عادت الحركة الانفصالية في اقليم بابوا الاندونيسي الى واجهة الاحداث اخيراً، وسط مخاوف من استهدافها الاجانب في مناطق سيطرتها الخارجة على القانون، وذلك بعد مقتل مدرسين اميركيين واصابة تسعة من الاجانب بجروح في هجوم شنه مسلحون يعتقد انهم من الانفصاليين على قافلة في الاقليم نهاية الشهر الماضي. وتلى الحادث هجوم مضاد شنه الجيش الاندونيسي ادى الى اشتباك بين الجانبين. ووقع الهجوم والاشتباك قرب اكبر منجم للذهب والنحاس في العالم، حيث يعيش السكان في حال فقر مدقع. ربما يكون اقليم بابوا الغربية أحد أغنى مناطق العالم وأفقرها في آن، ولا مبالغة في ذلك، فنصف الجزيرة التابع لاندونيسيا، وتكمله من الطرف الشرقي دولة "بابوا غينيا الجديدة" ويشكل حدود الارخبيل الاندونيسي من الشرق، هو اهم اقاليم اندونيسيا واغناها بالموارد الاقتصادية، الا ان معظم سكانه البالغ عددهم 2.5 مليون نسمة، يعيشون حياة بدائية. هذا الظلم الذي يطحن شعب بابوا الغربية او "اريان جايا" بحسب التسمية الاندونيسية، حرك النزعة الانفصالية، على رغم ان جاكرتا ضمت الاقليم اليها عام 1963 بعد استفتاء على انهاء الاحتلال الهولندي والانضمام الى اندونيسيا. وكانت بذلك بابوا الغربية، آخر الاقاليم التي تنضم الى اندونيسيا، بعد 18 عاماً على استقلال الاخيرة، لكن ثوار بابوا او "حركة بابوا الحرة"، تدعي ان الاستفتاء لم يكن نزيهاً، وان من حق الشعب الذي ناضل لانهاء الاحتلال الاجنبي الهولندي الا يحكمه احتلال اجنبي آخر، حتى لو كان جاراً. ومنذ دخول بابوا تحت الحكم الاندونيسي بدأت حركة التمرد الشعبية العمل على الانفصال عن اندونيسيا، من خلال مسارين، الاول عسكري قاده طه الحامد، العربي الاصل الحضرمي والمسلم، في مجتمع تغلب عليه المسيحية والوثنية، وهو ما يتمثل في "حركة بابوا الحرة"، والثاني يسعى الى الانفصال بطرق سلمية وديبلوماسية، وكان يقوده "تيس" الذي قتل في تشرين الاول اكتوبر 2001 في جزيرة جاوة، اثر لقائه عدداً من قادة الجيش والقوات الخاصة الاندونيسية. ونشطت الحركة الانفصالية المسلحة بعد سقوط نظام سوهارتو عام 1998، ووجدت في اقليم تيمور الشرقية الذي استقل عن اندونيسيا عام 1999، بتأييد دولي، نموذجاً مشجعاً على الانفصال. وبسبب الازمات المتلاحقة السياسية والاقتصادية التي هزت الدولة الاندونيسية منذ سقوط سوهارتو، اضطرت الحكومات الاندونيسية المتعاقبة الى التعامل بشيء من الواقعية والديبلوماسية مع الحركات الانفصالية، وفتحت باب الحوار والمفاوضات معها، ومن ضمنها "حركة بابوا الحرة". وقد اعتذر الرؤساء الثلاثة الذين تعاقبوا على الحكم بعد سقوط سوهارتو حبيبي وواحد وميغاواتي عن الظلم الذي مورس ضد شعب بابوا الغربية، ووعدوا بمنح الاقليم حكماً ذاتياً موسعاً يقضي بتحقيق تنمية افضل واستغلال 80 في المئة من واردات الاقليم من اجل تحسين ظروف الحياة فيه، ووقف استنزاف ثروات الاقليم لمصلحة جزيرة جاوه. وسمح الرئيس السابق عبدالرحمن واحد برفع علم شعب بابوا نجمة الصباح الى جانب العلم الاندونيسي، الا ان عدم الاستقرار الذي تعاني منه الحكومة لا يزال يعيق تطبيق الحكم الذاتي الموسع في اقاليم عدة في مقدمها بابوا وآتشي. وفي حقيقة الامر فان حكومة جاكرتا ليست هي من يستغل ثروات الاقليم، وانما شركة "فريبورت" الاميركية، وهي ثاني اكبر شركة تنقيب عن المعادن في العالم، ويرأس هنري كيسنجر مجلس ادارتها. وتستخرج هذه الشركة ما معدله 78 طناً يومياً من الذهب والمعادن، وبدأت العمل في الاقليم منذ 1960، وتعتبر مناطق عملها من المناطق الممنوع الاقتراب منها او تصويرها، وتلجأ احياناً الى تهجير السكان من منطقة الى اخرى من اجل عمليات التنقيب. ولا يشكل السكان الاصليون من عمال الشركة سوى 10 في المئة، في حين تقدم لحكومة جاكرتا بليون دولار سنوياً كمساعدة. وربما كانت خيرات بابوا الغربية هي السبب في شقاء شعبها، اذ كانت على الدوام محل استغلال منذ الاحتلال الهولندي وحتى الساعة، وظروف الاقليم تشجع على ذلك، فمساحته تشكل 22 في المئة من مجموع الاراضي الاندونيسية، في حين لا يشكل السكان سوى واحد في المئة من سكان اندونيسيا ال 225 مليوناً، وفيه 75 في المئة من غابات اندونيسيا، ما يعني ان الاقليم شبه مهجور او بكر، يغري بالاستغلال، وما يزيد في الطين بلة بدائية الشعب وتخلفه على كل الصعد. وحتى شكل وثقافة شعب بابوا تختلف عن الاندونيسيين، فهو يتحدر من عرقية "ابوزيزين" التي يتحدر منها ايضاً سكان استراليا الاصليون، ذوو البشرة السمراء والشعر الاجعد، وليس امام هذا الشعب الا انصاف الحكومة او تكرار سيناريو تيمور الشرقية.