كيف نفسر هذا التشابه الكبير بين دعوى تحرير المرأة العربية في خطاب وزير الخارجية الأميركي كولن باول 12/12/2002، ومثيلتها في خطاب اللورد كرومر الحاكم البريطاني لمصر في أواخر القرن التاسع عشر؟ وما نقاط الضعف في المسلسل التلفزيوني المصري الذي عرض في اربعين حلقة شملت كانون الأول/ ديسمبر 2002 عن حياة قاسم أمين الذي يحمل لقب محرر المرأة المصرية؟! وكيف تخرج الحركة النسائية العربية من الخندق، وقد أصبحت محاصرة بالقوى الأميركية الإسرائيلية الاستعمارية من ناحية، ومن الناحية الاخرى بالقوى الإرهابية المحلية السياسية التي تتخفى وراء شعارات دينية وأخلاقية ووطنية وإصلاحية؟! "تحرير المرأة والتحديث والتعليم" كلمات يرددها كولن باول وأمثاله الأميركيون، كما رددها الاستعمار الاوروبي والبريطاني، وكذلك بعض الرجال العرب في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وكما يرددها أيضاً بعض النخب العربية اليوم، ومنهم هؤلاء الخبراء العرب الذين وضعوا تقرير التنمية الإنسانية العربية في الاممالمتحدة. ومنذ خمس سنوات تقريباً واجهت الحركة النسائية مأزقاً يشبه هذا الخندق، حين هددت القوى الأميركية الاستعمارية بقطع المعونة عن مصر إن لم يصدر قانون يمنع ختان الإناث. وكتبتُ حينئذ وقلت: "ليس باسمنا نحن النساء المصريات يتحدث الاستعمار الأميركي - الإسرائيلي"! ونقول اليوم لجورج بوش وكولن باول: "ليس باسمنا نحن النساء العربيات تتحدثون، ونحن لسنا في حاجة إليكم كي تحررونا، لأننا قادرات على تحرير أنفسنا بأنفسنا"! من المعروف أن الشعب المصري رجالاً ونساءً لا يستفيد شيئاً من المعونة الأميركية بقدر ما تستفيد منها الولاياتالمتحدة ذاتها، ومن المفروض أن نحتفل حين تنقطع هذه المعونة، بتخلصنا من هذا العار الذي بدأ منذ منتصف السبعينات وحتى اليوم، وأن نوجه عمليات التنمية والتحديث في بلادنا توجيهاً صحيحاً يعتمد على الذات وليس على المعونات من أعدائنا. كيف نتلقى معونة اقتصادية أو عسكرية من الولاياتالمتحدة الأميركية التي تقتل كل يوم مع حكومة إسرائيل الشعبين الفلسطيني والعراقي، وتخطط من الآن لضربنا جميعاً من المشرق الى المغرب، ومن سورية ولبنان الى الاردن ومصر والسعودية والكويت وتونس وليبيا والجزائر والسودان والصومال؟! كيف إذاً "تتألم حكومة الولاياتالمتحدة كل هذا الألم بسبب ختان البنات أو بسبب عدم تحرير النساء أو عدم تحديث التعليم في بلادنا؟!". لا شك في أن المشروع الأميركي لتحرير المرأة وتحديث التعليم منفصل تماماً عن مشروعنا التحريري الحقيقي الذي يرى أن نهضة النساء والشباب والطلاب لا تنفصل عن نهضة المجتمع كله، وأن استقلال نصف المجتمع لا يمكن أن يتحقق من دون استقلال المجتمع كله اقتصادياً وسياسياً وثقافياً وإعلامياً. وأذكر أن واحداً من النخبة المصرية يحمل مثل قاسم أمين لقب "رائد تحرير النساء"، كتب يقول منذ خمس سنوات: "كيف تطالب الولاياتالمتحدة الأميركية بمنع ختان الاناث في مصر؟ إن ختان المرأة المصرية جزء من هويتنا الثقافية في مواجهة الغرب الذي يسعى الى الهيمنة علينا، وأحد وسائل الهيمنة هو تحطيم القيم التي درجنا عليها، والهوية الاصلية لنا، والخصوصية الثقافية التي تميزنا عن الآخرين". هكذا وجدت الحركة النسائية نفسها في مأزق، ان حربها ضد ختان الإناث قد يبدو ضد المصالح القومية الوطنية لاستقلال البلاد، وضد الهوية الأصلية للمرأة المصرية، وضد الخصوصية الثقافية وتراثنا المجيد. لهذا انخفضت اصوات النساء، والتي هي في الأصل مخفوضة وهامشية في ساحة الصراع السياسي الابوي الطبقي، وبعض النساء انقطعت أصواتهن تماماً خوفاً من الاتهام بالإنحلال أو الفساد أو الإباحية، أو على الأقل الانشغال بأمور تافهة تتعلق بتحرير النساء تقليداً للغرب. كيف يمكن للحركة النسائية العربية أن تخرج اليوم من هذا المأزق وهي تسمع كلمات كولن باول عن تحريرها؟! كيف لها أن تقف ضد السياسة الأميركية - الإسرائيلية الاستعمارية في عالمنا العربي والافريقي والآسيوي، وفي الوقت ذاته تسعى لتحرير نفسها من الختان العقلي والجسدي، أو من الحجاب العقلي والجسدي المفروض عليها، تحت شعارات الهوية او الاخلاق او الدين أو الثقافة والخصوصية؟! إن الوعي الحقيقي بقضية تحرير المرأة العربية مثل أي مشكلة أخرى ومنها تخلف التعليم وانعدام الحرية والإبداع... يتطلب دراستها من النواحي السياسية والاقتصادية والتاريخية، كيف نشأت هذه المشكلة في التاريخ ولماذا وكيف نعالجها؟ منذ بداية الاستعمار الأوروبي في القرن التاسع عشر وحتى الاستعمار الأميركي الجديد في القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين، هناك محاولات لربط قضايا تخلف التعليم وتخلف النساء في بلادنا بالدين الإسلامي والهوية العربية، وقد ازدادت هذه المحاولات ضراوة بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر. نشهد اليوم حرباً عالمية من أجل النفط والموارد الاقتصادية في آسيا وافريقيا وعالمنا العربي، الا انها تتخفى تحت شعارات روحية ودينية وثقافية. تدعي انها "صراع بين الإسلام واليهودية والمسيحية"، أو "صراع بين الحضارات"، صراع الهيمنة وليس الحضارة فالحضارات الانسانية الحقيقية لا تتصارع، ولا تقتل الشعوب البريئة من أجل الاستغلال والاستعمار. ان الذي يتصارع اليوم هو الهمجية الأميركية الاوروبية الإسرائيلية التي تتخفى تحت شعارات الديموقراطية والتقدم والحداثة وما بعد الحداثة. أما الشعوب التي تتظاهر اليوم في جميع بلاد العالم ضد الحرب وضد جشع العولمة والرأسمالية فإنها تجسد الحضارة الإنسانية الحقيقية التي تتعاون معاً ضد الظلم والقهر بصرف النظر عن اختلافاتها الدينية والقومية والجنسية واللغوية والثقافية وغيرها. مسلسل قاسم أمين لو التزم المسلسل التلفزيوني عن قاسم أمين بما جاء في كتابيه عن تحرير المرأة ربما اصبح اكثر تعبيراً عن فكر قاسم امين، إلا أن المسلسل التلفزيوني اغفل الكثير من هذه الأفكار المتقدمة، ربما بسبب الرقابة على المسلسلات كما أغفل الكثير من الأحداث والشخصيات النسائية التي عاصرت قاسم أمين وكانت في أفكارها أكثر تقدماً منه ومن غالبية الرجال في عصره. اعتقد ان المشكلة لم تكن في قاسم أمين ذاته، وتردده في مساندة السيدة صفية، المرأة الشجاعة التي اختارت شريك حياتها الشيخ علي يوسف ضد إرادة السلطة الأبوية الطبقية المطلقة، لكن المشكلة الحقيقية كانت في المناخ السياسي السلطوي الخالي من الحريات الحقيقية للنساء والرجال في مصر، بحكم الاستعمار البريطاني المسيطر على الخديوي، وبحكم الخديوي المسيطر على النخبة المصرية من الزعماء ومنهم