احتفاء بقرارهن الجريء: ارتداء الحجاب. في أثناء الحفل، تتقدم كل "أخت" منهن الى المنبر: تروي تجربتها الأولى، خوفها الأول، تشكر مقنعها الأول "اللي الذي هداها إلى هداني عالصراط المستقيم"، تنال هديتها الأولى ايشارب أو قرآن كريم " بون بون. وكلما كانت "الأخت" صعبة المنال في الاستماع تتمهل في الاقتناع بكلام "الأخوة" تكبر هديتها: "قطعة ذهب" من الدنيا لنيل "الجنة كلها في الآخرة"! إنتهى الحفل. سعدت الاخوات بتتويجهن "على العرش"، وافتخر الاخوة، وهم بعض اعضاء الحزب الحاكم في الكلية ومن مناصريه، بقدرتهم على الاقناع على الأرض... أرض الجامعة الوطنية! مشهدان يختصران بعض ما يعرض من مسرحيات ونشاطات دينية على خشبة الجامعة اللبنانية في مختلف فروعها وكلياتها. هذه النشاطات ليست إلا مرآة تعكس النجاح السياسي للاحزاب والطوائف في الوطن كما في جامعته. وتساهم في هذه النشاطات سواعد بعض الطلاب دعماً لمقاومة ما، واحدة إسلامية وأخرى وطنية، أو نداء لعودة عماد قائد جيش سابق منفي وطن احد الاطراف: أو أملاً بالافراج عن حكيم زعيم القوات اللبنانية المحظورة، قابع في "التأبيدة"، وتذكيراً باختفاء "الإمام" موسى الصدر واستشهاد "الأمين العام"، وتهنئة واحتفاء "بحلول أشهر الغفران والرحمة والمحبة وأعيادها. الطوائف وأنشطتها متهمة بالانحياز، فهي "تخفي ما تضمر" وتعمل لمصلحة السياسة وقوى الأمر الواقع على حساب الهوية الوطنية للجامعة. المنظمون في الاحزاب الاسلامية ينفون ذلك، وكذلك يفعل المناصرون لأن الهداية عالدين واجب". المنظمون في الاحزاب المسيحية يوافقون على ذلك بشدة ويتمنون تطبيقه، لكن "ما باليد حيلة". الطلاب منقسمون بين: "شو بيأثر ما آخر همي" أي اللامبالاة، والجامعة مساحة للتعبير عن "أي شي". وبين ضرورة نزع الصبغة الدينية الطائفية عن جبين الجامعة سعياً لتحويلها الى صرح مدني. ديموقراطي... ولكن! لنبدأ من النهاية: "الجامعة اللبنانية صرح مدني". خبر رقم واحد: أمنية معطلة يحلم ويطالب بها طلاب اليسار وغيرهم. تصريح 1: "أنا ديموقراطي...". لكن هادي كلية الاعلام يرفض بشدة تحويل الجامعة اللبنانية - ملتقى الثقافات والحوار باختلاف مصادرها وتوجهاتها وانتماءاتها - الى مرتع للتجاذبات السياسية عبر استخدام الدين "للتجييش والتهييج" الطائفي تحقيقاً لمآرب سياسية وبهدف نيل بضعة أصوات انتخابية. من ناحية ثانية، لا يمانع هادي استخدام الزينة للتهنئة بمناسبة معينة وان كانت دينية الميلاد، شهر رمضان، عيد الفطر فيتشارك الجميع البهجة والفرح. الا أنه في الوقت نفسه ينتقد فرض شعارات عاشوراء المذهبية بأجوائها وطقوسها على الجامعة وطلابها خصوصاً السنّة منهم، كزرع أنحاء الكلية ومدخلها بأعلام ويافطات سود وإحياء مجالس عزاء وندبيات حسينية في قاعات المحاضرات مثلما يحصل في كلية العلوم - الفرع الأول. هادي يستطرد ويثور: تعيش الجامعة اليوم في ظروف أبعد ما تكون عن صفات المجتمع المدني الحديث. فهي تقوم على "طوفان" من النزعات الطائفية والسياسية والمذهبية والمناطقية و"الاستزلامية" في اطار نظام أكاديمي متخلّف يبتعد عن