في تجربة جديدة ومتميزة طرح الفنان التشكيلي سيد القماش رؤية تشكيلية خاصة بفن الموزاييك من خلال معرض لافت اقيم اخيراً في أتيليه القاهرة للفنانين والكتاب. ضم المعرض 30 لوحة في فن الجداريات ما بين التصميمات بألوان الأكريليك. واستخدم الفنان خامة الفسيفساء، مستعرضاً بشيء من الذكاء الفكري حالاً تشكيلية انفعالية بالخط واللون والظلال والمساحة محدثاً، بذلك ايقاعاً حوارياً خاصاً بين العناصر الهندسية والعناصر المستوحاة من الطبيعة. وعلى رغم صعوبة الخامة المستخدمة إلا اننا نلاحظ مرونة أو سهولة الخطوط والمنحنيات المنسابة داخل كل مساحة في تجاوز أو تباعد متعمد يخدم دائماً حال الفنان وتعطشه الدائن للتعبير عن انفعاله غير اللحظي بالعالم المحيط، مبرراً ذلك بقوله: "الحياة مبنية على الايقاع، منه المتواتر المتتابع بين حالي الصوت والصمت أو النور والظلام او الحركة والسكون أو القوة والضعف... وهو يمثل العلاقة بين الجزء والجزء الآخر، وبين الجزء وكل الأجزاء الأخرى، ونراه في قالب متحرك ومنتظم في الشكل الفني، وهو صفة مشتركة بين الفنون جميعاً، وقاعدة يقوم عليها أي عمل من أعمال الفن والادب والحياة التي نعيشها، وأعمالي لها صفة خاصة، هي محاولة شكلية ترتبط بالكثير من اسطح جدران بعض الهيئات والمصالح، وذلك برؤية جديدة مستخدماً العناصر الفنية الهندسية والعضوية والبنائية، من خلال التوحد مع مجموعة الألوان التي تجمع بين الايقاع والهارمونية في تواؤم وانسجام حتى تكون اسطح الجدران المراد التعامل معها في حال درامية متبادلة، بينها وبين افراد المجتمع". واعتمد الفنان في ذلك على التدفق والانسياب والجريان على سطح اللوحة احياناً باستخدام الوان الاكريليك السريعة الجفاف كتصميمات جدارية يمكن تنفيذها على الكثير من الاسطح المعمارية بخامات متعددة، وأحياناً أخرى بالترصيع بطريقة الفسيفساء القوية المتماسكة اللامعة ذات الذبذبة والتأثير اللوني، معتمداً على التعاقب او الترابط او الموازنة بين العناصر الفنية المكونة لها، من حيث درجات ألوانها وأوضاعها وقوة التأثير بين كل عنصر وآخر. وتعتبر هذه التجربة متميزة، خصوصاً مع تجربة العناصر وتوظيفها بالشكل الذي يناسب استخدامها، وعلى رغم تكرار العناصر احياناً، الا ان هذا التكرار خدم التوظيف الاساسي للشكل، فنجد العنصر في حالة استدعاء دائمة للعناصر اللونية والخطية المتجاورة، إذ يتوالد الحوار من خلال العلاقات اللونية الخطية المتداخلة المتفرعة والمؤدية الى بعضها بعضاً في نهاية الامر، بحيث يكون للمساحة دور مهم في خدمة الشكل، ومنه يخدم الشكل كل العناصر المستخدمة. نلاحظ ايضاً تركيز الفنان على مصادر الضوء وتدعيمها بالأثر اللوني، ما اكسب العمل بعداً فكرياً. والاعمال على رغم تجريدها في الغالب للعنصر المستخدم وتركيزها على الفكر بالدرجة الاولى للمتلقي، الا ان ذلك لم يقلل من قيمة العمل الجداري المصمم - المنفذ المعروض. بل على العكس، نجد الترابط اللوني واضحاً من خلال الساخن والبارد، القاتم والفاتح، الكثيف والخفيف. ايضاً التوازن ما بين توزيع الخطوط يؤدي الى الاخرى في ترابط شكلي فكري غني بالفهم والدراسة، ما يجعلنا نتفاعل مع العمل فنتأمله بدرجة أكبر، ونغوص معه فنفهمه اكثر، ثم نتحاور معه في النهاية حتى نصل الى النقطة التي يسعى اليها كل فنان في العالم، ألا وهي نقطة الالتقاء بين العمل الفني المعروض والمتلقي على اختلاف مداركه وثقافاته واتجاهاته. من هنا، فالأعمال المعروضة على اختلاف التقنية المستخدمة بها التصميم بالاكريليك - التنفيذ بالفسيفساء، وعلى رغم بساطة التناول وبساطة الفكر المطروح نجدها في الغالب تنجح في طرح فكرة ذات رؤية بصرية وتشكيلية خاصة في توظيف الشكل والمساحة واللون والأبعاد والضوء والحركة، وكلها عوامل نفتقد وجودها على الساحة التشكيلية الآن مما يعرف ب"لوكيميا الفن التشكيلي داخل مصر".