مصطفى كامل وقاسم أمين وسعد زغلول والشيخ محمد عبده وغيرهم. في هذا الجو القمعي والقهري تكتسب النخبة المصرية والنخب العربية "حكمة ثعبانية" تمنع التمرد الحقيقي ضد اللورد كرومر وضد الخديوي توفيق أو عباس أو غيرهم من الحكام. ونجحت هذه النخب العربية منذ القرن التاسع عشر وحتى اليوم في تبرير الخضوع والتنازل عن المبادئ الأساسية للتحرير الحقيقي للنساء ولأنفسهم أيضاً كرجال، كما نجحوا أيضاً في تعميم أسلوب للكتابة والخطب والكلام يوحي بنقد النظام الحاكم محلياً أو نقد الاستعمار الخارجي من دون مخاطرة بمصالحهم المشتركة مع هذا النظام داخلياً وخارجياً، بل من دون المجازفة بإغضاب الحاكم صاحب السلطة، وهو الخديوي او السلطان أو الملك أو رئيس الدولة او اللورد كرومر، أو السيد كولن باول أو غيرهم. إنها الحكمة الثعبانية التي تبدو لنا كأنما هي "عين العقل" أو قمة الحكمة، وأنهم حكماء العصر، على حين أن النخب العربية هي التي أوصلت بلادنا الى ما هي فيه من تدهور وتخلف وخضوع للقوى الخارجية والداخلية. إنها النخب العربية التي تقف ضد التحرير الحقيقي لبلادنا اقتصادياً وسياسياً وثقافياً، وهي تقف ايضاً ضد التحرير الحقيقي للنساء والشباب والاطفال، وضد التحديث الحقيقي للتعليم والإعلام والثقافة، على رغم كل شعاراتها الرنانة عن التحديث وتحرير النساء. هل يمكن أن ينوب الاميركيون عنا من أجل تحديث أنفسنا وتحريرها من الاستعمار الخارجي والقهر الداخلي؟! وهل يمكن أن ينوب الرجال عنا نحن النساء من أجل تحرير أنفسنا؟! أليست فلسفة "الاعتماد على الذات" هي الأساس الأول لأي عملية تحرير أو تحديد؟! لماذا غرق المسلسل التلفزيوني في القصور ونساء الباشوات والاميرات، وتجاهل دور النساء من الشعب المصري؟! وهل كانت الأميرة ناظلي فاضل هي مثال المرأة المصرية المتحررة فكرياً؟! هذه الأميرة التي بدت في زينتها المبالغ فيها مثل الدمية المزخرفة والملونة على رغم جسارتها في تجميع الرجال داخل صالونها! ولماذا اختفى صالون مي زيادة، مثلاً، التي تألقت فكرياً حتى العام 1915، وفرضت وجودها الادبي في مصر، في وقت ضرب فيه الحجاب على مثيلاتها من النساء، ولماذا تم تجاهل الكاتبة عائشة التيمورية، التي ولدت العام 1840 وماتت في القاهرة العام 1903 قبل موت الشيخ محمد عبده بعامين فقط، وأيضاً زينب فواز التي عاصرت قاسم أمين وكان لها دور بارز في تحرير المرأة، وكذلك ملك حفني ناصف، التي اشتهرت باسم "باحثة البادية"، وعاشت ما بين 1886 الى 1918، وشاركت بقلمها القوي في الكتابة من أجل رفع الظلم عن المرأة، وكانت آراؤها تكملة لدور رفاعة الطهطاوي، وكانت أكثر تقدماً من الطهطاوي وقاسم أمين، لأنها اعتبرت دعوة الطهطاوي إصلاحاً فقط، أما قاسم أمين فاعتبرها تحريراً. وبالغ المسلسل التلفزيوني في إظهار الدور الثقافي للأميرة ناظلي فاضل، والتي لم تلعب دوراً في تحرير النساء المصريات أو النضال من أجل استقلال مصر من الاستعمار البريطاني، بل ظلت على علاقة وثيقة بالسلطة العليا في البلاد ومنها اللورد كرومر ذاته، والذي لم يختلف عن الوزير الاميركي الحالي كولن باول في حماسته لتحرير النساء وتحديث التعليم في مصر لتخريج أجيال من الشباب والشابات الخاضعين للاستعمار الخارجي المؤمنين بالسوق الحرة والتجارة والبورصة والمنافسة