الحوار. كل ذلك يكفي ليشعر الطالب بأنه مهمش وقراره السياسي مسلوب ومصادر. خبر رقم 2: صفة ينسبها بفخر أحد المديرين الى الجامعة اللبنانية ويستعملها كحاجز يبرر به رفضه لبعض النشاطات الدينية في كليته. تصريح 2: "لو كان القرار حزبي مش غير طلابي كان صار غير حديث" كان الأمر ليختلف، يعلق ساجد عبيد التعبئة التربوية بعد ان رفض مدير كليته السابق الاعلام السماح له بتنظيم لقاءات دينية في قاعة المحاضرات لكونها "مجمع علماني". ملاحظة: بعد أشهر من لقاء ساجد والمدير أحيت جمعية المشاريع الاسلامية - بكامل طاقمها المستورد من خارج الجامعة من رؤساء ومناصرين وأعلام وأناشيد - "مولداً في غير أوانه، حضره عدنان طرابلسي... والمدير، "مع انو المشاريع معن مصاري يمتلكون المال من هون لطرابلس وقادرين يستأجروا قاعة أكبر" يعلق على أحد طلاب الاعلام. ساجد يشرح: يهمنا طرح فكر العقيدة الاسلامية على الآخر لمناقشته وتبيان ثغراته. وقد ازدادت أهمية هذه المناقشات بعد احداث 11 أيلول سبتمبر لابراز حقيقة الاسلام، إسلام المحبة والسلام وليس اسلام طالبان الأميركي. ساجد يعترف: تشكل النشاطات الدينية اضافة الى النشاطات الاخرى كالمعارض واحياء المناسبات في ملعب الكلية ذكرى التحرير، عيد الغدير أرضاً خصبة لتوسيع أطر الاستقطاب. "الجماعة" وكيل حصري... للأخلاق! حاول جاهداً ان يعترف لها بحبه. "الوقت ما كان مناسب". الآن فرصته. إنها المحاولة الأخيرة التي لا رجوع عنها. تسمع هديل أنفاسه المتوترة عن بعد سنين ضوئية. ترتج ذاكرته فيستعيد عبارات أشهر الأفلام الرومانسية. يفضل "الشبح". اللحظة تتمطى حتى اللانهاية. الآن. ينظر في عمق عينيها، يمسك يدها ويقول: "ستوب، كبسة". يهبط رئيس مجلس الطلبة على جاد وهديل طالباً "بأدب" إحترام المسافة الشرعية والتوقف عن "هيدي هذه الحركات حفاظاً على الأخلاق". بما ان "يد الله مع الجماعة"، تسيطر جمعية رابطة الطلاب المسلمين المنتمية فكرياً الى الجماعة الاسلامية على الفرع الثالث من الجامعة اللبنانية في الشمال. وتهدف الى تعزيز التعليم الديني والعودة الى "الاسلام الصحيح". ينفي جهاد مغربي أحد أعضاء الرابطة هذه الفكرة، فهو مع الحرية المطلقة ضمن اطار تقاليد المجتمع والدين. أما اذا حصل أمر ما خارج هذا الاطار "فواجبي ان أتدخل". لهذا السبب لم تحتمل وسام أبي خليل بقاءها في كلية الفنون في طرابلس. ففور نجاحها في السنة الأولى طالبت بنقلها الى الفرع الثاني حيث الحرية. وتصف وسام كليتها سابقاً ب"العالم الإسلامي"، اذ تحوّلت الى مكان لتطبيق الشريعة ضاربين احترام حرية الآخرين الشخصية عرض الحائط "مثلاً ما فينا نلبس بلوز بلا كمّ والا منرجع عبيوتنا" لا نستطيع ارتداء "بلوز" تكشف عن اليدين. مشهد أخير ارتفع الأذان وتفرق الخلان عن "الليخة". مناصرو "حزب الله" أدوا صلاة الظهر في المصلى الذي يخصهم بمشاركة حركة "أمل"، اصدقاؤهم من الاخوة "السنّة" توجهوا لتأدية الصلاة في أقرب مسجد من كلية الآداب - الفرع الأول كسباً للوقت وتعويضاً لخسارة "البرتيّة" لعب الورق. الصديق الدرزي جلس على حافة الرصيف. منتظراً. ستار