قبل سنة اغتيل أحمد شاه مسعود، أسد بانجشير الذي أرهق السوفيات إبان احتلالهم أفغانستان. اغتيل على يد صحافيين جندهما تنظيم "القاعدة". ولم يكن التخلص منه قبل يومين من هجمات الحادي عشر من أيلول سبتمبر مصادفة. بل كان جزءاً من المخطط. إذ وحده كان الشوكة الحقيقية في خاصرة نظام "طالبان" وحليفه أسامة بن لادن. كان زعيم المعارضة الحقيقية التي يمكن أن تشكل خطراً على نظام كابول. وكان قبل أسابيع من تصفيته بدأ تحركاً ينذر بمتاعب ل"طالبان" التي سيطرت على معظم الأراضي الأفغانية، لكنها عجزت عن تطويع هذا الأسد في أحد معاقله شمال البلاد... ورجله الان بين اعمدة الحكم في نظام حميد كارزاي. عشية الذكرى الأولى لاغتياله، نشرت "فرنس برس" أمس من نيودلهي شهادات قبل ساعات من لقائه الصحافيين العربيين اللذين جندا لهذه العملية. صديقه الحميم مسعود خليلي يتذكر ليلة الحادث كيف استدعاه أحمد شاه قائلا "احضر بسرعة". كان قلقاً ويشعر برغبة في ان يناقش مع صديقه السفير الافغاني في الهند آخر تطورات الوضع في افغانستان، إضافة الى بعض القصائد إذ كان من عشاق الشعر. يروي خليلي ان مسعود كان قلقاً جداً من تزايد عدد المرتزقة الاجانب في باكستان، ومن وضع قيادة "طالبان" تحت امرة بن لادن، وضرورة اعداد قواته مع اقتراب فصل الشتاء. وتركز الحديث على تخوفه من هجوم قريب قد تشنه قوات "طالبان" في سهل شومالي قرب تاخار، حيث كانت هذه القوات تسيطر على كل انحاء البلاد باستثناء هذه المنطقة في شمال شرق البلاد، والتي كانت حصن مسعود المنيع. وعشية التاسع من ايلول، التقى احمد شاه في خواجا بهاء الدين، العاصمة الادارية، لافغانستان الخارجة عن سلطة "طالبان"، نحو 25 من قادته وبحث معهم في الاعداد لهجوم مضاد على "طالبان". وخلال الليل اتصل هاتفياً باقطاب المعارضة الشمالية: الاوزبكي عبد الرشيد دوستم والهازاره الشيعي كريم خليلي والطاجيكي اسماعيل خان. وفي حوالي منتصف الليل بدأ الحديث عن الشعر والغزل الصوفي مع خليلي. وطلب منه قراءة ابيات من "ديوان حافظ" للشاعر الفارسي حافظ شيرازي. وحسب التقاليد الشائعة يفتح ديوان هذا الشاعر على نحو عشوائي على اي صفحة لتصبح الأبيات التي تتلى بمثابة قراءة في الغيب. قال أحمد شاه لخليلي: "افتح واقرأ لنرى ما سيحصل". وباشر خليلي القراءة: "تمتع بهذه الليلة التي سنمضيها معاً لأن الايام تمضي والاشهر تجري والسنين الكاملة تأتي، الا انك لن تستعيد ابداً هذه الليلة"... واضاف: "عندها انتفض مسعود وقال لي "اكمل اكمل القراءة" وهذا ما فعلته وكانت الساعة الثالثة والنصف صباحاً وقد لقي مسعود مصرعه بعد تسع ساعات"! كان على مسعود في صباح اليوم التالي ان يقابل الصحافيين اللذين مضت ايام على وصولهما وطلبهما مقابلته. فاصطحب خليلي معه واتفقا على تناول الغداء معا على ضفاف نهر آموداريا بعد الانتهاء من المقابلة وقبل التوجه الى وادي بانجشير. وقدم الصحافي والمصور التلفزيوني نفسيهما على انهما من المغرب والحقيقة انهما من تونس. وابرزا رسالة توصية تكشف انهما عبرا منطقة سيطرة "طالبان" وانهما يمثلان "مركزا اسلاميا يتخذ من لندن مقرا له". المرصد الاسلامي وتلا الصحافي 15 سؤالاً ينوي توجيهها الى شاه مسعود بينها ثمانية عن بن لادن مثل "لماذا تعتبره متطرفا؟ ولماذا لا تقبل بقيادته؟" وتابع خليلي: "كان مسعود يستمع، الا انه بدا متعكر المزاج. فقال : حسناً هل الكاميرا جاهزة؟ فرد عليه المصور نعم. وباشر الصحافي قراءة سؤاله الاول بكل هدوء ورباطة جأش "كيف هو الوضع في افغانستان؟" ولم ار على وجهه اي مظاهر قلق". وفور ترجمة اول كلمة من السؤال سمع خليلي صوت انفجار مدو "وبعد دقيقتين او ثلاث كان مسعود في عداد الاموات". واصيب خليلي بجروح خطرة نتيجة تطاير الشظايا. ويروي فهيم داشتي الذي يتسلم حالياً رئاسة تحرير "كابول ويكلي" بقية الرواية إذ كان حاضراً واصيب بجروح في الانفجار. قال: "سمعت انفجاراً ورأيت نوراً اصفر. وبعد لحظات الصدمة اكتشفت ان رأس مسعود وفخذيه فقط لم تتحول اشلاء، اما الباقي فتحول هشيماً. بعدها نقل مسعود الى سيارته ومنها الى مروحية اقلعت باتجاه طاجيكستان الا انني اعتقد بأنه كان توفي بالفعل". ويؤكد خليلي ان منفذي العملية تحركا بأمر من بن لادن الذي كان يريد استباق انعكاسات اعتداءات الحادي عشر من ايلول. "الجميع يعرفون ان بن لادن ارسلهما ودربهما في افغانستان". وقد قتل منفذا عملية الاغتيال، الاول مباشرة والثاني على ايدي احد حراس مسعود بينما كان يحاول الفرار.