من أجل الربح. ظهر قاسم أمين في المسلسل التلفزيوني حذراً متردداً، اكثر تردداً من رجال آخرين من الطبقات الشعبية مثل الشيخ علي يوسف، وزوجته الشجاعة السيدة صفية ابنة الشيخ المتسلط السادات، كما ان الشيخ علي يوسف كان اكثر فهماً لجوهر الاسلام من قاسم أمين الذي كان يردد الآيات القرآنية من دون إدراك لجوهر الفلسفة الاسلامية الذي يقول: "إذا تعارض النص مع المصلحة غلبت المصلحة على النص، لأن المصلحة متغيرة والنص ثابت". كان قاسم أمين يعيش داخل القصور، لا يعرف أن غالبية النساء المصريات ومنهن جدتي الفلاحة العاملة في أرضها كن يعملن في الحقول، ويمشين في الطرقات والأسواق مكشوفات الوجوه، ولم يرتدين أبداً الحجاب التركي الذي يغطي الوجه مثل زوجة قاسم أمين وبنات الباشوات والبهوات والأفندية. وعاش قاسم أمين حياته حتى مات مع هذه الزوجة المدللة الغارقة في زينتها السطحية مثل الدمية الغريرة الغبية فلم تساند قاسم أمين زوجها في أفكاره عن تحرير المرأة، وأنجبت منه بنتين، رأينا الكبرى منهما فتاة مدللة مزينة مثل الدمية أي مثل أمها، وليس لها معركة إلا لحفلة عيد ميلادها، واستهلاكها البذخ على غرار فتاة فرنسية أو تركية من الطبقة العليا. كيف فشل قاسم أمين في إقناع زوجته بأفكاره؟ كيف فشل في انجاب "الابنة" الكبرى أو الصغرى لتكون مؤمنة بتحرير نفسها واخواتها بل لتسير في طريق تحرير النساء كما سار أبوها؟ إلا أن قاسم أمين مثل غيره من النخب العربية، عاش الحياة المزدوجة، وفصل بين الحب والزواج أحب امرأة فنانة من الشعب الفقير، وكتم هذا الحب وجعله سراً دفيناً، في حين اعلن زواجه من ابنة الباشا الغريرة الغبية! هذه الازدواجية الاخلاقية التي يتسم بها النظام الطبقي الابوي، حيث ينجذب الرجل جسدياً وعاطفياً الى بنات الطبقة الدنيا، في حين ينجذب عقله الى بنات الطبقة العليا. إنها الحكمة العقلانية الثعبانية المزدوجة في السياسة والاقتصاد والحب والجنس والثقافة والاخلاق وكل شيء، وهي ضد حركة تحرير المرأة العربية، لأنها تقسم النساء إلى قسمين: 1 زوجات محترمات باردات وغبيات. 2 عشيقات محتقرات وساخنات عاطفياً وجنسياً. وهل تحديث التعليم يتعلق بتغيير المقررات الدراسية والمناهج وسنوات الدراسة حيث تتشابه مع المدارس الاميركية او البريطانية او الفرنسية؟! وهل تحرير المرأة العربية يعني أنها تستورد أحمر الشفاه ومساحيق التجميل وصبغات الشعر وترطن باللغات الاجنبية وتشتغل في الشركات التجارية المنافسة في السوق الحرة الدولية أو المحلية؟! ولا مانع من ارتدائها الحجاب حفاظاً على الهوية والخصوصية الثقافية؟! التحديث الحقيقي للتعليم في بلادنا يعني أن يتربى الطفل والطفلة في البيت والمدرسة على حرية التفكير وحرية التعبير وحرية النقد من دون خوف من عقاب. إن التحرير الحقيقي للمرأة يبدأ من الطفولة حين تتربى الفتاة أو الطفلة على النقد من دون خوف من أحد. هل هناك أحد ضد النهوض بالتعليم في بلادنا العربية؟ وهل هناك أحد ضد النهوض بالنساء إلا القوى المتخلفة؟ فلماذا ينفصل التعليم في بلادنا عن التحرير الاقتصادي والعدالة الاجتماعية والتخلص من قوى الاستعمار؟ هل يمكن التخلص من النظم الدكتاتورية المحلية العربية من دون التخلص من النظم الاستعمارية الدولية التي تقدم لها المعونات العسكرية والاقتصادية والإعلامية والتعليمية؟! وما نوع التعليم الذي يريده السيد كولن باول لبلادنا العربية؟ أو يريده تقرير التنمية العربية؟ إذاً هو الذي أراده قاسم أمين لتحرير النساء؟! وهل نحن في حاجة إلى أساتذة نستوردهم من الولاياتالمتحدة او بريطانيا ليلقنونا العلم والمعرفة؟! هل نحن في حاجة إلى استيراد آلات وكومبيوترات من الولاياتالمتحدة او بريطانيا أو غيرهما من أجل تحديث التعليم في بلادنا؟! وأيها ستصبح قادرة على نقد المدرسين والمدرسات، وقادرة على نقد رئيسها في العمل، ونقد أصحاب السلطة في الدولة أو في النظام الدولي الخارجي؟ وهل نحن في حاجة إلى استيراد الأساتذة الاميركيين حتى يعلموا أطفالنا عدم الخوف؟ هل نحن في حاجة إلى خبراء الأممالمتحدة أو خطاب السيد كولن باول ليقول لنا كيف تتحرر النساء في بلادنا؟ في الوقت الذي يتحدث فيه كولن باول عن توجيه ضربة عسكرية قاضية على الشعبين العراقي والفلسطيني هو يتحدث عن تحرير المرأة العربية وتحديث التعليم. كأنما قتل الشعوب العربية شرط أساسي لتحرير النساء العربيات وتحديث التعليم؟! كأنما الاستعمار الاميركي شرط للتحديث؟ ألا يدل هذا التناقض الصارخ على كذب الدعاوى الاميركية، وكذلك ايضاً دعاوى بعض النخب العربية الذين شاركوا في وضع تقرير التنمية العربية، وكذلك أيضاً بعض الذين سافروا الى فرنسا في القرن التاسع عشر ثم عادوا الى بلادنا ينادون بتحرير المرأة وتحديث التعليم على غرار ما شاهدوه في الخارج؟! لست ضد الاستفادة من تجارب الآخرين في الخارج والداخل، ولكني ضد عملية التحديث الزائفة السطحية الفوقية الهشة، والتي يقودها في بلادنا الأجانب مع نخب عربية معزولة عن مجتمعاتها، تجيد اللغات الأجنبية أكثر مما تجيد اللغة العربية، وتعيش في الصور بعيداً من الغالبية من النساء والرجال والشباب، وتربطها علاقات وثيقة بأصحاب السلطة والمال والبورصة والإعلام في الخارج والداخل. حتى الشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي جاء إلى القاهرة خلال كانون الأول ديسمبر 2002، يذهب الى الجامعة الأميركية لإلقاء قصائده! لماذا لا يلقي قصائده في الجامعة المصرية وسط آلاف الطلاب والطالبات من الفئات الشعبية والذين لا يستطيعون دخول الجامعة الاميركية؟ هل أصبحت الجامعة الاميركية في بلادنا هي مركز الثورية الشعرية والثقافية؟! على حين يحيط الحراس بالجامعة المصرية!. أصبح النشاط السياسي والاجتماعي والثقافي بما فيه التحرير النسائي من المهن الجديدة والمهارات الحديثة التي تؤدي الى الربح والصعود الى الطبقات العليا، حيث المنظمات الثقافية والنسائية بقيادة الأميرات والملكات وزوجات الحكام. وقد اختُطفت اللغة الثورية التحريرية ايضاً، فما أسهل الخطب الثورية التي نسمعها عن تحرير المرأة وتحديث التعليم والإعلام والعمل المدني والتكنولوجيا وحوار الحضارات، وكلها تتم في القاعات الرسمية الفخمة تحت رعاية أصحاب وصاحبات النفوذ والسلطة، في حين يزيد الفقر والبطالة وسطوة الاستعمار الأميركي. وتتألق هذه النخب العربية تحت الأضواء كما تألق قاسم أمين تحت الأضواء في حين يُدفن في التاريخ نساء ورجال كانوا اكثر وعياً بتحرير المرأة وتحديث التعليم من قاسم أمين أو غيره من النخب العربية المتألقة في حاضرنا اليوم. * كاتبة مصرية.